رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزاؤنا واحد



حين نعترف أننا بحاجة ماسة لتغيير ثقافتنا، ونمط تفكيرنا تجاه الآخر، ستختلف أمور كثيرة في حياتنا، ولن نكون عرضة لهذا التوتر عند وقوع كل حادث طرفيه مسلم ومسيحي في مصر..
القانون هو كلمة السر، دون مواربة أو تجميل للواقع، وأعتقد أننا نشأنا جميعاً على شعار "الدين لله، والوطن للجميع" لكننانكرر هذا الشعار عند كل مشكلة، بما يعكس أن نفراً منالا يستوعب جيداً جوهر هذا المبدأ!
لقد فُجعنا جميعاً بجريمة قتل   القمص أرسانيوس وديدفي  مدينة الاسكندرية، فالرجل حسب كل التقارير التي نشرت بخصوصه، كان ودودا، محباً للناس، عطوفاً يخدم الجميع بغض النظر عن دياناتهم، نموذج للإنسان كما يجب أن يكون في أخلاقة وتصرفاته،
لذا فإن حزننا مشترك ومصيبتنا واحدة، وهكذا يجب أن ننظر إلى مثل هذه الحوادث، نزنها بمصريتنا وإنسانيتنا فقط وليس وفق منظور ديني!
القتيل مصري،وبغض النظر عن دوافع الجريمة، ففي النهاية هذه الجرائم تقع يومياً ليس في بلادنا فقط، ولكن في جميع دول العالم، لذا يجب أن نضعها في إطارها الصحيح، دون تهويل أو تفريط!
يجب أن نثق في القانون، ونعطيه الغلبة ونحترمه ونستخدم المفردات اللائقة حين نعبر عن هيمنته وسطوته، حتى نتحرر من المشاعر الثقيلة التي تضيق بها صدورنا عند كل حادث!
هناك إشكالية كبيرة في ردود أفعال كثير من المسلمين في مصر حين تقع هذه الحوادث، إذ يبادرون إلى تقديم العزاء إلى الأقباط، وكأن المصاب يخصهم فقط!
"نعزي أشقاءنا الأقباط، شركاء الوطن" يا له من تعبير تمييزي ساذج، يجب أن ندرك أن الفاجعة تخصنا جميعاً، والعزاء واجب للجميع، وحين نصل إلى هذه القناعة سواء كنا مسلمين أو مسيحيين، لن نلتفت كثيراً إلى هوية الجاني أو ديانته بقدر الالتفاف حول الطرف المجني عليه ودعمه ومساندته والقصاص له بالقانون دون أدنى شك في تحقيق العدالة..
أهل مصر في رباط، وإلا ما تجاوزنا الأهوال التي شهدتها بلادنا في الفترة من عام 2011 وحتى عام ٢٠١٣، لذا لا مبرر للمزايدات ودق الأسافين وسن السكاكين حين يحدث خطأ عرضي يمس ديناً أو طائفة، فأي إنسان سوي يدرك جيداً أن هذه الحوادث فردية، لكن ما نحتاجه هو إعادة النظر في ثقافة التعامل معها، فالمبالغة في رد الفعل أسوأ من الفعل ذاته!
كما يجب على المسؤولين في جميع المؤسسات ذات الصلة، اختيار مفرداتهم بعناية، وعدم استباق تحقيقات الأجهزة الأمنية لمجرد إرضاء المنتمين أو التابعين، فهذا أسوأ ما يمكن أن يحدثخصوصاً في لحظات التوتر والغضب!
لقد حققت الدولة قفزات رائعة إلى الأمام في هذا الملف خلال السنوات الأخيرة على مختلف الأصعدة، لكن يجب أن نساير هذا التطور، بكثير من السماحة والإنسانية والإيمان بالله والوطن..
أنا مصري مسلم، لكن فخور للغاية بكنيستنا المصرية، لما لها من تاريخ عظيم وقدرة على التأثير، وموروث حضاري يضرب بجذوره في أعماق الزمن، وهكذا يجب أن نتعامل مع مؤسساتنا الدينية العريقة، بغض النظر عن ديانتنا، لأنها جزء من عظمة هذا الوطن .. حمى الله مصر وأهلها..
محام بالنقض- مستشار قانوني أول بدبي