رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أشعل النار في ثيابه متعمدا».. حكايات من طفولة نزار قباني

نزار قباني
نزار قباني

"لم يكن صوتي جميلا، ولكن كل إنسان يتصور أن صوته جميل، كنت أشعر ذالك الحين أنه يمكن التعبير بالموسيقى عن النفس الإنسانية وحاولت بالفعل أن أتعلم الموسيقى لكن ثبت لي - بعدين - أني سأكون موسيقيا فاشلا، وأنا لا أقبل أنصاف الحلول فانتقلت إلى الرسم، غرقت في الألوان والأصبغة واللوحات وكنت أرسم حتى حيطان البيت".. هكذا تحدث الشاعر الراحل نزار قباني (21 مارس 1923 - 30 أبريل 1998) عن ذكريات طفولته، مستطردا: بعد عامين من الرسم بالألوان والأصباغ، بعدهما كنت في الخامس عشر من عمري، ثبت لي أن اللون أخرس، يعني ليس له لسان، مثلما الموسيقى يجب أن تتابعها بالإدراك النفسي وليس اللمس.

وفي حوار له بمجلة "الدوحة" بعددها رقم 7 الصادر بتاريخ 1 يوليو 1976 كشف عن انتقاله إلى الشعر، بعدما اكتشف أن الكلمة هي مبتغاه، قائلا: شعرت أن الكلمة هي الأقدر على أن تعبر عن عواطفنا لأنها هي لغة الإنسان للإنسان، وهي لغة مباشرة، ليست لغة محدودة مثل الموسيقى أو الرسم، وتابع: في البداية كنت أغني شعري. أدندن به. كان لدي في الحقيقة حالة سيولة من الموسيقى تدفعني إلى أن أحول الكلمة دائما إلى شيء ملحن، أنني أكتب شعري دائما على خلفية موسيقية.

كان لاطلاع الشاعر الراحل نزار قباني على أكثر من ثقافة أدبية وشعرية له أكبر الأثر في إثراء أسلوبه الشعري، وهذا ما أكده خلال حواره في أحد البرامج الإذاعية، فعندما كان يدرس في دمشق، كانت المناهج تضم إلى جانب اللغة العربية والشعر العربي القديم، الشعر الفرنسي، وبالتالي تنوعت ثقافته بين الشعر العربي القديم والشعر الفرنسي.

"طفولتي كانت مليئة بالأشياء الغريبة" هكذا قال الشاعر نزار قباني في حواره بجريدة "وطني" بعددها الصادر بتاريخ 17 مايو لعام 1998 ومن بين ذكريات هذه الطفولة ذكر أنه مرة أشعلت النار في ثيابه متعمدا ليعرف سر النار ومرة رمى نفسه من فوق سطح المنزل ليكتشف الشعور بالسقوط، مضيفا: وفي الثانية عشرة من عمري اجتاحتني حيرة لا شبيه لها، من أين أبدأ؟ كيف أبدأ؟ كنت إذا اضطجعت في سريري، أرفع يدي في الظلام، وأرسم في الفراغ خطوطا ليس لها نهايات، وأشكالا لا تعني شيئا.

وعن نشأته أوضح أنه ولد في بيت من بيوت دمشق القديمة، كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة، وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء، الأرض وأمي حملنا في وقت واحد، ووضعنا في وقت واحد. دار مئذنة الشحم، التي ولدت فيها، هي المفتاح إلى شعري، متطرقا في حديثه عن مدرسته الأولى وهي الكلية العلمية الوطنية في دمشق، دخل إليها في السابعة من عمره، وخرج في الثامنة عشرة يحمل شهادة البكالوريا الأولى  (القسم الأدبي) ومنها انتقل إلى مدرسة التجهير حيث حصل على شهادة البكالوريا الثانية (قسم فلسفة)، كانت المدرسة على بعد خطوات من بيته.

كانت اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية لنزار قباني، لأن نظام التعليم في زمن الانتداب كان يعطى اللغة الفرنسية مركزا متفوقا ويجبرهم على إتقانها كلاما وكتابة، مضيفا: كان أساتذتنا يأتون من فرنسا، وكانت كتب القراءة والنصوص والشعر والعلوم والرياضيات والتاريخ كلها كتبا فرنسية ومؤلفة وفق المناهج الفرنسية، في هذا المناخ نشأنا نقرأ راسين وموليير وكورناري وموسيه وإلكسندر دوماس وبودلير وبول فاليري وأندروه موروا في لغتهم الأصلية ونتذوق الأدب الفرنسي من متابعة، هذا التأسيس الفرنسي أعطانا بطاقة دخول إلى الفكر الأوروبي، وأتاح لنا أن نجلس في مقصورة من مقاصير الكوميدي فرانسيس قبل أن نرى باريس.