رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لا يعرفه آدم عن حواء

فى البداية، دعونى أنوه إلى الرمزية الواردة فى عنوان المقال، إذ ليس المقصود بآدم أبوالبشر ولا حواء أم البشر، بل هى إشارة ضمن البلاغة اللغوية إلى الرجل والمرأة، كما أن الإشارة التى جاءت أيضًا فى العنوان لا يقصد بها الجهل المعرفى لدى آدم أو الرجل عن حواء المرأة، وإنما هو محض سرد معلوماتى لبعض الحقائق المعرفية عن المرأة، التى غالبًا ما يجهلها البعض عنها.

تظل الفروق بين البشر محل قبول لا يثير الاستفهام مثل تباين فصائل الدم، فلا يشغلنك الفرق بين فصيلة دمك وفصيلة دم زوجتك أو ابنك أو أبيك، وكذلك لا يشغلنك تفاوت الأعمار ولا تاريخ الميلاد ولا تنوع الأسماء، ولكن يظل الفرق البيولوجى بين الجنسين- الرجل والمرأة- هو محور الجدل والبحث والتحرى فى كل الجوانب بين المرأة والرجل، فلم تتماثل نظرة القوانين للمرأة مع نظرتها للرجل، ولم تتوحد بينهما الأزياء ولا وصف القدرات، ولا بعض الوظائف، حتى إن الطب أفرد للمرأة تخصصًا يعنى بمشكلاتها الصحية، ولم نسمع عن تخصص أمراض الذكورة وطب الرجال إلا مؤخرًا فى العقود الثلاثة الأخيرة.

المتأمل فى الفروق الجوهرية بين المرأة والرجل يجد أن معظمها ينصب على الوصف التشريحى والفروق فى المكون النفسى والعاطفى بين الجنسين، والطريف أن هذه الفروق ليست ظاهرة كلما تقدمنا نحو لحظة الميلاد وما قبلها، فليس هناك فروق جينية واضحة بين الذكر والأنثى اللهم النتوء المكون للأعضاء التناسلية، أما دون ذلك فكل فسيولوجيا النمو تظل متماثلة حتى لحظة الميلاد، بعد الميلاد واستمرارًا لمرحلة البلوغ لن تجد فروقًا بين الجنسين فى المكون الوظيفى والهرمونى، فنبرة الصوت فى الأطفال واحدة، والميول العاطفية والسلوك وردود الأفعال متماثلة إلى أن يبدأ الوالدان فى إملاء بعض التعليمات للتفرقة بين البنت والولد؛ بدءًا من اختيار الأسماء ووصف الملابس والدمى والألعاب وتهذيب الشعر والتفرقة بينهما فى المضاجع وربما فى مقاعد التعليم.

تتحدد وتتبلور الفروق بين الأنثى والذكر أكثر فأكثر كلما تقدما بسنوات العمر بعد مرحلة البلوغ، وهى المرحلة الحاسمة فى تقرير نهاية الفروق التشريحية بعد نمو الثديين فى الفتاة، واكتمال الهوية الهرمونية للأنثى، ونفس الشىء بالنسبة للمكون الهرمونى لدى الذكور، ولكن تظل التركيبة النفسية متماثلة بين الجنسين ما لم تتدخل التربية بفرض الاختلافات، فقد لوحظ أن أساليب التربية فى الغرب من حيث إتاحة الاختلاط فى مجالات التعليم والرياضة والترفيه قد أسهمت بشكل واضح فى إخفاء التمييز بين الفتاة والشاب، بل ضمنت مساحة جيدة للفتاة تستمتع فيها بالحقوق وتتيح لها المساواة مع الذكور فى الواجبات، فليست هناك وظائف للذكور تحجب عن الإناث حتى فى الوظائف اليدوية والوظائف التى تعتمد على المهارة واستخدام اليدين مثل عزف الموسيقى أو قيادة الحافلات والقطارات وحتى السفن والطائرات.

وكذلك ممارسة الحقوق والوظائف السياسية والعسكرية بل الحربية أيضًا، والسبب، كما أسلفنا، هو عدم تغذية أى من الجنسين بوجود فروق بينهما إلا فى المكون البيولوجى وتحديدًا فى الشق المتعلق بالوظائف الإنجابية.

فى الثقافة الشرقية- وهنا صلب الاختلاف- بادرت أساليب التربية مبكرًا بفرض طقوس من شأنها إيجاد فروق واضحة بين المرأة والرجل؛ بدءًا من بعض الأمور الفقهية مثل الإعفاء من إتيان بعض العبادات جراء الحيض، ومرورًا بالشق الحقوقى فى القوانين الوضعية وحجب بعض الوظائف عنها، واختصاص معشر الرجال حصريًا بوظائف لا تجرؤ المرأة على الاقتراب منها سواء بالأعراف المكتسبة مثل اعتلاء منصات القضاء أو استنادًا للمكون البدنى، مثل المهن الشاقة والمهن التى تتطلب السهر خارج المنزل، وكذلك الالتحاق بالأنظمة والمؤسسات الشرطية والعسكرية، ولا ننكر طبعًا أن الدولة شهدت تحولًا نوعيًا فى الترحيب بالمرأة لشغل هذه الوظائف التى لم تكن متاحة قبلًا.

ولكن، كيف هى قراءة الطب للفروق الجوهرية بين الجنسين؟ أحقًا هناك حصة أكبر من القوة العضلية للرجل لم يتحها الخالق للمرأة؟ وهل هناك بالفعل فرق بين الثبات الانفعالى بين الرجل والمرأة بعدما اتهمت عبر عقود وقرون بالوهن العاطفى الذى حرمها من الاستمتاع بالكثير من الوظائف وقلّص فرص التكسب والتربح فى الحياة؟

فى الحقيقة حسم العلم كل هذه الأمور وبات جليًا للباحث عن المعرفة أن جل هذه المزاعم أتت وليدة الافتراءات العنصرية بين الجنسين بتحيز غير علمى ولا أى سند إلى دليل، فهناك اعترافات علمية بأن المرأة أقوى من الرجل بمفهوم القوة العضلية إذا ما تساوت الكتلة العضلية بينهما، وليس خفيًا أن أقوى عضلة فى الإنسان بجنسيه هى عضلة الرحم التى لا يستطيع أقوى الرجال مقاومتها أو صد قوتها وقت المخاض، وحتى لدى دراسة المكون النفسى والعاطفى بين الرجل والمرأة لقياس الفرق تبين أن المرأة أكثر ثباتًا من الناحية النفسية والانفعالية فى مقارنة مع الرجل، وهذه الفروق هى التى نقرأها ونرصدها فى مواصفات الأمومة، ويكفى التدقيق فى قدرة الأم على رعاية المولود والعناية بأدق احتياجاته دون ملل وببالغ الصبر للتدليل على الثبات الانفعالى، ناهيكم عن بعض القدرات التى لم تتح لمعشر الرجال بالرغم من تماثل الأجزاء التشريحية التى تؤتى هذه الأفعال مثل حمل الفلاحة جرة الماء التى تزن نحو أربعين كيلوجرامًا باتزان، وهى تسير وتحمل طفلًا أحيانًا، وكذلك إطلاق الزغاريد بتناغم بين الحنجرة واللسان، ناهيكم عن براعة استخدام عضلات الخصر والحوض فى الرقص.