رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر الطبخة.. تاريخ المطبخ المصرى: الملوخية والبصارة ابتكارات أم الدنيا

تاريخ المطبخ المصرى
تاريخ المطبخ المصرى

لأن آثار أجدادهم لا تكفى لتُقيم حضارة تنافس الحضارة المصرية القديمة أو حتى تقترب منها، حاول البعض سرقة طبخات مصرية أصيلة وادعاء انتمائها لثقافات أخرى، لذا كان من الضرورى توضيح الحقائق وتأكيد أن الأكلات المصرية هى «اختراعات بنات مصر» فى عصور مختلفة، وهى جزء من التاريخ كتماثيل الأجداد.

«الدستور» ترصد الشائعات التى انتشرت فى هذا الشأن، وتورد الحقائق التاريخية التى تنفيها، ليعرف من ادّعى أن الكشرى اختراع هندى مثلًا أنه لا يعرف شيئًا عن تاريخ أرض النيل.

المطبخ المصرى تاريخ قائم بذاته، يضم أكثر من مطبخ فرعى، مثل: «المطبخ السكندرى والمطبخ الصعيدى والمطبخ الفلاحى والمطبخ البدوى»، وكل مطبخ من هذه المطابخ له وصفات تبهر الناس حتى الآن.

ادّعى البعض أن الملوخية اختراع طباخى الدولة الفاطمية، ومنهم انتقل إلى بيوت مصر، وفى المقابل أكد التاريخ أن هذه الطبخة بدأت فى مصر القديمة كعلاج لآلام البطن، وكان اسمها «خيّة».

تقول الكاتبة حنان جعفر، فى كتابها «تاريخ المطبخ المصرى»، إن البرديات المصرية القديمة أثبتت أن الملوخية نبات عرفه أهل مصر منذ آلاف السنين، ووصفوه بأنه «شجرة قصيرة أوراقها خضراء ولا يزيد طولها على ٧٠ سنتيمترًا.. زرعت على ضفاف النيل، ويمكن تجفيفها واستخدامها فيما بعد». 

ويقول المؤرخ عادل الفضالى إن كلمة «ملو» أضيفت إلى «خيّة» بمرور الوقت، وإن المعز لدين الله الفاطمى استجاب لنصائح أطبائه واستخدم الملوخية كعلاج للمغص، وتحسنت حالته بالفعل، وانتشر النبأ.

وفى عام ١٨٠٥، أصدر الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله قرارًا بمنع الشعب من تناول أو زراعة الملوخية، لأن الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان كان يحبها، وتسبب القرار فى استياء كبير فى الشارع، وبدأ المصريون يزرعون الملوخية سرًا ويهربونها.

والثابت تاريخيًا حسب كتاب «الطبخ أصله مصرى»، أن البصارة تُنسب للعصر القبطى كإحدى وصفات الفول الشهيرة فى مصر.

كما أشيع أن الكشرى وجبة هندية، ودخل مصر مع الجنود الهنود ضمن جيش الاحتلال البريطانى، وأن المكرونة دخلت مصر مع الاحتلال الفرنسى، لكن التاريخ يقول إن المصريين عرفوا الكشرى منذ آلاف السنين، والدليل هو العثور على العدس المخلوط بالقمح والحمص، واتضح أن الوصفة انتقلت للشام بعد ذلك وسميت «مجدرة».

ويقول عدد من الرحالة، مثل «بوركهارت وبلزونى»، إن الكشرى أكلة مصرية، موضحين أن المصريين كانوا يخلطون الأرز بالعدس.

وذكر ابن بطوطة، فى كتابه «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، أن المصريين طوروا الكشرى وأضافوا له الحمص والخل والثوم والشطة.

وتقدمت تركيا لتسجيل الكشك بوصفه طعامًا تركيًا، لكن التاريخ أثبت أن المصريين عرفوا الكشك فى القرن التاسع، وكان يصنع من القمح، وعرف فى العصر العباسى باسم «الهرائس»، وبعد ذلك استخدم الأرز فى صناعتها، وأصبح الاسم «كشك ألماظية».

وتناول المصريون الكوارع أيضًا، وعرفت فى عصر الملك «سخم خت»، من الأسرة الثالثة الذى كان يعشق تجريب أنواع كثيرة من الطعام، ففاجأه الطباخ بطهو أرجل الحيوانات بعد نزع العظم منها وإضافة التوابل المختلفة، فأحب الأكلة جدًا وأطلق عليها «كا رع»، أى روح الإله رع.

وتقول الباحثة سوزان عمارة إن المصريين عرفوا المحشى خلال فترة الحكم العثمانى، وكان يسمى وقتها «دولمة»، أى الخضروات التى تحشى بخلطة خاصة عبارة عن أرز متبل ولحم مفروم، لكن المصريين أخرجوا اللحم من قائمة الخلطة ووضعوا بدلًا منها بهارات صنعت خلطة المحشى المصرية.

وادّعى البعض أن الفاطميين هم الذين صنعوا الحلويات التى يعرفها المصريون حاليًا، لكن التاريخ يقول عكس ذلك، فكتاب «الطبخ أصله مصرى» مثلًا، يؤكد أن بعض المأكولات المصرية انتقلت إلى بقية مناطق الخلافة، واستقر بعضها فى المغرب، قبل أن تُنسى فى مصر.

ويعتبر «الكعك المغربى» مثلًا تطويرًا للكعك المصرى الذى عرفه قدماء المصريين قبل أن يأتى التاريخ بالخلافة الفاطمية، والاختلاف الوحيد أن شكله تغير إلى «هلال» حينما دخل الإسلام مصر.

ومن الحلوى التى انتقلت من مصر إلى بقية الدول «الكعك المقلى»، الذى انتشر فى شمال إفريقيا، والغريب أن المصريين اخترعوا أنواعًا كثيرة من الكعك ثم توقفوا عن صناعتها.

وحاول الأتراك منذ فترة أن ينسبوا أكلة دمياطية أصيلة إلى مطبخهم، وهى «اللينزا- فطير محشو مهلبية»، لكن التاريخ أكد أن نساء دلتا النيل سبقن غيرهن وصنعنها مبكرًا.

كما استخدم الأتراك وصفة «كيكة الجلاش المصرية»، وحاولوا أن ينسبوها لأنفسهم، وثبت أنها ابتكار مصرى.

وتقول الباحثة سوزان عمارة إن «الفطير المشلتت» كان قربانًا للآلهة خلال أيام المصريين القدماء، وكانوا يرون أن هذه الأكلة مقدسة، لأنها تضم الدقيق والسمن والعسل.

وورد فى كتاب «الفاطميون» للكاتبة أميرة الشيخ، أن المصريين تفننوا فى صناعة الحلويات، وكانت هناك سوق لبيعها فى عصر الدولة الفاطمية، وكان يبدأ فى شهر رجب من كل عام، وصنعت فيه الحلويات على شكل حيوانات مثل القطط والخيول والسباع، وسميت «العلايق»، لأنها كانت تعلق على أبواب المحلات.

ولفتت مدونة «توثيق المطبخ المصرى» إلى أن القاهرة كانت تخصص ميزانية للاحتفالات، وكان السكر آنذاك يباع فى مصر بسعر رخيص على عكس باقى بلاد شمال إفريقيا آنذاك. وثبت أيضًا أن الزلابية ابتكار مصرى، وأن ما يقال حول أنها صنعت لأول مرة فى الشام غير صحيح، واتضح أن المصريين صنعوا كرات العجين تلك لتغذية الطيور فى مصر القديمة، بحسب الباحث محمد محسن جابر، الذى أكد أن تغذية الطيور بالزلابية منقوشة على جدران المقابر.

وعرف المصريون القهوة لأول مرة عن طريق اليمنيين، ثم بدأوا فى تحميصها بأشكال مختلفة وطحنها وغليها.

وبعدما انتهى وقت تحريم القهوة فى عهد السلطان مراد، بدأت القهوة تقدم من مصر إلى تركيا كنوع من الهدايا، كما كانت تقدم ضمن الجزية السنوية وقت الخلافة العثمانية.

ونشر موقع «scmp» أن السمبوسة سافرت من مصر إلى ليبيا إلى آسيا الوسطى قبل أن تصل إلى الهند.

وذكرت «نيتا لال» أنه يجرى الاحتفال بيوم السمبوسة فى ٥ سبتمبر، فى جميع أنحاء العالم الواقعة فى جنوب آسيا. وقالت «لال»: «على الرغم من جنون الهند بالسمبوسة، فإن الكثيرين يفاجأون بمعرفة أن مصدرها ليس هنديًا، فقد سافرت الوجبة الخفيفة من مصر إلى ليبيا إلى آسيا الوسطى قبل وصولها إلى شبه القارة الهندية عبر الشرق الأوسط».