رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولة المدنية هى الحل

جاء بمقدمة دستور 2014، والتى تعتبر جزءا من الدستور، أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كما جاء فى المادة 53: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى ولأى سبب آخر، التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون».
وهذا يعنى أن المصريين مواطنون متساوون فى إطار الدولة المدنية (وليست الدولة الدينية) ولا يفصل بينهم غير القانون والقانون وحده، فما هى القضية إذن؟.. القضية بكل وضوح وصراحة أن دولة القانون لا زالت تواجه ممارسات وسلوكيات وعادات وتقاليد وأعرافا قد أصبحت على مر الزمان بديلًا لأى قانون.
وهذه الممارسات وتلك الأعراف، وللأسف الشديد، كانت ولا تزال تستمد وجودها وشرعيتها غير الشرعية من بعض التفسيرات والاجتهادات التى تفسر بعض النصوص الدينية التى كانت وجاءت لمواجهة موقف معين وقضية بذاتها فى إطار مكانها وزمانها، مع العلم أن هذه الاجتهادات هى فعل ورأى شخصى قابل للصواب والخطا وليس مقدسًا.
ولكن وفى الإطار الاجتماعى والتمييزى والاستعلائى يتحول هذا الفكر وذلك الاجتهاد إلى مقدس وكأنه جزء من الدين.

كما أنه تاريخيًا، وحتى ظهور العلوم السياسية ومعرفة القانون والتشريع الوضعى، لم يكن هناك قوانين بالمعنى التشريعى والقانوني غير الأعراف والجلسات والمحاكم العرفية، تلك المحاكم التى تنطلق فى الأساس من أعراف القبلية والجهوية والأبوية البطريركية التى تعتمد على الطاعة لولى الأمر والخضوع للكبير، وسيطرة القوى على الضعيف، وكان كل ذلك فى إطار مناخ طائفى يميز بين الأديان والطبقات والطوائف والملل والنحل.

والأهم أنه كان هناك، ولا يزال، تلك التنظيمات السياسية التى تتخذ من الدين أسلوبا ووسيلة للسيطرة السياسية بزعم الدفاع عن الدين، وفى الواقع هم لا يدافعون عن الدين ولكن يسيطرون على العقول والأفهام استغلالا للعاطفة الدينية وتسخيرًا للدينى لصالح السياسى، وكل هذا فى إطار تفعيل وتكريس التمييز الدينى والاجتماعى والطبقى.

نقول هذا على خلفية بعض الحوادث التى شاهدها المجتمع المصرى فى الأيام السابقة، والتى دلت على وجود حالة من التمايز والتمييز الدينى من أناس لا علاقة لهم بصحيح الدين بقدر استغلالهم لمناخ طائفى يمارسون فيه أفعالا يهدفون من ورائها إظهار حالة تدين شكلى خاطئة وكأنهم يدافعون عن الدين.
وللأسف فهؤلاء بسلوكياتهم وصحيفة سوابقهم يسيئون لأى دين- ففاقد الشىء لا يعطيه- هنا وبالطبع فعندما تتكرر تلك الممارسات فى مواجهة غير المسلم فهذا يعنى أن هذه الممارسات تهدف فى المقام الأول إلى تأجيج الفتنة بين المصرى والمصرى تحقيقًا لأهداف تسعى إلى هدم وطن كل المصريين.

كما أنه قد تزامنت حادثة صفع السيدة المسيحية من الصيدلى المتنطع مع حادثة اعتداء أحد المتنفذين على رجل أمن، وللأسف رأينا فى الحادثة الأولى عقد ما يسمى «الجلسة العرفية» التى تُسقط القانون وتكرس مبدأ الغاب، ووجدنا فى الثانية تحويل الأمر إلى القانون الذى حبس المعتدى!
نعم هناك ظروف يمكن أن تكون مختلفة بين طرفى الحادثتين، فكون السيدة مصرية مسيحية مع مصرى مسلم فهذا وفى الإطار التقليدى والموروث، والذى هو نتاج ممارسات طائفية، جعل الجلسة العرفية وكأنها قدر محتوم بعيدًا عن القانون، خاصة عندما يحضر رجل دين مسيحى وكأنه ما زال المصرى المسيحى تابعًا لدولة الكنيسة وليس تابعًا لدولة القانون.

هذا يا سادة وغيره كثير لا يحقق لا دولة القانون ولا المواطنة الحقيقية والجمهورية الجديدة ولا الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، فلا يوجد ما يسمى «الدولة الدينية» فهى الدولة التى يسعى إليها من يستغلون الأديان، ولكن الدين والسياسة والحق والقانون والعدل تقول إنها الدولة المدنية التى لا تفرق بين مواطن ومواطن آخر، وهنا لا بد أن نشيد بفضيلة الإمام الأكبر الشيخ الطيب، شيخ الجامع الأزهر، فى تصريحاته التى أكدت المقاصد العليا للإسلام والتى لا تختلف عن كل القيم الدينية التى أرادها الله للبشر.
يقول فضيلته:
- إن التضييق على غير المسلمين فى مأكلهم ومشربهم بنهار رمضان بدعوى الصيام هو سخف لا يليق ولا يمت للإسلام بصلة.. إن المسيحيين ليسوا أهل ذمة بل مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات.
- لا يجوز للمسلمة أو المسلم أن يمسوا القرآن على غير طهارة، وذلك الأمر ينطبق على الإنجيل والتوراة.
- إن الإسلام يساوى بين الدفاع عن المساجد والدفاع عن الكنائس ومعابد اليهود بالقدر نفسه.

حمى الله مصر وشعبها العظيم فى إطار الدولة المدنية دولة المواطنة التى لا تفرق بين مصري ومصرى.. مصر دولة كل المصريين.