رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب يوميات الاختيار (1): تصنيع «الطرف الثالث» فى سراديب الجماعة الإرهابية

محمد الباز
محمد الباز

المسلسل يخترق قلب الجماعة الإرهابية الأسود من الحلقة الأولى

خيرت الشاطر كان يحمل كراهية مطلقة لجهاز الأمن الوطنى

بهدوء شديد ودون ضجيج وبمشهد واحد استطاعت الحلقة الأولى من مسلسل «الاختيار ٣» أن تحسم جدلًا استمر سنوات حول هوية ما تعارفنا عليه بأنه الطرف الثالث. 

بعد أحداث يناير ٢٠١١، كانت هناك أحداث مريبة تُخلف وراءها فوضى كبيرة، كانت كل الدلائل تشير إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية تقف وراء هذه الأحداث، بحكم أنها الوحيدة المستفيدة منها، فلولا الفوضى ما استطاعت أن تصل إلى السلطة، إلا أنها كانت تنكر كل شىء وتتنكر لكل شىء، فظهر ضمن قاموسنا السياسى تعبير «الطرف الثالث»، ويمكننا اعتباره كيانًا مجهولًا، يُحمّله المجرمون مسئولية جرائمهم بعد أن يتبرأوا منها. 

يجلس ضابط الأمن الوطنى «زكريا»، الذى يؤدى دوره كريم عبدالعزيز، إلى مكتبه، يفتح جهاز الكمبيوتر، ويبدأ فى مشاهدة فيديو يأتينا صوت صاحبه فنعرف على الفور أنه لخيرت الشاطر الذى كان نائبًا لمرشد الجماعة الإرهابية. 

الفيديو الذى رأيناه يذاع لأول مرة- فكل شىء مسجل وموثق، خاصة أن الجهات الأمنية كانت تدرك ومبكرًا ما الذى تريده الجماعات المتطرفة وما الذى تخطط له- يضع أيدينا على حقيقة تنكرها الجماعة ومن يسايرونها حتى الآن. 

خيرت فى هذا الفيديو يحل لنا لغز الطرف الثالث، فهو يعترف بأن جماعته تتحرك على أرض كلها مشاكل خارجيًا وداخيًا، لكنه لا يريد أن يصطدم بالأمن، إلا أنه لو أراد فيمكنه أن يحرك مليون شخص ليحرقوا مقرات الأمن الوطنى. 

وضع «الاختيار ٣» أمامنا هذه الحقيقة ومضى، تركنا نتأمل حقيقة هذه الجماعة التى كانت تحمل كل مفاتيح الخراب، فى الوقت الذى كانت تدعى فيه أنها تحمل الخير لمصر. 

لم نكن فى حاجة لنعرف أن خيرت الشاطر كان هو شيطان الجماعة الأكبر، لكن كلامه جاء داعمًا ومؤكدًا على جرائمه التى بدأ فى مباشرتها بعد أن خرج من السجن فى ١ مارس ٢٠١١، أى بعد تخلى الرئيس السابق مبارك عن منصبه بأيام قليلة. 

كان خيرت مسجونًا فى قضية الإخوان الشهيرة التى تفجرت على هامش العرض العسكرى الذى قدمه شباب الجماعة فى جامعة الأزهر، وكان عرضًا إرهابيًا بامتياز، أشرف «خيرت» على التخطيط له وتنفيذه وكان هو الممول الرئيسى له، واتهم فى قضية غسيل أموال، وحكم عليه بالسجن سبعة أعوام. 

لكن كيف خرج خيرت من سجنه؟ 

الإجابة نجدها عند أحمد شفيق الذى كان وقتها رئيسًا للوزراء. 

يقول فى أحد حواراته الصحفية: «خيرت أنا أخرجته من السجن بعد أيام من الثورة، لأنه كان مستقرًا فى السجن وقضيته كانت مستقرة، وخيرت بالأصل كان تاجر عملة، وقيل لى إن الشاطر وحسن مالك سجنا فى قضية غسيل أموال، وكان عندى شكوك أن هذه القضية هى وسيلة لوضعهما فى السجن، وهما كانا ربما يستحقانه لسبب آخر، لكن ذلك كان إحساسى». 

طلب أحمد شفيق- كما قال هو- أوراق خيرت الشاطر من النائب العام، واعتقد حينها أنه يمكنه أن يعطيه إعفاء من السجن، لكن القانونيين قالوا له إنه ينبغى أن يطلب ذلك من النائب العام، وقام بذلك فى اليوم نفسه، وخرج خيرت ومالك لأسباب طبية. 

كان خروج خيرت من السجن بالنسبة للجماعة بمثابة الانتصار الكبير، فقد كانت لديه قدرة تنظيمية هائلة، كما أنه كان يجمع بين يديه أموال الجماعة وأسرارها واتصالاتها مع التنظيم الدولى، ووضح هذا عندما سافر بعد أيام قليلة من خروجه من السجن إلى عدة دول، والتقى مسئولين كبارًا للترتيب لمستقبل الجماعة فى حكم مصر. 

بلسانه وفى جلسة يتحدث فيها خيرت بأريحية شديدة وضع أيدينا على ما فعلته الجماعة قبل وبعد خروجه من السجن، ويمكننا الآن أن نقرأ ملفات فتح السجون وحرق أقسام الشرطة فى يناير ٢٠١١، وأحداث ماسبيرو فى أكتوبر ٢٠١١، وأحداث استاد بورسعيد فى فبراير ٢٠١٢، ثم كل أحداث الفوضى بعد ٣٠ يونيو التى تكرر فيها حرق أقسام الشرطة والكنائس، لنعرف أن الطرف الثالث الذى كانوا يتحدثون عنه هو الإخوان ولا أحد غيرهم.

لقد بدت سوءة الجماعة التى كانت تدعى أنها لا تسعى إلى الحكم، وأن كل ما تريده تمكين دين الله فى الأرض، فلم تكن أبدًا جماعة دعوية، ولم تكن أبدًا مسالمة، بل كانت تتعامل مع نفسها على أنها دولة موازية، لها جهاز مخابراتها الخاص الذى يجمع معلومات عن كل وأى شىء يحدث فى مصر، وهو الجهاز الذى جمع المعلومات عن اللواء عبدالفتاح السيسى الذى كان وقتها مديرًا للمخابرات الحربية، وتم ترشيحه بعدها من قبل الجماعة ليكون وزيرًا للدفاع. 

لقد اعترفت الجماعة بوجود هذا الجهاز أكثر من مرة، فعلها خيرت الشاطر نفسه بعد أحداث الاتحادية، فحتى يبرر العنف الذى لجأت إليه جماعته فى مواجهة المعتصمين المحتجين على البيان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نهاية نوفمبر ٢٠١١، قال إن مصادر الجماعة فى مؤسسات الدولة جمعت معلومات تؤكد أن هناك محاولة لإسقاط الرئيس، وكان هذا اعترافًا واضحًا من خيرت الشاطر بأن للجماعة جواسيس فى كل مؤسسات الدولة. 

وجود هذا الجهاز المعلوماتى، الذى لم يكن يكتف بجمع المعلومات فقط، بل كان يجتهد فى بث الشائعات ونشر الأكاذيب أيضًا، يعزز وجود جيش إخوانى كان جاهزًا لتنفيذ أى تكليف، وهو ما ظهر فى اقتحام مقرات أمن الدولة فى مختلف المحافظات فى وقت واحد، وهو ما جرى فى ٥ مارس ٢٠١١، أى بعد خروج خيرت الشاطر بأربعة أيام فقط. 

كان خيرت الشاطر متعجلًا، كان يريد السيطرة الكاملة من اللحظة الأولى لخروجه من السجن، ومن المؤكد لدىّ أنه كان ضالعًا وبقوة فى التخطيط لاقتحام مقرات أمن الدولة، خاصة أن الدعوة لهذا الاقتحام بدأت على منصات التواصل الاجتماعى فى ٤ مارس، ومعلوم لدينا أن خيرت كان هو المسيطر على لجان الجماعة الإلكترونية، ولمن لا يعرف فقد كان خيرت نفسه هو من أسسها قبل دخوله السجن، وقد بدأت فى شقة صغيرة بعمارة دوحة ماسبيرو القريبة من ميدان التحرير، وكان فى طليعة هذه اللجان الإخوانى عبدالمنعم محمود الذى كان صنيعة خيرت الشاطر بشكل كامل. 

ظل خيرت الشاطر يحمل فى قلبه كراهية مطلقة لأمن الدولة، فهو الجهاز الذى وقف بقوة أمام مخططاته، وربما كان طبيعيًا أن نراه وهو يدخل إلى مقر الجهاز بعد أن أصبح اسمه الأمن الوطنى، ويطالب بإبعاد بعض الضباط عنه، بحجة أن البلد تغير وجرت فيه ثورة، رغم أنه ما ذهب إلى هناك إلا من أجل الانتقام لنفسه ولجماعته فقط. 

قيمة «الاختيار ٣» أنه يخترق قلب الجماعة الأسود من حلقته الأولى، ففى الوقت الذى كانت تخطط فيه لاختراق الداخلية بشكل كامل، وفى اللحظة التى تعترف فيها بأنها فشلت فى اختراق الجيش طوال تاريخها، فإنها كانت تخطط لتأسيس جيش حر فى سيناء، وهو ما وثقته حلقة «الاختيار ٣» الأولى، عندما تسلم الضابط مروان- يقوم بدوره أحمد عز- معلومات من أحد مصادره فى سيناء تؤكد أن الجماعة بدأت بالفعل تجميع عناصر من دول مختلفة لتأسيس حرس ثورى. 

كانت الجماعة على ثقة، كما جاء على لسان خيرت الشاطر الذى يؤدى دوره ببراعة الفنان خالد الصاوى، أن ما جرى فى يناير ٢٠١١ فرصة لن تعوض، ولا بد أن يستغلوها، حتى لا يصطدموا بمؤسسات الدولة، التى كان يعرفون أنها حتمًا ستصطدم بهم، ولذلك كان أن سعت إلى تأسيس جيش فى سيناء بتوطين الإرهابيين من كل فج عميق، فقد كانت الجماعة على ثقة من أنها ستحتاج إلى هذا الجيش فى المواجهة المقبلة حتمًا مع الدولة، وكان طبيعيًا أن يهدد الشاطر بهذا الجيش قبل أيام من إزاحة مرسى عن الحكم، فقد كان يعتقد أن هذه العناصر المرتزقة يمكن أن تقف فى وجه جيش مصر.