رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهر الخير.. أصحاب موائد الرحمن: نستقبل المسلم والمسيحى

موائد الرحمن
موائد الرحمن

موائد الرحمن هى بركة رمضان، والعادة التى يتقرب بها المصريون إلى ربهم فى الشهر الكريم، وتعكس حالة الكرم والترابط بين أبناء الشعب، ومدى حبهم لعمل الخير ومساعدة الغير.

وحُرم المصريون من أجواء موائد الرحمن خلال العامين الماضيين، بسبب انتشار جائحة فيروس «كورونا»، والالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الوباء، الأمر الذى يمنح تلك الموائد هذا العام روحًا مختلفة أحس بها الجميع.

ويمكن اعتبار موائد الرحمن نشاطًا اقتصاديًا ومصدر رزق لكثير من الفئات العاملة فى مجالات الطبخ والفندقة، الذين يتولون إعدادها وينتظرون مجىء رمضان كل عام، من أجل زيادة دخولهم فى هذا الموسم.

«الدستور» أجرت جولات ميدانية، رصدت خلالها أجواء موائد الرحمن هذا العام، وكواليس تجهيزاتها وأنواع الأطعمة التى تضمها، وكيف أنها تضم جميع المصريين من الأقباط والمسلمين على السواء، وغيرها من التفاصيل.

ناصر العمدة: أعمل فيها منذ أن كان عمرى ١٣ عامًا.. وأوصيت أولادى باستمرارها بعد وفاتى

فى تمام السادسة مساءً بمنطقة «الطوابق» فى فيصل، كانت روائح الطعام تدل المارة على أماكن موائد الرحمن، وبمجرد وصولك إلى المائدة، تجد من يستقبلك بكل ترحاب ومودة، وترى طاولات يمتد طولها لعشرات الأمتار، وتحمل مختلف أنواع الطعام والحلويات، يجتمع حولها الكبير والصغير، منتظرين سماع الأذان.

وقال الحاج ناصر العمدة، ٦٧ عامًا، أحد أصحاب موائد الرحمن فى منطقة فيصل، إنه يعد موائد للصائمين منذ أن كان عمره ١٣ عامًا، وكانت هذه عادة سنوية لدى والده وجده ينفذانها فى مسقط رأسهما بمحافظة بنى سويف، ليقرر هو استكمال ذلك الواجب الخيرى فى المنطقة التى يقطن بها حاليًا فى فيصل، ليطعم المساكين والفقراء طوال الشهر الكريم.

وأضاف أن أزمة انتشار جائحة «كورونا»، حرمته من تنفيذ موائد الرحمن لمدة عامين، التى كان يعتبرها أهم أولوياته فى الشهر الكريم، ولا يمكن التخلى عنها بأى شكل، لذا لجأ إلى وسيلة لتعويض غياب المائدة، وهى توصيل وجبات الطعام لمنازل المحتاجين قبل الأذان.

ورأى أن مهمة توصيل الوجبات كانت أكثر صعوبة من إعداد موائد الرحمن، كونها تتطلب مسحًا كاملًا لبيانات المواطنين المستهدفين، وتوفير عمالة كبيرة تستطيع توصيل الطلبات فى الوقت المناسب.

وأعرب عن سعادته بالسماح بعودة موائد الرحمن هذا العام، مشيرًا إلى أنه جهز لها قبل الشهر الكريم بالاتفاق مع الطباخين الذين اعتادوا العمل معه وتحضير التجهيزات المطلوبة لفرش الطاولات فى الشارع، ووضع اللافتة التى تحمل اسم المائدة، حتى يراها المارة فى المنطقة.

ووجه الشكر لكل من يساعده فى إتمام هذا العمل الخيرى، الدى يعتبره بمثابة فرض عليه خلال شهر رمضان لا يمكنه الاستغناء عنه، موصيًا أولاده باستكمال مشواره فى إعداد موائد الرحمن من بعد وفاته، ومواصلة تقديم الخير للمحتاجين طالما كانت هناك إمكانية لتحقيق ذلك.

أقباط يشاركون فى إعدادها: «كلنا واحد»

حرص عدد كبير من الأقباط على المشاركة فى تجهيز موائد الرحمن لإفطار الصائمين فى رمضان هذا العام، مشددين على أن الدافع الحقيقى وراء مشاركتهم هو شعورهم بأن المسلمين والأقباط يد واحدة دائمًا.

وقال الصيدلى شريف أديب إنه يشارك للعام الرابع على التوالى فى إعداد موائد الرحمن، ويساعده أكثر من ١٥ عاملًا بين طباخين ومتطوعين.

وأضاف «أديب» أن العام الماضى كان مختلفًا تمامًا بسبب جائحة فيروس «كورونا»، التى اضطرته لشراء وجبات غذائية جاهزة من المطاعم وتوصيلها إلى الصائمين، بدلًا من إعداد الوجبات، كما كان معتادًا كل سنة.

وواصل: «شعرت بحزن شديد جدًا بسبب فقدان العمال والطباخين باب رزق كانوا يعتمدون عليه فى الحصول على دخل خلال شهر رمضان، فضلًا عما كانت تعكسه المشاركة فى إعداد الوجبات من حب وترابط بين المصريين».

وأعرب عن سعادته بقرار عودة موائد الرحمن هذا العام، مضيفًا: «شعرت بفرحة كبيرة وبحثت عن العمال واتفقت معهم على العودة مرة أخرى للعمل وتقاضى الرواتب».

وفى شارع «النصر» بمدينة الغردقة فى البحر الأحمر، يقف محارب رمزى، القبطى الخمسينى، الذى اعتاد على إعداد موائد الرحمن للصائمين منذ ٨ سنوات، برفقة مجموعة من الشباب يرتدون زيهم الأبيض ويقدمون أجود أنواع الطعام بحرص شديد، فوق طاولات يتم وضعها فى منتصف الشارع بشكل يجذب جميع المارة.

المائدة التى أطلق عليها قاطنو المدينة «أكبر مائدة رحمن فى الغردقة»، يؤكد صاحبها أن فكرة المشاركة فى موائد رمضان جاءته منذ ٢٠١٤، وصولًا إلى إعداد هذه المائدة، التى تسع ٩٠٠ صائم يوميًا.

وكشف عن تشغيل عدد كبير من الطباخين المسلمين والأقباط، من أجل هدف واحد هو إفطار الصائمين فى شهر رمضان المبارك، متابعًا: «أهل مصر نسيج واحد وجميعهم يعبدون ربًا واحدًا».

وشدد على أن جميع المسئولين عن إعداد المائدة لا يتناولون الطعام إلا بعد مغادرة آخر صائم، حيث يجلسون معًا لتناول الطعام.

وعن محتويات الوجبات المقدمة، قال «رمزى» إنها تشمل لحومًا ودواجن وحلويات، وجميعها يكون مغلفًا بطريقة جيدة، ومنها ما يتم توزيعه «ديليفرى»، بسبب خجل البعض من القدوم إلى المائدة.

 

طهاة وعمال فراشة: باب رزق افتقدناه خلال جائحة «كورونا»

قال الشيف عمرو البنا، أحد الطهاة الذين تتم الاستعانة بهم فى تجهيزات موائد الرحمن بمحافظة المنوفية، إنه ينتظر هذا العمل الموسمى بشدة، رغم أن أجره لا يُقارن بالأعمال الأخرى التى يستدعى لها مثل الأفراح والعزومات وغيرها من المناسبات.

وأضاف: الطابع الدينى الممزوج بالروح الشعبية فى مثل هذه الأيام له مكانة خاصة فى قلبه، لذا أتغاضى على مسألة الأجر هذه، وأحرص على إعداد طعام شهى بأفضل جودة ممكنة للمشاركة فى إفطار صائم، لما فى ذلك من أجر كبير عند المولى سبحانه وتعالى.

وكشف عن أن العمل يبدأ منذ الثالثة عصرًا وينتهى فى السابعة مساءً، بعد التأكد من إطعام جميع الوافدين إلى المائدة، وتوزيع الحلوى عليهم بعد الإفطار، ليجتمع بعد ذلك هو وزملاؤه على طاولة الطعام ويتناولون وجباتهم بسعادة.

وعن تجهيزات موائد الإفطار، قال إن أصحاب هذه الموائد يتعاقدون مع محال معينة تورد لهم كميات من اللحوم والفراخ والبقوليات، ثم يعمل على طهوها فى الشارع، داخل مكان مجهز قريب من مكان المائدة، ويحرص على الانتهاء من الطهى قبل أذان المغرب بدقائق قليلة، حتى يتسنى تقديم وجبات الإفطار ساخنة.

واختتم حديثه بالتعبير عن سعادته بالعودة إلى العمل فى موائد الرحمن مرة أخرى، بعد أن حرمته جائحة «كورونا» من باب رزقه لمدة عامين متتاليين، داعيًا المولى أن يحفظ مصر وشعبها من كل سوء.

محمد أسامة هو الآخر استفاد من عودة موائد الرحمن، فالرجل الذى يعمل فى أحد محال الفراشة، تمت الاستعانة به هذا العام من أجل توفير الكراسى والطاولات والصوان لإقامة موائد الرحمن داخل مدينة المحلة الكبرى.

وقال «عبدالرحمن»: «نوفر الكراسى والطاولات والخيم والإضاءة، ونعمل بشكل موسمى، لكننا نحب العمل فى رمضان لننال الأجر والثواب من الله، وليس رغبة فى الحصول على المال».

واختتم: «نأمل ألا يتكرر قرار الغلق مرة أخرى، وتعود الحياة إلى طبيعتها بشكل تام، حتى نستعيد جميع الذكريات والأجواء الروحانية، التى حُرمنا منها خلال العامين الماضيين».

أستاذ فيروسات: تقديم وجباتها فى أطباق بلاستيكية ضرورى

وجه فايد عطية، أستاذ مساعد الفيروسات الطبية والمناعة فى مدينة الأبحاث العلمية بالإسكندرية، بعض النصائح الوقائية لرواد موائد الرحمن خلال فترة شهر ومضان، على رأسها ارتداء الكمامات الطبية بشكل دائم، والحفاظ على التباعد الجسدى، بمسافة متر على الأقل بين كل شخص وآخر. وأضاف «عطية»: «أنصح المتطوعين لتجهيز الموائد بالحرص الشديد على تعقيم الأوانى والطاولات والأطباق والملاعق بشكل جيد، وغسلها بالماء الساخن والكلور، كما يُفضل أن تكون الأدوات المستخدمة فى إعداد وتقديم الوجبات بلاستيكية تستخدم لمرة واحدة فقط، مثل الأوانى الفويل والملاعق البلاستيك، منعًا لانتقال عدوى فيروس (كورونا) فى حال وجود مصاب بين أى تجمع».