رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حقيقة الجماعة.. صراع الشرعية والانقلاب».. منشق عن الإخوان يكشف لـ«أمان» كواليس ما يجرى فى التنظيم

جريدة الدستور

عبدالمعطي أحمد رجب، المنشق حديثا عن جماعة الإخوان الإرهابية، يكتب لـ"أمان" شهادته عما يحدث داخل الجماعة حالياً بعدما ضرب زلزال الانقلاب قيادات الصف الأول للتنظيم الهاربين للخارج، والمعركة الدائرة بين إخوان لندن وتركيا فى عزل بعضهم.

وينشر «أمان» الشهادة كما أرسلها عبدالمعطى رجب، والتى جاء نصها كالآتى:

على مدار ثمانى سنوات لم يكن على لسان جماعة الإخوان وأنصاراهم سوى كلمتين أخذوا يدندنون بهما في كل مظاهرة وكل بيان «الانقلاب والشرعية»، ففي تصوراتهم القاصرة أن ما حدث في 30 يونيو كان «انقلابا» وأنهم فقط أصحاب «الشرعية»، حتى إن أغلب كياناتهم التي شكلوها كانت تتمحور حول هاتين الكلمتين.. فهذا «شباب ضد الانقلاب» وذلك «قضاة ضد الانقلاب» وهذا «تحالف دعم الشرعية» وآخر «مواطنون مع الشرعية».. إلخ.

ظن هؤلاء أن كثرة ترديدهم تلك الكلمات من شأنها أن تفرض صورة ذهنية من خلالها يتم ترسيخها في عقول ووعي الشعب.. لكن يشاء الله أن يشربوا من الكأس الذي أرادوا أن يسيطروا به على وجدان المصريين.

الآن، وبعد تلك السنوات القليلة لا تكاد تجد صفحة من صفحاتهم إلا وتحمل هاتين الكلمتين.. لكن هذه المرة لم تعد تلك الكلمات موجهة للشعب بل كانت موجهة لأنفسهم.. نعم دارت الدائرة عليهم وأصبحوا يتقاذفون أنفسهم بما قذفوا به الآخرين.. انقسم الإخوان وأصبح كل فريق يرفع راية «الشرعية»، والفريق المضاد يتهمهم «بالانقلاب»، وهنا وقف الشعب المصري متفرجا يشعر بحالة من البهجة تجاه مجموعة من الأفاكين الذين طالما أرادوا وسعوا لتغييب وعيه
من البداية.

ظل الإخوان منذ 2015 لهم قيادة معبرة عنهم من ثلاثة أفراد كرءوس مثلث، كان رأس هذا المثلث هو محمود عزت نائب المرشد السابق، وكان الوكيل الحصري لنقل بياناته وتوجيهاته للخارج هو محمود حسين الأمين العام لمجلس شوري الجماعة والرجل الحديدي بها، في تلك الأثناء كانت تطال محمود حسين كثير من الاتهامات بالفساد المالي والاختلاسات من قبل شباب الإخوان في تركيا، والذين نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي بعض صور الشقق والسيارات الـ«بي إم دبليو» التي يملكها حسين وأبناؤه في حين أنهم لا يجدون ما يسد رمقهم في شوارع اسطنبول.. ولم يتوقف الاتهام على شباب الإخوان بل انسحب على قيادات إخوانية كبيرة، كان أشهرها أمير بسام، عضو مجلس الشوري للإخوان، والذي خرج في تسريب صوتي في عام 2019 يتهم فيه محمود حسين بالفساد، حيث قال في التسريب متحدثا إلى قيادي آخر: «ربنا يعلم إني أقدر إخواني كثيرا.. لكن د. محمود حسين عندما جاء في نهاية الجلسة واعترف أنه أخذ ما ليس حقه من أموال الإخوان هو والإبياري وإبراهيم منير.. حقيقة أنا زهدت في الناس الموجودة اللي بتمد إيديها على فلوس الناس وفلوس الاخوان.. محمود حسين اعترف أمامكم بأنه كتب باسمه شققا وعمارات وليست حقه، ثم يطالب الإخوان بالتبرع.. عمليا، أنا تألمت كثيرا كثيرا ألم لا تتخيله.. إنه ياخد عربية (بي إم دبليو) يركبها بـ100 ألف دولار، وهنا طلبة بيتذلوا عشان 200 ليرة»

التسريب الكامل هنا
هنا استخدم حسين سلطاته وقام بفصل وتجميد كل المخالفين له، وكان مشاركا له في تلك الأوقات إبراهيم منير..
ظلت حالة الاتهامات قائمة وحالة التجميد والفصل قائمة، حتى استطاع حسين وإبراهيم منير السيطرة على الأوضاع
إلى أن جاءت القاضية، والتى تتمثل في إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على محمود عزت، والتى كانت الضربة التى قصمت ظهر بعير الإخوان وقياداتها.

هنا حدث ما لم يكن في الحسبان.. أصبح إبراهيم منير قائما بأعمال مرشد الإخوان بحكم منصبه كنائب للمرشد، وأصبح أعلى درجة تنظيمية من محمود حسين الذي كان يدير كل شيء وصاحب اليد العليا في السيطرة على أموال وإعلام الجماعة، ومحمود عزت الذي كان يستقوى به حسين ويحتكر الحديث باسمه لم يعد موجودا.

في تلك الفترة خرجت حكاية على لسان القيادي الإخواني عصام تليمة، والقيادي أحمد رامي الحوفي، مفادها أن محمد بديع، مرشد الإخوان، كان قد أرسل رسالة لمحمود حسين في عام 2015، يدعوه فيها لتشكيل لجنة خماسية، برئاسة القيادي «حلمي الجزار»، لتتولى الصلح بين أطراف الإخوان المتصارعة وقتها.. لكن محمود حسين أخفى تلك الرسالة، وعندما استفسر حامل الرسالة من إبراهيم منير عن مصير تلك الرسالة فوجئ منير بأنه لا يعلم عنها شيئا، هنا بدأ الصراع بين منير ومحمود حسين، والذي ألمح له منير بالأمس، في حواره مع قناة «الحوار»، قائلا إن الرسائل التي كانت تصل من داخل مصر لخارجها لم تكن دقيقة، ومغلوطة، وبعضها ليس صحيحا!! في اتهام مباشر لمحمود حسين بالكذب والتضليل.


حرب الشرعية والانقلاب

أخذ إبراهيم منير على عاتقه الدعوة لإجراء انتخابات داخلية، والتي جاءت نتائجها على غير رغبة محمود حسين وبعض المحيطين به، فتقدموا بمذكرات طعن في تلك الانتخابات بأنها انتخابات مزورة، ورفضوا الاعتراف بها ورفضوا تسليم المنتخبين الجدد أي شيء من ملفات الجماعة، سواء المالية أو الإعلامية.. هنا خرج إبراهيم منير ببيان يحيل 6 من قيادات الجماعة للتحقيق، على رأسهم محمود حسين، ومدحت الحداد رئيس مجلس إدارة قناة «وطن»، وهمام علي يوسف رئيس مكتب تركيا.

هنا لم تقف جبهة محمود حسين والقيادات المحالة للتحقيق صامتة أمام هذا الإجراء، فقد قام سكرتير مجلس شورى الجماعة، ممدوح مبروك، بتمرير ورقة سرية لبعض أعضاء مجلس الشوري يطالبهم فيها بعزل إبراهيم منير بحجة مخالفته لوائح الجماعة، لكن القيادي الإخواني «جمال حشمت» قام بتسريب تلك الورقة- والتي نشرها على صفحته تحت هاشتاج «انقلاب الاخوان»- وكان هذا التسريب بمثابة قاضية أخرى، حيث تم اتهام حشمت بالخيانة وإفشاء أسرار الجماعة.

ولم يمض على ظهور تلك الورقة سوى 24 ساعة، وفي سباق مع الزمن ومحاولة احتواء الفضيحة التى فجّرها جمال حشمت، حتى خرج الموقع الرسمي للجماعة ببيان عن انعقاد مجلس شوري الإخوان وعزله القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، في سابقة لم تحدث في تاريخ الجماعة.

هنا تداعت البيانات المؤيدة لكلا الطرفين، كل منهما يصف الآخر بأنه انقلابي على الجماعة ولوائحها، وكلا منهما يدعي أنه صاحب الشرعية في الجماعة.

وأصبح من يملك «باسورد» الصفحات الخاصة بهم هو المعبّر عن توجهات الجماعة الرسمية فى الموقع الرسمي وقناة «وطن» اللتين تسيطر عليهما جبهة محمود حسين.

وانتقلت الحرب بين الطرفين لمعركة إعلامية حامية الوطيس لا يعرف أحد مداها، لكن المؤكد أنها ليست كسابقاتها.

هامش

 طوال تاريخ الإخوان انشق منهم العشرات منذ أيام حسن البنا وانشاق القيادي أحمد السكري، وجماعة «شباب محمد»، ثم أيام الهضيبي وانشقاق المجموعة التي احتلت مكتب الإرشاد وكان منهم الغزالي وسيد سابق والسندي، مرورا بالعصر الحديث وانشاق مختار نوح وثروت الخرباوي وغيرهما.

لكن لم تكن تلك الانشقاقات بهذا الحجم وتلك الحدة، فلأول مرة تنقسم الإخوان جبهتين، كلا منهما تخوّن الآخرى، ولأول مرة في تاريخ الجماعة يتم عزل القائم بأعمال المرشد في سابقة لم تحدث مطلقا.

وما زالت الأزمة قائمة، وما زال التصعيد بين الطرفين قائما، سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو جروبات «التليجرام».. حتى وإن بدا للأغلبية أن إبراهيم منير قد سيطر على الجماعة، إلا أنه من المستبعد أن يقف محمود حسين وجبهته موقف المتفرج، وسط أنباء عن نيتهم مواصلة التصعيد، وربما يتخذ حسين قرارا بتنصيب نفسه قائما بأعمال المرشد، خاصة بعد أن دخلت أسرة الرئيس المعزول محمد مرسي على الخط وأعلنت، على لسان الشيماء ابنته، تأييدها قرارات شورى الإخوان بعزل إبراهيم منير.


وقفة

1- يخطئ من يظن أن الخلاف القائم بين الإخوان هو اختلاف بين شخصين على اللوائح والقوانين، تلك نظرة قاصرة يروجها بعض دراويش الجماعة حتى يحاولوا تهدئة طاقة الغضب بداخلهم، وينشروا صورة إيجابية تحفظ بعضا من ماء وجوههم أمام المخدوعين من مؤيديهم.

بل الناظر المتفحص يدرك أنه خلاف على المناصب والتمسك بالكراسي على أشلاء الأتباع وأطلال تلك الجماعة البائدة.. فأصبحت كل شعاراتهم جوفاء، فبعد أن كانت مبادؤهم «هي لله هي لله» أضحت «هي للكرسي هي للجاه»، وبعد أن كانت المسئولية والمناصب «مَغرما» أصبحت الآن «مغنما» يستحق التقاتل والتخوين، وأصبحت كل شعاراتهم ما هي إلا كلمات فارغة يضحكون بها على أتباعهم.. ولم لا يتقاتلون وخزائن الجماعة من الأموال والتبرعات ما زالت تبهر أعينهم.

2- كشفت تلك الأزمة مدى حيرة شباب الجماعة وكيف يمكنهم تبرير تلك الأفعال ومع من يقفون.. فإبراهيم منير ومحمود حسين كانا شريكين طوال السنوات الماضية، فلما اختلفا وقع الشباب في حيرة من أمرهم، وبعضهم يقف متفرجا كالقطيع ينظر مع من ستربح كفته فيسير وراءها!

3- إنها أزمة ثقافة قائمة على السرية والغموض بالتوازي داخل مجتمع الإخوان مع ترسيخ مبادئ عن الثقة في القيادة ومنع التشكيك بها، فلا أحد يعلم ولا أحد يسأل ولا أحد يناقش الجميع في موقف التبعية والتأييد الأعمى.

4- إنها أزمة أناس لديهم مشكلة فكرية وبنيوية متجزرة تنخر في عقول كل أو أغلب أتباع الجماعة، جعلتهم يضعون الجماعة موضع الدين وقيادتها في موضع الخلفاء!

وما زالوا يعتقدون أن جماعتهم الربانية هي تمثل جماعة الإسلام، وإن قياداتهم هم ولاة الأمور، ويمارسون هذا الخلط العجيب، وهذا ما بدا واضحا في بيان القيادي الاخواني محمد البحيري، الذي بايع فيه إبراهيم منير قائلا في ثنايا بيانه:
«نحن لنا إمام، وهو الأستاذ إبراهيم منير، حفظه الله، والإمام له السمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره حسب أركان بيعتنا العشرة..(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ، فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی شَیۡء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ خَیۡر وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا).. فلا نقطع حبلنا فينفرط عقدنا وتضيع جهود شهدائنا ومجاهدينا ومربينا وييأس منا حبيبنا ويفتك بنا عدونا.. لا يصح أن يكون إمامان فى صلاة ولا جماعتان في مسجد، وقد كان هذا أول فساد أمر المسلمين، وما الفتنة بين الصحابة عنا ببعيد (وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ).. دعوة الإخوان هى التى تمثل دعوة الإسلام بمفهومه الشامل فى العالم الإسلامى، وبرغم ما بها مما نعلم فهى التى ترفع رايته وتكاد أن تكون وحدها، ولا يتآمر متآمر إلا ويعرف بقاءها هو أول عقباته».. إلخ.

انظروا كيف سحب كل شروط ولاة الأمور وأسقطها على مرشد جماعتهم.. وتلك المفاهيم الخادعة والتي يرسخها قيادات الإخوان في عقول أتباعهم هي المأساة الحقيقية لهولاء.. والتي تجعلهم دائما حيارى بين واقع سيئ يحيونه ومفاهيم وأفكار مقدسة، ما جعلهم يتساءلون بينهم وبين أنفسهم: هل هذه أفعال الجماعة الربانية؟! أم هؤلاء هم حملة الرسالة وجنود الدعوة الربانية؟!

- والمفارقة المؤكدة التي لا يمكن أن يجادل فيها هؤلاء أن كل ما يحدث لهم هو من داخلهم دون وجود أي عوامل خارجية أو مؤامرة كونية عليهم كما يروجون دائما.

وللحقيقة وللتاريخ، فإن كان هناك من فضل لكل هذا فمرده إلى الرئيس السيسي الذي لم يفعل بهم سوى أنه نزع ورقة التوت عنهم، فظهرت سوءتهم أمام أتباعهم وأمام الشعب.. وستبقى الأيام حبلى لنا بالمفاجآت التي تكشف لنا كذب وزيف هؤلاء، ومدى جرمهم في حق أنفسهم وحق الوطن.