رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وداعًا رجائى عطية

سيقف تاريخ مهنة المحاماة العظيمة كثيرًا أمام اسم الأستاذ الكبير رجائي عطية، الرجل الذي كتب على صفحته الرسمية بموقع التواصل "فيسبوك" قبل وفاته بنصف ساعة مناجاة طويلة ختمها بدعاء "اللهم اطعمنا من خضر الجنة، واسقنا يوم الحساب من الرحيق المختوم".

لقد اختار الله عز وجل أن يقبض روحه في أحب الأماكن إلى نفسه، في قاعة المحكمة التي قضى بها معظم سنوات عمره، مدافعًا عن الحق، متسلحًا بعلم كثير وخبرة عظيمة، ومعبرًا بلغة قوية رصينة عن قضاياه.

لم يستسلم نقيب المحامين الاستثنائي لدروب الدهر وظروف السن، فالراحل العظيم كان يبلغ من العمر ٨٤ عامًا، لكنه كان يجد شغفه وراحته في عمله، سواء في خدمة أبناء مهنته كنقيب أو كمحامٍ وقف يدافع في لحظاته الأخيرة عن زملائه بمحكمة جنوب القاهرة.. 

 كيف امتلك هذا الرجل هذه القوة وهذا الصبر والدأب على تحمل المصاعب، وآلام فراق ابنته التي توفيت قبل شهور قليلة ونعاها بكلمات مؤثرة، مخلفة في نفسه ندوبًا عميقة وأحزانًا كبيرة.

لم يكن رجائي عطية محاميًا اعتياديًا، لكنه كان مفكرًا عميقًا وفقيهًا قانونيًا بامتياز، تجاوز عدد مؤلفاته مائة إصدار، ورشح من قبل مجمع البحوث الإسلامية لجائزة النيل للعلوم الاجتماعية في ثلاثة أعوام مختلفة.

 رحل رجائي عطية بعظمته وطيب نفسه وتواضعه الجم، فرغم خبرته المهنية الكبيرة، وعمله بالقضاء العسكري فترة ليست قصيرة من عمره، إلا أنك لا تجد منه سوى الاحترام والتقدير، للصغير قبل الكبير..

أدرك أهمية العمل النقابي، ودوره المهم في خدمة أبناء المهنة، فحظي بثقتهم ولم يعرف عنه يومًا بالسعي وراء منصب أو مداهنة مسئول أو صاحب قرار!

مات رجائي عطية على طريقة الشجعان، كما يليق بمثله، داخل محراب العدالة الذي ظل أكثر من ستين عامًا يصول ويجول داخل أروقته.

مات مرتديًا الرداء المفضل لكل محامي العالم، "الروب الأسود" ، ما زاده رونقًا وبهاء، ورسخ في نفوسنا محبة مضاعفة لهذه المهنة العظيمة.

أعتقد أن أي محامي يتمنى أن يحقق جزءًا ولو يسيرًا من مجد هذا الرجل، سواء على المستوى المهني أو في سياق اهتماماته الأدبية والفنية والتراثية التي وثقت في مؤلفات مهمة، فضلًا عن العديد من المقالات الرائعة في مختلف الصحف.

لقد تخلى رجائي عطية عن سلاحه في ميدانه المفضل، فاللهم أطعمه من خضر الجنة واسقه من الرحيق المختوم.. 

  • محامٍ بالنقض