رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء.. حبة القلب المصرى.. من الاختيار.. إلى العائدون.. ومن الرفاعى إلى المنسى

الاختيار كشف تغير استراتيجية مصر تجاه أهالى سيناء من «عدم التفاهم» إلى «الاحتواء» و «الاستيعاب»

رفض زعيم قبائل سيناء لرشوة خيرت الشاطر مقابل السماح للأجانب بالتواجد فى سيناء.. مشهد يقول الكثير عن حب الوطن دون شعارات 

أنصار الإخوان قبل يناير ٢٠١١ حاولوا تقديم الإرهابيين فى سيناء كعناصر وطنية ومنظمات التمويل الأجنبى دافعت عن الإرهابيين 

«العائدون» كشف حقائق عن توظيف مقاتلى داعش فى شركات الحراسة الخاصة واستخدامهم فى ابتزاز مصر فى سيناء وليبيا

حاصرتنا باقة الأعياد خلال اليومين الماضيين.. عيد القيامة المجيد وشم النسيم وعيد تحرير سيناء.. ثلاثة أعياد مصرية صميمة ترتبط كلها بالتاريخ وبالفداء وبمكانة مصر.. تاريخيًا كانت مصر حاضنة المسيحية.. جاءها المسيح صغيرًا.. وفيها ظهرت أول كنيسة فى العالم وفيها ظهرت الرهبنة.. أما شم النسيم فهو عيد المصريين جميعًا يحتفلون فيه بازدهار اللون الأخضر الذى طالما ميز مصر عن غيرها وبقى علامتها المميزة مهما زحفت عليه كثبان الرمل الصفراء وتخيلت أنها سيطرت عليه.. لكنه يبقى دائمًا وكأنه يحقق نبوءة الأبنودى «عشب الربيع مهما اندهس بالقدم.. بيشب تانى لفوق».. أما سيناء فهى حبة القلب المصرى.. هى أرض الرسالات.. والتحديات والتضحيات.. مدخل مصر وبوابتها وهدف دائم للمؤامرات ضدها.. فيها استشهد آلاف الرجال من إبراهيم الرفاعى الذى كان يقاتل عدوًا غاصبًا إلى أحمد منسى الذى كان يقاتل إرهابًا متسللًا.. عدو واحد يظهر بأزياء مختلفة.. ولا أدرى هل كانت الصدفة أم العقل المخطط الدقيق هو السبب فى ظهور سيناء فى حلقات الأمس من مسلسلى الاختيار والعائدون وكلاهما أعلى المسلسلات المصرية مشاهدة فى رمضان هذا العام.. وكأنها رسالة من المصريين أنهم متعطشون لمعرفة تاريخهم وما كان يدبر لهم.. إننا فى الاختيار نتابع نشاط الخلايا التكفيرية التى كانت تدور حول مفتى الإرهاب عمر رفاعى سرور الذى كانت مهمته تجنيد الإرهابيين وإرسالهم لسيناء.. حيث حمل الإرهاب أسماء متعددة من «التوحيد والجهاد» إلى «أنصار بيت المقدس» ثم «ولاية سيناء» وقد انتهى الجميع إلى الهزيمة والاضمحلال بعد أن رويت سيناء بدماء الشهداء وعرق المقاتلين.. فى أحداث الاختيار أيضًا شاهدنا هذا الظهور القوى لأهل سيناء ممثلين فى شخصية الشيخ أحمد أحد زعماء قبيلة الترابين واستجابته لدعوة مسئول المخابرات العامة للتنسيق والعمل ضد المقاتلين الأجانب الذين أرادوا احتلال أرض سيناء تحت ستار الإرهاب، وما لم يقله المسلسل أن هذا التحالف كان تعبيرًا عن تفكير استراتيجى جديد تبناه الجيش المصرى بعد ٢٠١٢ حيث كانت هناك شواهد على سوء إدارة لملف العلاقة مع أهل سيناء منذ تفجيرات ٢٠٠٥ أدت لحماية بعض القبائل لأبنائها من المتورطين فى الإرهاب.. وقد تزامن هذا مع محاولات أمنية غربية لتقديم نشاط الإرهاب فى سيناء وكأنه تعبير عن قضية سياسية أو اجتماعية.. أو عن معاناة أهالى سيناء الذين حاولت المخابرات الغربية تقديمهم كأقلية.. وكان من أوجه هذه المؤامرة تطوع محامين من منظمات العمل الأهلى الممولة غربيًا للدفاع عن المتهمين فى قضايا التفجيرات فى سيناء، وكان منها أيضًا اصطناع صوت إعلامى وتقديمه فى صورة أديب وكاتب صحفى.. وكان من الغريب جدًا أن تتبنى جريدة الدستور قبل يناير ٢٠١١ هذا الصوت وتنفخ فيه وتقدمه على أنه رمز ثقافى سيناوى.. وأظن أن هذا أحد الألغاز المحيطة بدور الصحيفة وقتها وبرهانات المشرفين عليها فى ذلك الوقت وقد سافر الرجل فيما بعد إلى الغرب وقيل إنه يعيش فى كفالة سيدة إسرائيلية.. من الأحداث التى يكشفها المسلسل محاولات خيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان وأمين استثمارات الجماعة ورجل الأعمال شراء ولاء زعيم قبائل سيناء، وتحويل موقفه من العداء للإرهابيين فى سيناء إلى دعمهم بإغرائه بالدخول فى شراكة تجارية معه.. والحقيقة أن تنظيمات الإرهاب فى سيناء كانت هى الجناح العسكرى للإخوان رغم عدم وجود علاقة معلنة وقد كانت هذه لعبة احترفها الإخوان منذ التنظيم الخاص فى عهد حسن البنا وحتى آخر خلية إرهابية تم دهسها فى مصر.. فقد كان المرشد العام يخرج بعد كل سقوط لإرهابى تابع للإخوان ليقول إنه لم يعرف.. ولم ير.. ولم يوافق.. فى حين أن غيره من قيادات الجماعة رأى وكلف ووافق بتكليف منه وتدبير من جماعته.. لقد أجاد الفنان الكبير منذر رياحنة تقديم دور الشيخ أحمد الزعيم القبلى السيناوى.. كما أجاد تقديم مشاعر الاحتقار لعرض خيرت الشاطر.. الذى تخيل أنه يمكن أن يدير مصر من شركته التجارية فى مدينة نصر.. أما مشهد النهاية الواقعى والذى هو جزء من لقاء حقيقى يطلب فيه الشاطر من المسئولين التحقيق مع رجلى أعمال شهيرين فهو يكشف تصور الإخوان بعد سيطرة الشاطر على مصر.. فقد كان يرى مصر شركة.. والصراع مع الحزب الوطنى هو صراع أموال ومصالح وصراع على الرضا الأمريكى.. من منهم ينال شهادة الثقة لتطبيق الليبرالية الجديدة فى مصر.. حتى عندما ألقى القبض عليه بعد العرض العسكرى شبه المسلح فى جامعة الأزهر كتبت صحيفة الدستور الموالية للإخوان وقتها أن هذا بسبب صراعه مع أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى حول صفقات تجارية ومنافسات فى السوق.. وكانت مصر قد تحولت إلى صفقة وكان الشاطر يريد إزاحة منافسيه من رجال الأعمال بالملاحقة القضائية لهم.. والحق أن مصر ليست ملك هؤلاء ولا هؤلاء ولكنها ملك للمصريين.. 

 

العائدون إلى سيناء

ومن الاختيار إلى العائدون سنرى أن سيناء ما زالت هدفًا.. فنحن نرى فى المسلسل المبنى على أحداث حقيقية.. كيف نجحت المخابرات المصرية فى كشف خطة دولة إقليمية أو دولتين حليفتين فى إعادة تدوير مقاتلى داعش.. وتقديمهم للعالم كمقاتلين مرتزقة.. يعملون فى شركات أمنية خاصة.. مجاراة لموجة ظهور هذه الشركات التى لعبت أدورًا غامضة فى مناطق الصراع الملتهبة فى العالم.. فالذين خلقوا تنظيم داعش وساعدوه فى الامتداد من العراق إلى سوريا كان عليهم مجاراة السيناريو العالمى الجديد.. فوجود التنظيم كدولة لم يعد مرغوبًا فيه بعد أن تغير السيناريو.. لكنّ مقاتليه يمكن توظيفهم فى خدمة مصالح الدول الكبرى ووكلائها الإقليميين فى المنطقة العربية مثل إرسال بعضهم لسيناء مثلًا.. لاستنزاف القوة المصرية.. أو تشتيت الانتباه عن جهود التنمية.. أو استخدامهم كورقة ضغط فى مفاوضات تدور حول الغاز مثلًا.. وسيتم إرسال بعضهم أيضًا إلى ليبيا لتحقيق نفس الأهداف.. وقياس رد الفعل المصرى.. وإلى أى مدى سيكون حاسمًا وصارمًا.. وهل سيعتبر العمق الليبى خطًا أحمر أم لا.. وهكذا.. أحداث شيقة ومعلومات ممتعة.. ومباراة أمنية على مستوى عال.. وسيناء فى خلفية الأحداث.. هنا.. وهناك.. واليوم وأمس وغدًا.