رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأم» و«حلم على نهر».. روايات وثقت نضال ومأساة الحركات العمالية

عيد العمال
عيد العمال

تباينت صورة العامل في الرواية والقصة العربيتين تباينًا موازيًا لاختلاف الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية عبر الحقب المختلفة، فيما يشي قليلًا بارتباط هذه الصورة بالمتغيرات الناشئة في المجتمعات العربية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وتحتفل مصر اليوم بـ «عيد العمال»، الذي يعد رمزًا لنضال الحركة العمالية فى كل بقاع الأرض، واحتفالًا يهدف إلى الاهتمام بالعمال وتطبيق سياسات العدالة الاجتماعية، ليضمن حياة كريمة لهم، مما يساهم فى زيادة الإنتاج.

وجاءت صورة العامل متكررة في الرواية العربية وتيمات متعددة، حتى إن هناك ما يمكن اعتباره كجنس أدبي رواية عمال، مثل الرحلة لفكري الخولي بأجزائها الثلاثة والفيلق لأمين عزالدين وغيرهما من النماذج التي تطرقت إلى شخصية العامل باعتبارها شخصية رئيسية.

في السياق الكلي لصورة العامل في الأدب العربي نجد أن هناك كتابًا كانوا في الأساس عمالًا، إما يسجلون سيرتهم الذاتية أو يتخذون تجربتهم فكرة قائمة للكتابة حولها، ومنهم محمد يوسف المدرك كان أحد القيادات العمالية الشهيرة في مصر، وله من الأعمال الأدبية الروائية العديد في هذا الاتجاه أشهرها من الكوخ إلى القصر في الثلاثينيات، والتي دون فيها حلم أن تصير الآلة لمن يعمل عليها، ليجسد فكرة النضال حول المصانع وتحويلها من ملكية خاصة إلى عامة، ونجد أن هذه الفترة سيطر عليها الاتجاه الرومانسي في الكتابة، فبعيدًا عن واقعية الحلم يناضل البطل في «من الكوخ إلى القصر» وهو ما يؤكده عنوانها ليشارك في إدارة المصنع باللجوء إلى دراسة الهندسة، كما أنه يحب ابنة صاحب المصنع من أجل الهدف نفسه، في ذلك الوقت كانت هناك أعمال تعمق فكرة الانتماء للوطن مثل عودة الروح لتوفيق الحكيم وغيرها.

وحاولت العديد من الروايات والأعمال الإبداعية، توثيق مأساة العمال، وثورتهم ودورهم فى نهضة المجتمعات، والظلم والاضطهاد، والقمع والهزيمة، التى تقع على عاتق فئة كبيرة فى كافة المجتمعات، وتعتبر فترة الستينيات من أكثر الفترات التى شهدت الأعمال الروائية التى تناولت العُمال، لأنها فترة الاشتراكية فى مصر، ونرصد أبرز الروايات التي تناولت العمال على مدار التاريخ ومن هذه الروايات:

رواية «الأم»، من أشهر الروايات في الأدب الروسي، صدرت عام 1906، وتناول فيها مكسيم غوركي الأوضاع والظروف التي أحاطت بروسيا خلال أحداث الثورة البلشفية التي دعمت النظام الاشتراكي.

أظهرت رواية الأم لمكسيم غوركي دور العمال في الثورة، وهم الذين كانوا يعانون من الظلم والاضطهاد من قبل الطبقات التي تمتلك وسائل الإنتاج والثروات، وهذا أسلوب روائي جديد أدخل فيه الكاتب التجربة السياسية في سنوات ثورة العمال الروسية مجسدًا التاريخ كما هو، فلم تبن الرواية على عقدة وحل، إنما بنيت على تطور طبيعي للشخصيات وأقدارها رغم التناقضات الموجودة فيها.

رواية "حلم على نهر"، للروائى الكبير جار النبى الحلو، تدور أحداث رواية "حلم على نهر" عن المحلة والعمال والمهمشين، وهى أولى الروايات الأربع التى كتبها الروائى جار النبى عن المحلة الكبرى، طرحت الرواية فكرة البطل الفرد صانع التاريخ، والبطل (سيد) في الرواية حينما ضاقت به الأرض رغم رحابتها فضل اللجوء الحثيث إلى أطراف البلدة حيث النهر الجميل، ليجد صيادًا خارجًا من النهر على ظهر بغلة، كالحلم لكنه الحقيقة، يقف (سيد) مشدوهًا لكن الصياد يطمئنه قائلًا له بأنه يبحث عن كنزه الضائع بالنهر، ويعد (سيد) بتحقيق حلمه الذي هو بيت علي ضفاف النهر على ألا ينسي عدة زروع صغيرة هامة لمجيء الصياد إليه مرات أخرى.

ومن كلاسيكيات الأدب العالمى، رواية "جرمينال"،  صدرت عام 1885 للروائى الشهير إميل زولا، يسرد فى صفحاتها معاناة العمال فى مناجم فرنسا والقهر الذى عاشوه في ظلماتها، سوء الظروف الاجتماعية والصحية وحتى الأخلاقية التى يستعرون من نارها بشكل يومى.

رواية "الرحلة"، لفكري الخولي صدرت عام 1987، التي تتناول حياة عامل مصري منذ أن كان طفلًا ترك قريته ليلحق بأصحابه الذين سيعملون في مصنع الغزل والنسيج الجديد، الذى أسس فى مدينة المحلة الكبرى، فنتعرف على جزء مهم ومجهول من حياة القرية فى مصر فى عشرينيات القرن العشرين، والتغيرات التى طرأت على مدينة المحلة بسبب التصنيع، وأحوال العمال الذين أتوا من أقاصى مصر ليبنى على أكتافهم وبتضحياتهم مجد مصر الصناعى، عمل فنى حقيقى وغير مصطنع وممتع إلى أقصى درجة.

رواية "الوسية"، لخليل حسن خليل، صدرت عام 1994، تحكى الرواية عن الطبقية والظلم الواقع على العمال والفلاحين والطبقات الكادحة، من خلال سيرة البطل، الذى صار فيما بعد أستاذًا للاقتصاد السياسي.

واحدة من أجمل السير الروائية العربية، كتبها خليل حسن خليل ليرصد فيها أحوال الناس والسلطة، والملاك والعبيد، والأرض والانتماء، والحراك الاجتماعي وعوامل التغيير، تسرد الرواية قصة كفاح شاب قروى حرم من التعليم، فعمل فى وسية الخواجة تحت وطأة الفقر، ثم تطوع فى الجيش وثابر وثقف نفسه بنفسه حتى حصل على الليسانس فى القانون، لكن تفوقه لم يؤهله ليشغل وظيفة مناسبة في سلك القضاء أو التدريس في الجامعة؛ لأنه فلاح ابن فلاح، إلا أنه لم يستسلم، وسافر في بعثة إلى الخارج ليعد للدكتوراه.

"الحرام" هى إحدى روايات يوسف إدريس التى صور فيها حياة عمال التراحيل وهم فئة مهمشة من طبقة الكادحين فى المجتمع القروى المصري، وتدور حول فكرى أفندى هو ناظر التفتيش الزراعى فى العزبة، وبالتالى فهو المسئول عن أراضى التفتيش، كانت له علاقات غير شريفة مع كثيرات من النساء. كان فكرى أفندى يحتقر الغرابوة (عمال التراحيل) ويعاملهم معاملة فظة سيئة مستغلًا سلطته كقائد لفرق العمل.

تحدث يوسف إدريس عن (الغرابوة) فى الرواية عندما حدثت واقعة أم اللقيط، فقد شك فى أن تكون أم اللقيط هى واحدة منهم. والغرابوة هم عمال التراحيل الفقراء الغرباء عن العزبة وأهلها الذين يأتون من بلادهم للعمل فى الموسم الزراعى بمنطقة العمل فى التفتيش من أجل أن يحصل كل منهم على بضعة قروش لا تكاد تقيم أوده، هذا الاسم "الغرابوة" يطلقه أهل العزبة (أهل التفتيش) على هؤلاء البؤساء، فأهل التفتيش يملكون النقود والأرض والبهائم ويرتدون الملابس النظيفة لذا فهم يحتقرون الغرابوة وينظرون إليهم وكأنهم مجرد نفايات.