رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فضحها «العائدون».. أوهام تنظيم داعش ومزاعم الخلافة

مسلسل العائدون
مسلسل العائدون

في الحديث الذي يدور بين رجل المخابرات التركي “كمال أقطاي” وزعيم تنظيم داعش الإرهابي “سياف” خلال مسلسل “العائدون”، يذكر الأخير، ضرورة خروج التنظيم من سوريا والعراق إلى ليبيا، بعدما ضيق عليها الخناق، مشيرا إلى أن فكرة الدولة والخلافة الإسلامية يمكنها أن تقوم وتتواجد في أي بقعة من العالم العربي، حفاظا على التنظيم وأعضائه وكيان الخلافة/ الدولة الإسلامية المزعومة.

ويحلل الباحث محمد علي المحمود، في كتابه “تجليات العقل الإرهابي”، عقيدة تنظيم داعش في هذا الصدد، أي إمكانية قيام وتأسيس الخلافة/ الدولة الإسلامية في أي مكان، بقوله: “تنظيم داعش ليس مجرد تنظيم يتجسد دولة على أرض الواقع، وإنما هو حلم أممي يتمدد على مساحة الوعي الإسلامي المأزوم، خصوصا بعد أن وصل الحلم إلى أعلى مراتبه الفنتازية بالإعلان عن الخليفة المزعوم للمسلمين، هذا ”الخليفة" الذي أصبح المرجع الرسمي/ الرمزي للإرهابيين، ما يعني أن سقوط هذا التنظيم وتبدده، ونفوق هذا الخليفة المزعوم، لن يكون نهاية تنظيم إرهابي فحسب، بل سيكون نهاية التيمة التي تحرك الوعي المتأسلم منذ تسعين عاما ــ منذ إلغاء الخلافة عام 1924ــ وتمده بالطاقة المعنوية الهائلة التي تمنحه القدرة على الصمود في وجه الواقع المعاند، بل وتشعل جمر الحياة، فتبعثه حيا من بين الرماد بعد كل فترة من فترات الخمود.  

ويشدد “المحمود” على: داعش تعكس ولو بالادعاء الكاذب أو الأمل، حلم الخلافة، ونظرية الخلافة تحتل مكانة مركزية في الوعي التراثي السني، مثلما تحتل نظرية الإمام مكانة مركزية في الوعي التراثي الشيعي، الخلافة السنية هي إمامة في جوهر تصورها، مثلما أن الإمامة الشيعية خلافة في تمظهرها العملي. وهذا يعني أن مجمل التراث الإسلامي (الذي تستوعبه المنظومة السنية بأطيافها، والمنظومة الشيعية بتفريعاتها)، متضافر على تأكيد وترسيخ هذه المركزية التي أشعلت وأشغلت الواقع التاريخي، مثلما ألهبت الخيال العام لمعظم المسلمين، ونفخت في الأحلام المسكرة علي امتداد أربعة عشر قرنا من تاريخ الإسلام.

هكذا يستمد الحاضر مشروعيته من الماضي

ويلفت “المحمود” إلى: إذن العالم الإسلامي ــ بكل طوائفه ومذاهبه ــ لا يزال إلى هذه اللحظة يؤسس وعيه المعاصر على هذا التراث المتجذر في الأعماق. ولهذا أصبحت مشروعية الحاضر تستمد مقوماتها الأساسية من مشروعية الماضي. المسلم المتدين اليوم، سنيا كان أو شيعيا، ينظر إلى واقعه بعيون تراثه، بل ويعيش تراثه مغتربا عن واقعه، عن الواقع الذي ينظر إليه ولكنه لا يراه. هذا هو واقعنا الذي يأسره تراث الماضي، ولا يتحرر من هذه الماضوية الخلافة / الإمامة إلا من التحرر من أسر هذا التراث الطويل، فالمتحرر من هذا الأسر متهم "بالتغريب"، مثلما هو التغريب المؤسس للنظرية السياسية الحديثة التي هي المرجع النظري لنظرية الأوطان.     

ويشدد “المحمود” على: كل الحركات السياسية المتأسلمة، بل وكل التيارات الإيديولوجية المتأسلمة، لم تنشأ أصلا إلا على مبدأ نزع المشروعية عن الواقع لمصلحة التاريخ. وحتى تلك الأدبيات ذات الطابع الجمودي، اللاحركي، تتضمن يقينا ــ بحكم الضرورة العقدية ــ هذا المنزع الرفضي. وبديهي أن كل الحركات المتأسلمة تتكئ على هذا المنزع الرفضي للتشكلات السياسية القائمة، أي في تأكيد رؤيتها الأممية المناهضة للقطرية، فالسلفية الحركية الثورية تقول صراحة ما تقوله السلفية السلبية الانكفائية تضمينا.

ويمضي “المحمود” مؤكدا على أنه: في مضمون كل حراك سياسي متأسلم، تكمن إرادة ضمنية لنزع المشروعية عن الدول / الأنظمة القطرية التي لها وجود حقيقي، راهن ومتعين، لمصلحة خلافة أممية، خلافة متوهمة، ولكنها متحققة يقينا في صميم الوجدان.

كل الحركات الأصولية هي في الأصل حركات سياسية، مهما رفعت من شعارات ذات طابع ديني. وهذا يعني أنها بالضرورة تطرح بديلا سياسيا لواقع سياسي. لا يمكن أن تنشر عن هذه الحركات والتيارات التي أمام ضمائر رموزها، فضلا عن أتباعها، أن وجودها مناهض بالقوة وبالفعل للمشروع الأممي الطموح، المشروع الحلم، المشروع الذي هو المعيار الصوابي الأمثل، في مقابل الأخطاء التي هي الأوطان!