رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات القاهرة الخديوية.. هكذا حول حريق القاهرة فندق «شبرد» لساحة لعب «كرة شراب»

ساحة فندق شبرد القديمة
ساحة فندق شبرد القديمة

رغم كثرة الكتب والمؤلفات التي تناولت تاريخ مدينة القاهرة وطرزها المعمارية وتطورها، وفي القلب منها القاهرة الخديوية، وعلى كثرة الكتاب والمعماريين والمؤرخين، الذين شغفوا بالقاهرة وما كانت عليه شوارعها وميادينها، وما آلت إليه والتغييرات التي أصابت الجزء الأكبر منها، علي مر الزمن والعصور، إلا أن هناك بعض الزوايا والأماكن المنسية التي لا يعرف الكثيرين أصلها، أو متى وكيف كانت ولماذا سميت أو صممت على هذا الشكل، وهو ما تنبه له الكاتب عادل ورصده في كتابه المعنون بــ “أماكن منسية في القاهرة الخديوية”، والصادر عن دار إنسان للنشر.

فمن ساحة دار القضاء العالي وحديقة الزهور التي كانت تمتد أمامها وتطوقها من جنباتها الأربع، وهي التي تحولت مع الوقت إلي ساحة انتظار. ومن عمارة اليوناني إسكندريس سرياكيس، التي خلف هدمها فراغ فكان أن خطط ميدان عبد المنعم رياض، والذي كان يسمي من قبل بـ “ميدان الشهداء”، تخليدا لشهداء المصريين خلال العدوان الثلاثي. حكايات وتوثيق ورصد لكثير من الأماكن والأحياء والميادين في القاهرة التاريخية.

 التقط المؤلف عادل سيف، الغريب منها والمجهول لقطاع عريض من المصريين عن هذه الأمكنة وأصولها الأولي قبل أن تتغير وتصير إلى ما هى عليه اليوم. ويميط اللثام عنها من خلال كتابه الشيق “أماكن منسية في القاهرة الخديوية”.

حريق فندق شبرد ينقل الخدمات السياحية من الأزبكية إلي التحرير

في هذا المبحث، يسرد الكاتب عادل سيف تسلسل حريق فندق “شبرد” العريق بشارع الجمهورية، ضمن العديد من المباني والبيوت والعمارات والمحال التي أتت عليها النيران، في حريق القاهرة ٢٦ يناير ١٩٥٢. وما آلت إليه المنطقة الخالية التي تخلفت عن غياب الفندق بالحريق والذي أتي بشكل كامل علي الفندق الذي كان يحتل مع حديقته الخلفية أغلب مساحة المستطيل الكبير الممتد طوله علي شارع الجمهورية ويوازيه من الخلف شارع بستان الدكة، فيما يمتد عرضيه علي شارعي الألفي وواكد.

ويلفت “سيف” النظر إلى كيف أسفرت إزالة ما تبقى من دمار الفندق مساحة كبيرة من الأرض الفضاء والمستوية، وعرفت فيما بعد باسم “أرض شبرد”، وساهم عدم الرغبة في إعادة بناء الفندق من جديد والاتجاه لإنشاء فندق بنفس الاسم ليطل على النيل بجوار فندق سميراميس، وهذا ما تم بالفعل، وكان ذلك أيضا إيذانا بانتقال الأنشطة والخدمات السياحية من منطقة الأزبكية إلي منطقة التحرير. 

ساحة شبرد الشعبية لكرة الشراب

ويضيف عادل سيف مؤلف كتاب “أماكن منسية في القاهرة الخديوية”: وفرت مساحة “أرض شبرد” لأبناء المناطق الشعبية القريبة منها خاصة في الأزبكية وباب الشعرية وبولاق وعابدين ساحة للعب “كرة الشراب” اللعبة الأكثر شهرة لدي أبناء هذه الأحياء، والتي لم تكن تتطلب سوي كرة مصنوعة من قطع أسفنج يتم كبسها في شراب لتأخذ شكل كروي وتلف عليها خيوط ضاغطة لتحافظ علي الشكل الكروي، وأربعة أحجار لتحديد مكان مرمري الملعب.

كانت الساحة تتسع للعديد من الملاعب للمباريات لكافة الأعمار دون أي مشاكل تحدث لعدم توفر ملعب لأي فريق، وكانت أكبر المباريات وأكثرها حشدا هي مباريات الشباب من الأحياء القريبة والتي كان بعضها ينظم علي أنه دوري لشباب الأحياء.   

محمد بك الألفي مالك أرض فندق شبرد

ويلفت عادل سيف إلى أن ملكية الأرض التي بني عليها فندق شبرد تعود إلي محمد بك الألفي أحد مماليك مراد بك. قصره الكبير المحاط ببستان شاسع في نفس موقع الفندق بالأزبكية. ومع مجيئ الحملة الفرنسية، وترك القصر وهرب إلى الصعيد لمقاومتها فاختار نابليون القصر لإقامته فيما واصل الألفي في مقاومة الحملة ثم محمد علي باشا إلي أن مات في ٢٨ يناير ١٨٠٧.

وبعد مغادرة نابليون مصر وتولي كليبر مهامه حول القصر إلي مركز لقيادة القوات الفرنسية حتى قتل في حديقة القصر على يد سليمان الحلبي. 

وبعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر، وتولى محمد علي باشا حكم مصر، تعددت ملكية القصر، وانتهت بملكية “صمويل شبرد” المستثمر الإنجليزي في الفنادق في مصر، والذي أثبت أنه رجل أعمال ناجح لدرجة أنه توجه إلي شبه جزيرة القرم لتحصيل فواتير إقامة جنود في فندقه ونقلوا منه بشكل مفاجئ إلي هناك دون دفعها.

الفندق الإنجليزي الجديد أو “فندق شبرد”

افتتح فندق شبرد سنة ١٨٤١ تحت مسمي “الفندق الإنجليزي الجديد”، واشتهر هذا الاسم حتي سنة ١٨٤٥ ليطلق عليه اسم “فندق شبرد”، والذي اشتهر بعظمته كفندق ببذخه بالزجاج الملون والسجاد الفارسي والحدائق والمدرجات والأعمدة الجرانيتية الكبيرة الشبيه بالموجودة في المعابد المصرية القديمة. وأيضا بعظمة نزلاءه وكمقصد لكبار الشخصيات وضباط الجيش البريطاني، بل اعتبر أحد القواعد لهذا الجيش إبان الحرب. كما اشتهر بحفلات الرقص الليلية التي يظهر فيها الرجال بالزي العسكري والنساء في فساتين السهرة.

مطربة “ليالي الأنس” أسمهان وحكايات فندق شبرد

 ما أشيع عن هذه السهرات ــ وبدون دليل تؤكده ــ أن المطربة أسمهان كانت تحصل علي معلومات من كبار الضباط البريطانيين وتنقلها إلي الألمان، وهذا هو السر وراء حادث مقتلها المدبر من قبل الخابرات البريطانية.     

 علاقة “هتلر” بالبار الطويل

واشتهر بار فندق شبرد بتسمية “البار الطويل”، لأنه كان دائما مزدحما لدرجة أنه كان يتطلب انتظارا طويلا للحصول علي مشروب، وبسبب ذلك انطلقت نكتة بين الجنود البريطانيين والإستراليين وسط المخاوف من تقدم القائد الألماني “روميل” القاهرة تقول: “انتظر حتي يأتي روميل إلي شبرد حيث يوقفه البار”، من جانب آخر نسب إلي روميل مقولة أنه سيشرب الشمبانيا في جناحه الرئيسي بفندق شبرد. 

استقبل الفندق سنة ١٨٦٩ العديد من الشخصيات العالمية التي جاءت إلي مصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس، وفي مقدمتهم “أوجيني” ملكة فرنسا مما أكسبه شهرة عالمية، كما استقبل مشاهير منهم أغاخان ووينستون تشرشل وفيصل ملك العراق. 

واستمرت عظمة الفندق حتي بداية النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أن هذه العظمة توقفت أمام الحريق الهائل والمدمر الذي أجهز عليه إلي الأبد.