رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لم تقرأه حول شهادة «الغزالى» عن ماسونية الإخوان (تفاصيل)

جريدة الدستور

قبل ساعة أعلن بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة عن مقتل عدد (89) فردًا تكفيريًا شديد الخطورة بمناطق العمليات بشمال سيناء. هذه الجماعات التكفيرية التي خرجت من جماعة الإخوان ومؤسسها حسن البنا، وعلي تعاليم منظرها سيد قطب ارتكبت هذه الجماعات جرائمها ضد المصريين وضد الإنسانية عامة، كلها بلا استثناء جماعات نشأت وخرجت من جماعة الإخوان الإرهابية.

وفي كتابه "تاريخ جماعات الفشية الدينية في مصر".. يرصد مؤلفه أحمد الصغير ويوثق لنشأة جماعة الإخوان ومؤسسها حسن البنا، مشيرا إلي أن: وصفٌ حسن البنا بأنه "الشيخ الدجال" هو الوصف الذى ألصقه بحسن البنا كثيرٌ ممن عاصروه ورأوا تقلباته السياسية الحادة التي كانت تتميز عما سواها من تقلبات السياسيين الآخرين بأنه قد حاول أنْ يصبغها بالدين.. وقد نشر هذا الوصف في مقالاتٍ معاصرة للبنا عن طريق أفرادٍ وقاماتٍ لا يُشك في ولائهم لوطنهم مثل زعيم حزب مصر الفتاة "أحمد حسين". ولكن مع ذلك لم أكن لأطمئن لاستخدامه إلا بعد أنْ وجدتُ في تاريخ الرجل ما يؤيد هذا الوصف وبشدة، بل إنني أزيد عليه بعض السمات الأخرى وأهمها "الباطني الغامض".

هناك خطأ شائعٌ يقع فيه كثيرٌ من أتباع هذه الجماعات وكارهيها على حدٍ سواء، وهي في الواقع أسطورة تقول إنّ أفكار حسن البنا الأولى لم تقل بتكفير المسلمين، كما أنه لم يعتمد القوة طريقا لتغيير المجتمعات الإسلامية، وأنّ هذه الأفكار التكفيرية والدموية قد قال بها سيد قطب في كتابه معالم في الطريق و.. يمكنني القول إنّ هذه كذبة كبرى. وأنا هنا لا أتحدث عن أحداث القتل التي تمت في وجود حسن البنا وإنما أتحدث عن أفكاره المكتوبة والموثقة.

يوضح "الصغير": فهناك وثيقةٌ عبارة عن كتيب صغير (18 صفحة) مما يسمى رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، وهو إحدى مقتنياتي أثناء دراستي بجامعة المنيا ــ إحدى معاقل التطرف الديني في مصر آنذاك 1990 – 1994 ــ ففي هذا الكتيب يخاطب حسن البنا شباب الإخوان الذين ضمهم لجماعته الجديدة ويحدد لهم الفكرة والطريق لتنفيذ تلك الفكرة. ففي تحديد الفكرة أو العقيدة الأساسية لدعوته يقول لهم "و نحن لا نعترف بأي نظامٍ حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية، ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا عليها أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره... ".

أما أخطر ما في الوثيقة فهو تكفيره لمن لا يؤمن بما قاله فيقول بالنص: "وإنّا نعلن في وضوحٍ وصراحة أنّ كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل على تحقيقه لا حظ له في الإسلام، فليبحث له عن فكرةٍ أخرى يدين بها ويعمل لها. أما عن الطريق لتحقيق أفكاره فإنني أعتبر ما يقوله هنا هو صفعة على وجوه أتباعه الذين يدافعون عن سلمية أستاذهم وصاحب الدعوة كما يحبون أنْ يلقبوه وكأنه نبي. يقول البنا عن الطريق لتنفيذ معتقداته على الأرض: "وأول واجباتنا نحن الإخوان أنْ نبيّن للناس حدودَ هذا الإسلام واضحة كاملة بينة، لا زيادة فيها ولا نقصان منها، ولا لبس معها وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا وأنْ نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها، وذلك هو الجزء العملي في هذه الفكرة!.."

ها هو حسن البنا يقول نفس الأفكار التي قالها بعده بسنين سيد قطب، ويعتقد أنه وإخوانه وتلاميذه هم الذين سوف يحددون للناس الإسلام تحديدا واضحا – من وجهة نظرهم – ومن يخرج عن الإيمان بما قالوه وحددوه يعتبر خارج فكرة الإسلام أي يعتبر كافرا، والطريق لتحقيق ذلك هو حمل الناس عليه وكلمة "حمل الناس عليه" هو فتح لبابٍ على مصراعيه لقادتهم – كلُّ في موقعه وموضعه – لتحديد الوسائل لذلك.

ويستطرد "الصغير": سيد قطب لم يأتِ بجديدٍ إذن، لكن الفرق أنّ حسن البنا عرض أفكاره ببعض النعومة والمراوغة التي اشتهر بها وأخذها عنه كثيرٌ من تلاميذه حتى اليوم.. لكن سيد قطب قاله –بتأثير السجن – بفظاظة لكن الفكرة واحدة والمنهج واحدٌ. سيد قطب فصّل في كتابه غموض كلمات حسن البنا، فقال إنّ الشعوب والدول التي تطلق على نفسها مسلمين ليسوا بمسلمين وتجب إعادتهم للإسلام مرة أخرى عن طريق القلة المؤمنة وهم جماعة الإخوان وفى سبيل ذلك وجب عليهم المهادنة في وقت ضعفهم ووجب عليهم أخذ المجتمع بالشدة وقت قوتهم، تماما كما في تلمود اليهود الذى يحدد لهم كيف يتعاملون مع غير اليهود.

ــ أصل حسن البنا واتهامه بالماسونية
حسن البنا مولود بقرية المحمودية بمحافظة البحيرة أكتوبر 1906 والده أحمد عبد الرحمن الساعاتي الذى يقدمه الإخوان في مصادرهم أنه عالمٌ للحديث وكان إماما لمسجد القرية ومهنته ساعاتي، وفي نفس المصادر هناك محاولةٌ لرسم سيرةٍ تقيةٍ لوالد حسن البنا ثم لحسن نفسه الذى تخرج في دار العلوم 1927
لكن نفس المصادر لا تقدم ردا أو تفسيرا على إلصاق لقب البنا بالعائلة التي لا يوجد بها هذا اللقب ولماذا مثلا أصر أحد إخوته على التمسك بهذا اللقب بعد مقتل حسن البنا وحين كان هناك رأيٌ بتولي أخيه هذا منصب المرشد العام خلفا لأخيه، فأصر أن يتم تلقيبه بلقب البنا لكن الفكرة لم تنفذ وتم تولية حسن الهضيبي منصب المرشد الثاني ولقب البنا يعنى (البنّاء) وهو المرادف اللغوي العربي لكلمة ماسوني باللغة الإنجليزية.

هناك أربع شهادات مكتوبة لأربعة أسماء لا يُستهان بها تنعت حسن البنا بأنه ماسوني الشهادة الأولى هي مقالٌ للعقاد منشور فى جريدة الأساس 2 يناير 1949 بعنوان (الفتنة الإسرائيلية) والذى قال فيه صراحة إنّ جد حسن البنا كان يهوديا مغربيا هاجر إلى مصر وإن الحفيد حسن البنا قد أسس جماعة باطنية ماسونية، وربما لا يعرف الكثيرون أنّ الإخوان المسلمين قد حاولوا اغتيال العقاد بإطلاق الرصاص عليه في منزله ردا على كشف الستر عن حقيقة زعيمهم٬ حيث هددوه برسالة بها كلمات قليلة (قذفت القاذفة).. ثم علموا أن تليفون منزله بجوار النافذة فاتصل به أحدهم وبمجر أن رد قاموا بإطلاق الرصاص على النافذة، وفشلت المحاولة لأن العقاد رد على التليفون جالسا.

الشهادة الثانية هي كلمات الشيخ محمد الغزالي الذى تم فصله من الجماعة مع عشرات آخرين في خمسينات القرن الماضي، وكلماته قد نُقلت فى مصادر كثيرة لكن المصدر الأصلي هو كتاب "من معالم الحق" والذى صرح فيه بماسونية عدد من قادة الجماعة على رأسهم المرشد الثاني حسن الهضيبي.

والمفاجأة في كتاب الغزالي أن هناك طبعة ثانية من الكتاب صدرت 1963 عن دار الكتب الحديثة التي كان عنوانها 14 شارع الجمهورية، في هذه الطبعة التى أتيح لبعض الكُتّاب قراءتها والاقتباس منها تحدث الغزالي قائلا: "استقدمت الجماعة رجلًا غريبًا عنها ليتولى قيادتها وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذا حالها وصنعت ما صنعت، ولقد سمعنا كلامًا كثيرًا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان ولكني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو التي فعلته، وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة". المفاجأة في الطبعات التالية للكتاب ومنها الطبعة الرابعة الصادرة عن دار نهضة مصر للطباعة والنشر 2005، أن هذه الطبعات قد خلت من هذه العبارات، وهذا سبب التشويش على ما كتبه الغزالي عن هذه القضية.

الشهادة الثالثة هي ما وردت على لسان على العشماوي أحد السبعة الكبار الذين حكم عليهم بالإعدام في تنظيم 1965 ونفذ الحكم في ثلاثة وخفف للأشغال الشاقة على أربعة منهم العشماوي. ففي كتابه "التاريخ السرى للإخوان" يتحدث عن الفترة التي كان يخطط فيها لتنفيذ عدد من الاغتيالات السياسية وتفجيرات المنشآت العامة وهو ما يعرف بقضية 1965 ويلقبها الإخوان باسم محنة 1965، وفي كتابه يتحدث عن إقرار سيد قطب بوجود اختراق ماسوني معروف للقيادات العليا للتنظيم الخاص. وسيد قطب تحديدا لديه من المعلومات ما يجعله قادرا على معرفة هذه القيادات لأنه هو شخصيا كان معروفا بماسونيته وبكتاباته في إحدى الصحف الماسونية.

الشهادة الرابعة هي ما أورده الخرباوي صراحة في كتابه "سر المعبد" عن ماسونية الجماعة نفسها وماسونية بعض قيادات الرعيل الأول منه وكان مصدره في ذلك هو ما عرفه من الإمام الغزالي نفسه وما عاصره من أحداث أثناء انتمائه للجماعة.

ويؤكد المؤلف: من الواضح بجلاء أن للجماعة منذ نشأتها جزءان منفصلان، الأول هو الظاهر فوق سطح المياه وهو الوجه العلني ذو الخطاب الديني العاطفي وذو الشعارات البراقة التي يتم بها مخاطبة السذج والبسطاء ويتم بها التجنيد. أما الجزء الأهم فهو ما خفى تحت السطح وفي كتاب العشماوي يقول صراحة إن هذا الجزء الخفي بدأ البنا في تأسيسه في نفس فترة تأسيس الجزء الظاهر أو الجماعة العلنية بشعبها، وفي هذا هدم لنظرية تأخر تكوين النظام الخاص أكثر من عشر سنوات بعد إعلان تأسيس الجماعة، بل ويقول إنّ الجزء السرى هو الأساس والذى من أجله يتم تجنيد الأعضاء في الجماعة لانتقاء العناصر الصالحة منهم للانضمام للتنظيم السري.

ــ هكذا تطابقت طقوس جماعة الإخوان مع الماسونية
و الطقوس التي كان يمارسها العضو أثناء انضمامه للتنظيم السرى كانت بلا شك لا علاقة لها بالإسلام وقد جاء بها البنا – حسب اعترافات العشماوي – من تاريخ الجماعات الباطنية السرية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي وبخاصة جماعة حسن الصباح المعروفة باسم "الحشاشين" التي كان البنا ورفقاؤه الأوائل ينظرون لها بعين الإعجاب لما تتميز به من مبدأ الطاعة العمياء في تنفيذ أوامر زعيمها.

لذلك ومما سبقي يتضح أن اتهام حسن البنا بالماسونية تؤيده شهاداتٌ كبرى وتؤيده أفعال وطقوس الجماعة نفسها التي وردت في جميع مصادر ومذكرات أعضاء التنظيم الخاص.. ويؤيده اهتمام الجماعة الأول بالأفكار الباطنية. وإننا لو استبعدنا فكرة ماسونية البنا فلن نستطيع نفى فكرة أصله غير المصري فحتى لو كان مغربيا مسلما وهاجر إلى مصر فهذا يلقى بظلال من الشك حول وطنيته وشعوره بالانتماء لهذه البلاد.. وربما يفسر هذا سلوكه السياسي الذى تميز بالنفعية الشديدة الغريبة أحيانا من جانب زعيمٍ قدم نفسه للمجتمع على أنه تمثيلٌ للفكرة الإسلامية الأخلاقية.

وأخيرا فإن الظروف والملابسات التي واكبت نشأة الجماعة خاصة فيما يتعلق بعلاقاته بشركة قناة السويس الإنجليزية الفرنسية ومساهمتها بمبلغ ضخم لتأسيس الجماعة، هذه الظروف تلقى بمزيد من الشك حول أهداف الجماعة المعلنة.