رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شرارة ثورة 30 يونيو

القصة الكاملة لاعتصام المثقفين.. من معرض الكتاب إلى بيان سحب الثقة من «مرسي»

كتابشفرة 30 يونيو
كتاب"شفرة 30 يونيو" للإعلامى الدكتور محمد الباز

أثار ظهور الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا المصرية عام 2013 في حلقة اليوم من مسلسل «الاختيار 3»  والتي أدت دورها (إسعاد يونس)، استعادة دور المثقفين المصريين الممد لثورة الثلاثين من يونيو 2013، بداية من إقالة وزير الثقافة الإخوانى علاء عبد العزيز لكل من «عبد الدايم»، ورئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ مرورًا باعتصام المثقفين المصريين فى ديوان عام وزارة الثقافة، وبيان سحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسى آنذاك؛ وحتى اندلاع ثورة 30 يونيو.

الإعلامى الدكتور محمد الباز فى كتابه «شفرة 30 يونيو» الصادر عن دار سما للنشر والتوزيع عام 2021، سرد القصة الكاملة، إبتداءً من استشعار المثقفين المصريين خطر جماعة الإخوان المسلمين على الدولة المصرية منذ معرض الكتاب 2013 التى حملت شعاراً "حوار لا صدام" وكان العنوان مقصودا لذاته، فالجماعة كانت تريد فرض الصدام على المجتمع لتحقق ما تخطط له من عقود طويلة، بينما أراد المثقفون أن يعلموهم أن مصر لا تعرف غير الحوار، حتى بيان سحب الثقة من «مرسى». 

يقول «الباز»: «فى نفس الدورة أعلنت اللجنة المنظمة للمعرض عن فوز كتاب «سر المعبد.. الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين» بجائزة أفضل كتاب سياسي، ومن يعرف هذا الكتاب جيدا وما جاء فيه على لسان مؤلفه ثروت الخرباوي القيادي السابق بالجماعة، والذي يعتبر كتابه أكبر عملية فضح للإخوان فى تاريخهم، يدرك الرسالة التى كانت واضحة، فالمسئولين عن الثقافة المصرية يمنحون خصم الإخوان العنيد جائزة أفضل كتاب، وهو ما ساعد فى الترويج له وجعله على قائمة أولوية القراءة ليس فى مصر فقط، ولكن فى العالم العربي.

بعد أقل من شهر، وفى 17 فبراير 2013 دخل المثقفون المصريون معركة مع جماعة الإخوان. 

وضع النقابة على التماثيل.. في محاولة لإخفاء الهوية المصرية

شهدت الدولة المصرية عدد من العمليات الإجرامية الخاصة باستهداف تماثيل رموز الثقافة فى مصر، فقد قام مجهولون بسرقة رأس تمثال عميد الأدب العربى فى ميدان المحافظة بالمنيا، وفى مدينة المنصورة قام مجهولون بوضع نقاب على وجه تمثال كوكب الشرق «أم كلثوم». 

انتفض المثقفون لما يحدث، واعتبرت الوزارة الاعتداء على التماثيل عملا إجراميا يفتقر إلى كل القيم الوطنية والإسلامية بل والإنسانية، وفى الوقت الذى حاولت فيه جماعة الإخوان أن تبدو وكأنها لا تعرف شيئا عما يحدث، كان المثقفون على ثقة أن الجماعة تقف وراء هذا الفعل الشنيع، أو على الأقل تتواطأ مع مرتكبيه، فهى تعرف أن حلفاءها من يفعلون ذلك، لكنها لم تحرك ساكنا. 

أحداث بورسعيد.. وبيان سحب الثقة من «مرسى»

وعندما وقعت أحداث بورسعيد فى مارس 2013، وبعد سقوط قتلى خلال أحداث العنف التى وقعت هناك، أصدر عدد من المثقفين بيانا كان عنوانه واضحًا «نسحب الثقة من الرئيس ونطالب بمحاكمته»، وشددوا فيه على سحب الثقة من محمد مرسى، واعتبروا أن هذا الإجراء لو تم فإنه سيكون بمثابة تصحيح من الثورة لبعض أخطائها، وتعود به بعد تعثر إلى النقطة الأولى من مسارها إلى 11 فبراير 2011 يوم تنحي الرئيس مبارك. 

لم تتوقف جماعة المثقفين عند إصدار هذا البيان، بل طالبت الحقوقيين بتصعيد الأمر إلى المطالبة بمحاكمة «مرسي». 

لم يتوقف غضب المثقفين عند حد، لكنه وصل ذروته عندما جاءت الجماعة بوزير ثقافة إخواني، فقرروا التصعيد إلى منتهاها، عندما قرروا الاعتصام لمنع دخول وزير الجماعة إلى مكتبه بالوزارة. 

الوزير الهستيرى.. لغز علاء عبد العزيز فى وزارة الثقافة 

فى 7 مايو 2013  أجرى رئيس الوزراء هشام قنديل يجرى تعديلا وزاريا أختار فيه علاء عبد العزيز وزيرا للثقافة، ورغم أنه استاذاً بأكاديمية الفنون إلا أن قطاع كبير من المثقفين المصريين لا يتذكرون له إسهاماً لا فى تخصصه الأكاديمي أو حتى فى الشأن الثقافى المصري، وعن ذلك يقول «الباز»: «الاسم  لم يكن يعرفه أحد، ولم يكن لديه هو ما يبرر جلوسه على كرسى وزراء عظام سابقين يمثلون عمق وحقيقة الثقافة المصرية، لكنه بدأ عمله بالاستقواء بجماعة الإخوان التى ينتمي إليها وجاء ليحقق أهدافها فى الثقافة المصرية». 

كان أول ما طلبه وزير الثقافة الإخوانى من مسئولى الوزارة تقريرا مفصلا عن حالة جميع قصور الثقافة فى مصر من الأسكندرية إلى أسوان ويبلغ عددها 570 قصر ثقافة، وكانت أول زيارة له خارج مكتبه إلى مقر هيئة قصور الثقافة. 

وضح لمن يتابعون وزير الثقافة الإخوانى أنه يسعى إلى السيطرة على جميع قصور الثقافة، وإحلال المسئولين فيها بإخوان حتى يضمن للجماعة السيطرة الكاملة عليها. 

كان أداء علاء عبد العزيز داخل الوزارة مريبا وغريبا فى آن واحد، فمنذ دخوله مكتبه وهو مصاب بـ «هستيريا»، وطبقا للمسئولين فى الوزارة تحدثوا فى تقارير صحفية، قالوا أن الساعى لم يكن يجرؤ على أن يصنع له أى مشروبات مثل الشاى أو القهوة إلا بعد أن يراقبه أحد أفراد الحراسة المخصصة للوزير ليتأكد بنفسه أن الساعى لم يضع له أى سموم بالمشروبات، وكان دائما ما يقول للساعى «أنتم هتسموني إمتى؟». 

لم يكن علاء عبد العزيز يتحرك داخل الوزارة إلا بصحبة ثلاثة من حزب الحرية والعدالة، وكانوا يمثلون حلقة الوصل بينه وبين مكتب الإرشاد والجماعة، ولم يكن يتخذ أى قرار إلا بعد الرجوع إليهم؟. 

في 27 مايو 2013 كان مقررًا أن يفتتح علاء عبد العزيز المعرض العام للتشكيليين المصريين فى دار الأوبرا، ولكنه افتعل مشكلات تنظيمية، فافتتح التشكيليون معرضهم بأنفسهم فى غياب الوزير، وهو حدث نادر فى تاريخ المعرض، أن يتم الافتتاح فى غياب الوزير. 

وفى اليوم التالي مباشرة 28 مايو، ألغى عرض "أوبرا عايدة" في دار الأوبرا بالقاهرة احتجاجا على قرار الوزير بإقالة إيناس عبد الدايم رئيسة دار الأوبرا، ورفع الستار عن فنانى العرض من مصر وإسبانيا وإيطاليا وأعلن المايسترو ناير ناجي إلغاء العرض قائلا إن الفنانين والعاملين والفنيين يرفضون قرار الوزير ويرونه جزءا من خطة ممنهجة لتسييس الثقافة والفنون الرفيعة فى مصر، وسيسدل الستار على جميع العروض إلى أن تتم إقالة الوزير، وصفق الجمهور تضامنا ورفض استرداد قيمة التذاكر. 

توالت استقالات المثقفين من مناصبهم احتجاجا على تعيين عبد العزيز وزيرا للثقافة، وفي الوقت الذي رفض علاء عبد العزيز مقابلة أي وفد من المثقفين المستقلين، رحب باستقبال وفد من حزب الحرية والعدالة، شعر المثقفون بخطورة وجود علاء عبد العزيز على الثقافة المصرية بشكل عام، وهو ما دفعهم فى 23 مايو 2013 إلى تأسيس "جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية"، وأعلن عنها فى مؤتمر حاشد فى نقابة الصحفيين بحضور ممثلين للنقابات المهنية وعدد كبير من المثقفين من كل الاتجاهات. 

قرر المثقفون أن يخرجوا الوزير الإخوانى من مكتبه، وقبل بداية الاعتصام الكبير الذى بدأ فى 5 يونيو 2013 بيومين بدأت وقفات الاحتجاج أمام مكتب الوزير.

اعتصام المثقفين.. المسمار الأخير فى نعش الجماعة الإرهابية 

كان يوم 5 يونيو 2013 يوما مشهودا فى تاريخ الثورة المصرية على الإخوان، ففي هذا اليوم بدأ المثقفون اعتصامهم بعد أن تمكنوا من الدخول إلى مكتب وزير الثقافة علاء عبد العزيز ومنعه من الدخول وطالبوا برحيله التام عن منصبه. 

بدأ الاعتصام بأسماء لها وزنها وثقلها فى الثقافة المصرية، فقد كان أول المشاركين صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وفتحية العسال ومحمد العدل وسيد حجاب وناصر عبد المنعم، ذهبوا إلى مكتب الوزير بحجة أنهم يريدون مقابلته رغم أنهم كانوا يعرفون أنهم ليس موجودا، وبمجرد دخولهم إلى مكتبه أعلنوا أنهم يعتصمون احتجاجا على وجوده فى منصبه. 

وصل الخبر إلى المثقفين فقرروا التوافد على مقر الوزارة بالزمالك، وقرروا تشكيل غرفة عمليات بمكتب الوزير، يديرها ويشرف عليها اللواء هشام فرج وكيل الوزارة لقطاع الأمن، والمقدم محمد الحسينى وأحمد شيحة وأحمد عبد العزيز وسامح الصريطى وسيد فؤاد والدكتور أحمد عواض ومجدى أحمد على والدكتور أحمد مجاهد والدكتور سامح مهران والدكتورة إيناس عبد الدايم، وقرر هؤلاء جميعا ألا يغادورا مقر الوزارة إلا بعد نجاح الثورة. 

استمر الاعتصام لما يقرب من ثلاثة أسابيع ولم يخرج منه المثقفون إلا للمشاركة فى الثورة الكبيرة فى 30 يونيو. 

تعامل وزير الثقافة الإخوانى بعنف شديد مع المعتصمين، إذ طلب من مدير أمن الوزارة أن يقطع عنهم المياه والكهرباء، وتفريقهم بالقوة، وعندما رفض قال: «أنا هبعت ناس تكسرهم وتعلقهم على سور الوزارة»، كما طالبت الرئاسة وزير الداخلية محمد إبراهيم بفض اعتصام المثقفين بالقوة، لكنه رفض، وتعهد بتوفير الحماية الكاملة للمعتصمين. 

حماية وزارة الداخلية لم تمنع الإخوان من التفكير فى فض الاعتصام بالقوة، فقد كانت هناك محاولة للاعتداء على المعتصمين، قادها أحمد المغير الذى كان يعرف بفتى خيرت الشاطر، حيث حشد مجموعة من المتطرفين لفض الاعتصام. 

وأعلن «المغير» عن نيته لفض الاعتصام بالقوة على «فيس بوك»، وهو ما دفع المثقفين إلى الاحتشاد للدفاع عن الاعتصام، ودفعت قوات الأمن بتعزيزات أمام مكتب الوزير، وأرسلت ثلاث مدرعات وثلاثة تشكيلات أمن مركزى لحماية الوزارة والمعتصمين. 

وقعت اشتباكات بين المغير ومجموعته وعدد من شباب المثقفين الذين أجبروا المتطرفين على الانسحاب، وبعد فشل محاولة الاعتداء، رفع المعتصمون سقف مطالبهم إلى إقالة رئيس الجمهورية بشكل فوري.