رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشار المفتي: الشريعة الإسلامية مبنية على التيسير

الدكتور مجدي عاشور
الدكتور مجدي عاشور

قال الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، إن "أحكام الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر وليس العسر وأن المشقة تجلب التيسير، وإن الله تعالى قال عن الصيام (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) للتخفيف عن الناس وتهيئتهم لاغتنام الفرصة في الطاعة وعمل الخيرات ومنحة من الله تعالى لجبر الخواطر وعمل الخيرات".
وأوضح المستشار العلمي لمفتي الجمهورية- خلال لقائه في الحلقة الثالثة من حلقات برنامج "آيات محكمات" والذي نتناول فيه قبسًا من أنوار القرآن الكريم في شهر القرآن- أن "الله تعالى صدر الآية الكريمة بقوله سبحانه "أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ" ولم يقل شهر أو أكثر أو أقل من أجل التخفيف على الناس، وأن الجهد الذي سيبذلونه وإن كان كبيرًا في مجاهدة النفس والصيام والامتناع عن الشهوات إلا أن مدته بسيطة جدًا ويجب العمل على اغتنامها ومع ذلك أجره كبير".
وأضاف "صحيح "أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ" وفي المجمل شهر وأجرها بأجر الشهر. نعم هي شهر ولكن للتخفيف على الصائمين ربنا صدر الآية بها، لتكون شيئًا معدودًا وبسيطًا وقليلًا لن يعجز أحد عن هذه الأيام أو هذا الشهر، الله يطلب منا الثبات والتمسك بها لفعل الخيرات وألا تفوتنا فرصة هذه الأيام، ويريد أن نعض عليها بالنواجز ونأخذ أجرها كاملًا فلا نؤخر الطاعات فيها أو نتكاسل عنها بل نسارع للاستفادة العظمى منها. (أيام وتعدي) بمعنى يا من تستصعب الصوم.. جاهد نفسك. هذه أيام بسيطة قليلة من أيام عمرك لا تفوتها دون أن تحصل على الأجر العظيم فيها فالذي أقدرك على الطعام في غيرها قادر أن يجعل الاستطاعة على الصيام في تلك الأيام وفي هذا الشهر في مقدرتك وطوعك".
وأضاف المستشار العلمي لمفتي الجمهورية: "ثم ننظر إلى بقية الآية نجدها تتحدث عن ذوي الأعذار "فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، يعني أيامًا معدودات ممكن تأتي على إنسان مريض لا يستطيع وهنا أيضًا الأيام المعدودات تكون كبيرة وكثيرة بالنسبة للشخص الذي يعاني من المرض عفى الله عن الجميع، فماذا لو جاء لفظ الآية الكريمة بشهر. سيكون الموضوع أثقل، لأنه مع العلة يطول الزمان ومع الصحة تقل الأيام بمعنى أن شخصًا يرى الأيام قليلة جدًا لأنه صحيح الجسد والصحة. وآخر مريض أو لديه علةـ عفا الله عنا جميعًاـ يرى الزمن طويلًا.. يخفف عنه الله تعالى أم يتركه".
وتابع: "لو نظرنا إلى الآية الكريمة نجدها جاءت للتخفيف، والرخصة وإذا كانت كذلك فإنه لا يصح أن تأتي آية تتحدث عن رخصة وتخفيف ونجد فيها مشقة وهذه عظمة القرآن وتيسير الشريعة ورحمة الله بالعالمين وللناس. ولهذا نجد قوله تعالى في موضع آخر يتعلق بالتكليف أيضا وكيف يتركه والقائل سبحانه (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)".
وأردف: "نعم.. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" أو يحمله فوق طاقته "وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ". صاحب العلة يرى الزمن طويلًا، فإن خاطبته بالشهر كان الأمر عسيرًا عليه ومن ثم يا من أنت مريض أو على سفر أو يا من أنت في حكمهما وتعمل أعمالًا شاقة ولا تستطيع الصيام.. عليك بقوله تعالى "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" أيضًا أيامًا معدودة حتى لا يقع المريض أو صاحب الأعذار في حرج. هذا تأدب في الخطاب من الله لعباده تربية إلهية للناس وتقويم للخطاب فيما بينهم، كما أنها تحمل الرحمة من الله لعباده. لأنه لو كلف المرء بما هو فوق طاقته.. ستكون المشقة كبيرة.. لكن رحمة الله واسعة في أن جعل البديل "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" حتى لا تحزن وعندما تزول العلة تقضي تلك الأيام بعد انتهاء رمضان.
وتابع المستشار العلمي لمفتي الجمهورية قائلًا: ولذلك نقول لكل صاحب علة. إياك أن تحزن، لقد جعل الله لك سبيلًا.. ألست أنت تحب رمضان وصيامه وقيامه وطاعاته ونفحاته وملائكته وليلة قدره. نعم. إذا كنت كذلك فاطمئن. لن يحرمك الله منها ومن أجرها. انظر وشاهد واقرأ ماذا قال الله لك في بقية آية الصوم لأن الله تعالى هو صاحب تلك الأيام وخالقها، وطالما الله قادر فإنه يفعل ما يشاء ويقدر. ما فعله في الأولى سيفعله في الثانية. ما أعطاه من أجر في ليالي وأيام رمضان سيعطيه لمن يشاء في غير رمضان. ولذلك تجد القاعدة الشرعية تقول. الرحمة في الشريعة. بمعنى أنه إذا وجدنا الأمر فيه مشقة نجد التيسير عامًا وكبيرًا.
واختتم: "المشقة تجلب التيسير. قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). انظر إلى رحمة الله وعطائه وكرمه. لقد جاء قوله تعالى "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" بعد لفظ الأعذار مباشرة، وهذا دليل على كرم الله تعالى ورحمته بخلقه، ولذلك نقول إن الشريعة الإسلامية أحكامها قائمة على اليسر وليس العسر، ومن ثم نقول لكل مريض إياك أن تغضب.. لأن الله سيجعل لك عدة من الأيام الأخر في الصوم والعطاء والجود والكرم والحسنات مثل تلك الأيام في أيام رمضان وأجر وثواب شهر رمضان".