رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من مصلحة التلغراف لديوان الأوقاف.. الحياة السرية لـ«الموظف» عباس محمود العقاد

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

عندما عمل نجيب محفوظ بوزارة الأوقاف نصحه كامل الكيلاني المتخصص فى أدب الطفل بألا يكشف عن موهبته الأدبية وأن يخفي هويته كمؤلف حتى لا يتعرض للاضطهاد، مثلما فعلوا مع عباس محمود العقاد (28 يونيو 1889- 13 مارس 1964) عندما عمل بديوان الأوقاف وإضطهد حتى تقدم باستقالته منها ويعد أول موظف مصري استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره.

 

اشتغل العقاد بوظائف حكومية كثيرة في المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديد وديوان الأوقاف لكنه استقال منها واحدة بعد الأخرى، ولما كتب العقاد مقاله الشهير «الاستخدام رق القرن العشرين» سنة 1907، كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والاشتغال بالصحافة بعد أن مل من العمل الروتيني الحكومي.

 

بعد أن ترك عمله بمصلحة البرق، اتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة اطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور. وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه.

 

توقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة وهو ما جعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه فاضطر إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل قوت يومه ومما قاله العقاد عن تجاربه مع وظائف الحكومة: "تزداد هذه المعابة حين تكون الوظيفة كما كانت يومئذ عملا آليا لا نصيب فيه للموظف الصغير والكبير غير الطاعة وقبول التسخير، وأما المسخر المطاع فهو الحاكم الأجنبي الذي يستولي على أداة الحكم كلها، ولا يدع فيها لأبناء البلاد عملا إلا كعمل المسامير في تلك الأداة.       

وتابع"العقاد" :" كنا نعمل بقسم التكلفات أي تدوين الملكيات الزراعية أيام فك الزمام، وليس أكثر في هذه الأيام من العقود الواردة من المحاكم ومن الأقاليم فلا طاقة للموظف بإنجاز العمل مرة واحدة فضلا عن إنجازه مرتين.وكنت أقرر عددا من العقود أنجزه كل يوم ولا أزيد عليه ولو تراكمت الأوراق على المكتب كالتلال، ومن هذه العقود عقد أذكره تماما.. كان لأمين الشمسي باشا والد السيد علي باشا الشمسي الوزير السابق المعروف، مضت عليه أشهر وهو بانتظار التنفيذ في الموعد الذي قررته لنفسي. وجاء الباشا يسأل عنه فرأيته لأول مرة، ورأيته لا يغضب ولا يلوم حين تبينت له الأعذار التي استوجبت ذلك القرار.     

       

 وأختتم مقاله قائلاً :" إن نفوري من الوظيفة الحكومية في مثل ذلك العهد الذي يقدسها كان من السوابق التي أغتبط بها وأحمد الله عليها.. فلا أنسى حتى اليوم أنني تلقيت خبر قبولي في الوظيفة الأولى التي أكرهتني الظروف على طلبها كأنني أتلقى خبر الحكم بالسجن أو الأسر والعبودية.. إذ كنت أؤمن كل الإيمان بأن الموظف رقيق القرن العشرين".

 

بعد أن عمل بالصحافة، صار من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك حامية مع القصر الملكي، مما أدى إلى ذيع صيته واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب. 

سجُن بعد ذلك لمدة تسعة أشهر عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية؛ فحينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، ارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه». 

 

وفي موقف آخر أشد وطأةً من الأول، وقف الأديب الكبير موقفًا معاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى إن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب، كان العقاد يبشر بانتصار الديموقراطية في الوقت الذي كانت فيها المظاهرات في مصر ترفع شعار «إلى الأمام يا روميل»، وما إن اقترب جنود إرفين روميل من أرض مصر حتى تخوف العقاد من عقاب الزعيم النازي أدولف هتلر، وهرب سريعًا إلى السودان عام 1943 ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.