رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صحفى أفغانى يكشف لـ«أمان» ما فعلته طالبان حتى الآن فى بلاده: «نتجه نحو الهاوية»

جريدة الدستور

قال نجيب قيني، وهو صحفي أفغاني، إن دولة أفغانستان على شفا كارثة اقتصادية ومجاعة أصبحت تشكل تهديدًا عالميًا بعد حرب استمرت 20 عامًا ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في 15 أغسطس 2021 عندما دخلت "طالبان" كابول دون مقاومة من القوات الحكومية، وانسحاب القوات الأمريكية مع بقية القوات التي تقودها الولايات المتحدة بعد غزو استمر 20 عاما، وتركت الحكم والبلاد لحركة طالبان التي أخذت الوطن خلال 3 أشهر نحو الهاوية.

وقال قيني، في تصريات خاصة لـ"أمان"، إنه في البداية كان وصول طالبان إلى كابول والاستيلاء عليها سلميًا ودون اشتباكات أعطى الناس الأمل في أمن واقتصاد أفضل، مؤكدا أن هذا الأمل لم يدُم أكثر من بضعة أسابيع، حيث عينت طالبان أعضاء شبكة حقاني- الذين كانوا مدرجين في القوائم السوداء للأمم المتحدة والولايات المتحدة- في مناصب رئيسية في حكومة طالبان المؤقتة.

وأشار إلى أن أفغانستان دفعت ثمنًا باهظًا في كل ثورة عبر السنين، فعلى غرار الإطاحة بحكومة الدكتور نجيب الله في عام 1992 من قبل المجاهدين، تمت مرة أخرى الإطاحة بالجيش الوطني الأفغاني البالغ من العمر 20 عامًا والشرطة وقوات الأمن، والتي كانت فريدة من نوعها في المنطقة في غمضة عين، ونهب الانتهازيون المعدات والأسلحة وهرب الجنود والضباط إلى إيران وباكستان خوفا من تهديدات القتل.

وأضاف الصحفي الأفغاني أنه في غضون ذلك أصيبت الكيانات الحكومية الأفغانية بالشلل، وأفلست البنوك، وفر عشرات الآلاف من المهنيين الشباب المدربين جيدًا من البلاد.

وأشار إلى أنه على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة استأنفت عمل سفارتها مرة أخرى في أفغانستان، ووفقًا لمسئولي طالبان، فإن بعض الدول الأخرى، بما في ذلك ألمانيا، على استعداد لإعادة فتح سفاراتها قريبًا، لكن ذلك لم يساعد أفغانستان بشيء، حيث إن الدعم متوقف والاستثمارات والمهرة جميعا هربوا أو يختبئون، ما يجعل أفغانستان في حالة شلل وفقر اقتصادي.

وأكمل أنه منذ الاستيلاء العسكري على السلطة تم عزل أفغانستان دوليًا، حيث رفضت الحكومة بقيادة طالبان الشروط المسبقة للمجتمع الدولي، وأساءت تفسير بعضها على أنها تدخل في الشئون الداخلية الأفغانية، وفشلت في تلبية المتطلبات التي تخلق سبل التعاون والتواصل الدولي، حيث كان الشرط الأساسي للتسوية الأمريكية مع طالبان هو التمسك بحقوق النساء والفتيات في التعليم والعمل، فضلًا عن عدم إيواء الجماعات الإرهابية وتشكيل حكومة شاملة، ونتيجة لذلك، جمدت الولايات المتحدة حوالي 9.5 مليار دولار نقدًا أفغانيًا في بنوكها وتوقفت عن تقديم المساعدة المالية التي كانت قد عُرضت على الإدارة السابقة.


مؤكدا أن ذلك تسبب في خضوع طالبان للضغوط الاقتصادية ومحاولة استخدام خزائنها لإحياء الاقتصاد في البلاد، لكن تسبب ذلك في إفلاسها وأصبحت غير قادرة على دفع نفقات مقاتلاتها، وبنزين السيارات ونفقات أخرى، قائلا إن ذلك دفع المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، لإصدار تنبيه للمجتمع الدولي قال فيه: "إذا كان العالم لا يريد أن يتعرض للتهديد من قبل أفغانستان، فعليه الاعتراف بنا علنًا".

وأضاف قيني أن كل هذه القضايا تشير إلى تدهور حالة طالبان بسرعة، ومصيرها إلى كارثة إنسانية واقتصادية.

حقوق المرأة وحرية التعبير
وأكمل أنه نظرًا لأن حرية الكلام والعمل حق طبيعي لكل مقيم قانوني في بلد ما بموجب القانون الدولي، إلا أنه تُمنع النساء من العمل في الحكومة، وفي معظم المقاطعات، ويُحظر على فتيات الصف السادس العلوي الالتحاق بالمدرسة، وتبدأ النساء الأفغانيات في الكفاح من أجل حقوقهن التي سلبتها طالبان، مشيرا إلى أنهم حاولوا التفاوض مع طالبان، لكن عندما فشل ذلك احتجوا في الشوارع، لكن قامت طالبان بتفريق احتجاجاتهم بالاعتداء على المتظاهرين ووسائل الإعلام التي تغطيهم، وبالتالي حظرت المظاهرات غير القانونية.

مخاوف أمنية
وأكد أنه بجانب ما سبق فقد بدأ داعش والتهديدات الأمنية الأخرى في الظهور بسرعة، مع تفجيرات قاتلة في مساجد في ننجرهار وقندهار وقندز، تلتها هجمات بالقنابل اللاصقة في الآونة الأخيرة على أهداف مدنية في العاصمة كابول وشائعات عن انضمام القوات العسكرية والشرطة إلى داعش مما تسبب في قلق كبير بين الأفغان.

في السياق ذاته، قال إن بعثة الأمم المتحدة كانت قد أعربت عن تقديم المساعدة إلى أفغانستان مؤخرًا، وعن شعورها بالقلق البالغ إزاء تنظيم داعش، والنمو السريع للتنظيم في أفغانستان، مشيرة إلى أن الوضع يتدهور بسرعة ويتجه نحو حرب أهلية، ونفت حركة طالبان هذه المزاعم، زاعمة أنها هزمت تنظيم داعش في افغانستان.

مواجهة الكارثة الاقتصادية
وأكد أنه منذ تولي طالبان السلطة حذرت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا من أن الاقتصاد الأفغاني على وشك الانهيار مما سيؤدي إلى تفاقم وضع اللاجئين في البلاد من العرب والتركستان والطاجيك وغيرهم بالإضافة إلى آلاف اللاجئين الافغانستانيين الذين تركوا قراهم متجهين نحو قرى أخرى بسبب الإرهاب، فمنذ منتصف أغسطس لم يتمكن أحد من سحب كل أمواله من البنوك، وأصدر برنامج الأمم تحذيرًا بشأن الانهيار الهائل للنظام المالي الأفغاني.


وتابع أنه على الرغم من رفض تحذير الأمم المتحدة بشأن الانهيار المحتمل للنظام المصرفي والنقدي في أفغانستان، صرحت الحكومة التي تقودها طالبان بأنها اتخذت الخطوات اللازمة لمعالجة هذه القضية، بينما وفقًا لبعض الحسابات في وسائل الإعلام ووثائق البنك المركزي الافغاني يتم استنزاف احتياطيات البنوك المركزية والخاصة عمليًا دون حق.

وأكد أن جميع المنظمات الحكومية وغير الحكومية تقريبًا قد أغلقت أبوابها أو أصيبت بالشلل، علاوة على ذلك، فإن العدد المحدود للموظفين الحكوميين الذين يعملون لمدة أربع ساعات يوميًا 9 صباحًا إلى 1 ظهرًا ثلاثة أيام في الأسبوع لم يتقاضوا رواتبهم منذ ما يقرب من ثلاثة إلى أربعة أشهر، في الوقت الذي يكافح فيه اقتصاد الدولة التي مزقتها الحرب من أجل البقاء في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة، تراجعت العملة الأفغانية إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين؛ ليصل الدولار الأمريكي إلى 94 أفغاني، بينما ارتفعت تكاليف الوقود والغذاء بنسبة 75٪، حيث انخفضت قيمة العملة مقابل الدولار.

أزمة قطاع الصحة
وأوضح أنه بجانب كل الأزمات السابقة تترأس على ذلك أزمة قطاع الصحة الذي يعاني بجانب وباء كورونا، حيث تشهد أفغانستان موجة ثالثة وصلت معدلات الإصابة فيها إلى مستويات قياسية، ووفقا للبنك الدولي لم يتم تطعيم سوى 5% فقط من الأفغانستانيين بسبب نقص اللقاحات وهروب عدد كبير من الأطباء.


مستكملا حديثه أنه وبالنظر إلى الحقائق المذكورة المتعلقة بالوضع الحالي في أفغانستان فمن الواضح أن الإدارة المؤقتة الهشة وغير المهنية لطالبان غير قادرة تمامًا على التعامل مع الأزمة والسيناريو المعقد والفوضوي دون دعم دولي فوري، وأيضا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قد جعلا اقتصاد أفغانستان يعتمد على المساعدات الخارجية على مدى العقدين الماضيين فقد ساهم انسحابهما في أعقاب انهيار حكومة أشرف غني وفشلهما في الاستجابة للأزمة الإنسانية الحالية في البلاد في أزمة اقتصادية دفعت سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة إلى الفقر ووضعتهم على حافة المجاعة.

مضيفا أنه بجانب الاضطرابات الاقتصادية الحالية تواجه الدولة النمو السريع لداعش وانعدام الأمن من ناحية أخرى ويشجع الفقر والكارثة الاقتصادية الأفراد العاطلين عن العمل على الانضمام إلى داعش أو غيره من المنظمات المتمردة التي قد توفر لهم المأكل والطعام أو أموال للعلاج لهم ولأسرهم الفقيرة، بينما من ناحية أخرى لم تعد طالبان قادرة على إدارة هذا الوضع بسبب قيادتها غير الكفؤة.

وأكد أن هذا يبدو شبيها للماضي ففي عام 1992 مع انهيار إدارة الدكتور نجيب، أدى نفس السيناريو وسوء معاملة المجتمع الدولي إلى أسوأ حرب أهلية وأكثرها وحشية في أفغانستان، ونتيجة لذلك لا ينبغي للمجتمع الدولي أن ينسى أفغانستان والأمة الأفغانية التي لا حول لها ولا قوة، كما فعلوا في التسعينيات بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي وسيطرة المجاهدين، لأنهم لن يتمكنوا من دفع هذه الأسعار الباهظة بدماء هذا الشعب الذي يعيش في حالة حرب منذ عقود.

وناشد العالم ووسائل الإعلام والمنظمات والمتخصصين الوطنية والدولية بعد القيام بحملات ضد داعش والترويج للصراع الأهلي، سواء عن قصد أو عن غير قصد وأنه بدلًا من ذلك عليهم أن يطلبوا من المجتمع الدولي مساعدة الأفغانستانيين الأبرياء، وأنه على العالم ألا ينسى أن الإرهابيين قد يكون عددهم بضعة آلاف لكن الشعب الأفغاني البريء عدده يتخطى الـ20 مليونا ولا يجب أن يتم ظلمهم بسبب قلة مرفوضة.

وطالب المجتمع الدولي والولايات المتحدة بتحرير احتياطيات أفغانستان، وبدء المساعدات الإنسانية لصالح غالبية الأفغان الذين يعانون من الجوع والفقر المحزن وليس لدعم النظام الحالي.