رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حرمت من الحنان والأبوة والأمومة وخشيت من النساء».. اعترافات يوسف إدريس

يوسف إدريس
يوسف إدريس

" أبحث عن الاثنين معًا، الأب والأم، وبداخلي الإحباط العاطفي العربي، والإحباط العاطفي الغربي".

حكى الأديب يوسف إدريس عن إحباطاته العاطفية واحتياجه لأمه وأبيه وللمرأة، وذلك في حواره لمجلة "الكرمل" يوليو 1984.

ووصف يوسف إدريس أن حالته العاطفية نادرة وخطيرة ، أتعبته كثيرًا، كان يبحث عن الأب والأم، وهما لا يزالا أحياء، قال :" كانا هنا، ولكني ما كنت أحس هذا، كانوا بعيدين عني، وبخاصة في سن الخامسة، عندما أسلوني إلى مدرسة بعيدة كي أتعلم، كنت أحلم بأهلي كل ليلة وأنا صغير، كان تعتني بي أم جدي، امراة عجوز".

عاش الأديب يوسف إدريس وهو أصغر من في البيت، الجدة عجوزة، وهو طفل في الخامسة، وكانت جدته تحكي له الحكايات وتضربه، وهو في كل ليلة يرى الحلم المتكرر، يرى نفسه مع أبيه وأمه واخوته، يأكل معهم، يعيش معهم، يلعب معهم، وأمه تحتضنه.

كان  يوسف إدريس الأكبر بين إخوته من الذكور، يقول "كان ذكور أبي من أولاده يموتون، ولذلك تزوج ثلاث مرات، الثالثة كانت أمي، وكنت أول ذكر يعيش، دللوني أربع سنوات، كنت ملكا".

أدرك يوسف إدريس معنى الفقر مبكرًا، أضيف إلى الحرمان العاطفي الحرمان المادي، أجبر على أن يعي معنى كلمة فقر وحرمان، يعترف: "هذا خلق أشياء خطيرة في شخصيتي ولا أستطيع التخلص منها، ولذلك أتعاطف من أولئك المحرومين من القوت أو العاطفة هم كثيرون جدا، كما أدركت فيما بعد".

تعلم يوسف إدريس من الحرمان أن يخفي مشاعره، تعلم أن يخفي حبه، إذا أحب امرأة يخفي عنها، لأنه يخاف أن تحرمه من هذا الحب كما حرمته منه أمه، يقول:" كنت دائما خائفا أن أؤتي من عواطفي، أن يلدغني الآخر الذي أحبه في حبي له، كما لدغت وأنا طفل".

اعترف "إدريس" أنه لم  يكره الناس، لأنه كان يبحث عن عائلته التي لم يعش معها، وهو ما اعتبره الخطر الأكبر من عدم وجود الحبيبة.

كان البحث عن حبيبة من جانب يوسف إدريس صعبا، أراد من المرأة أن تحبه بعاطفة كبيرة، بعطاء أكبر، أن تقول له هي أولا أنها تحبه، لا أن يطاردها لتقول له ذلك، يقول "أنا المحروم من الحنان، حصلت على أول قبلة لي كإبن وأنا في الحادية والعشرين من عمري، لم تقبلني أمي قبلها أبدا".

كان "إدريس" في إحدى السهرات مع أصدقائه، وشاهد أم تحتضن طفلها الصغير، وتمرر يدها بحنان عل ظهره، عندما رأي هذا كاد أن يبكي.

يقول لمجلة "الكرمل": "أنا كنت مضروبا، ممنوعا، ولذلك كنت بحاجة إلى وقت طويل كي اكتشف أنني ولد، وأنني مرغوب ومطلوب، وأن حواء لا تكرهني، تلك الأم أحسست كم هي أنثى، بينما كانت أمي ثلاثة أرباع رجل".

كانت مغامرات يوسف إدريس مع النساء بحثا عن الحنان، رغم أنهم كانوا يرون فيه أعظم كاتب أنتجته البشرية- بحسب وصفه- وكان ذلك لا يساوي عنده لحظة سعادة وهو طفل، كان على استعداد أن يتنازل عن كل ما يملك، قال: "أنا أتنازل عن ملك الأرض والسماء في سبيل لحظة مشابهة، أحس فيها أنني ذلك الطفل المدلل المحبوب، طفل مثل هذا سيعيش الجنس دون نظرة مرضية، دون إحباط".

قال "يوسف إدريس" :" كنت حلوا، الآن صرت وسيما، للأسف لم أستفد من شكلي أبدا، عندما كنت شابا وسيما جدا، كنت مشغولا بالكتابة إلى درجة لم ألحظ فيها هذا".

كان الأديب الراحل، لا يريد ان يرى وجهه في المرآة، وكتب قصة قصيرة عنوانها "19502" عن رجل نظر إلى نفسه في المرأة فلم يجد وجهه أبدا، كان يتمنى أن يشف حتى لا يراه الناس، وفي أحيان أخرى تمنى لو أن الله خلقه بطريقة أخرى "لست راضيا عن شكلي، الناس هي التي تقول لي هذا ولكنني لست مقتنعا".