رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة سفر وعودة الإرهابيين المصريين من شوارع المحروسة لـ«صحراء تورا بورا»

القاهرة كابول
القاهرة كابول

نجح مسلسل «القاهرة: كابول» الذى أنتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فى كشف المؤامرات التى كانت ولا تزال تحاك ضد مصر من أطراف داخلية وخارجية، وأعاد لأذهان الجمهور المصرى والعربى قضية تأثير الجماعات الإرهابية التى انتشرت فى تسعينيات القرن الماضى، فى المشهد السياسى فى الشرق الأوسط، وأوضح لماذا سافر أعضاء تلك التنظيمات إلى أفغانستان.

الإرهابيون- المصريون والعرب- الذين سافروا إلى أفغانستان اعتمدوا على دعم جهات خارجية، أمدتهم بالسلاح والمال، أشار لها المسلسل دون تصريح، بأنها تابعة للماسونية العالمية، وذلك فى مشهد ظهر خلاله الفنان طارق لطفى- الذى يجسد دور إرهابى- يلتقى شخصًا يلبس خاتمًا يحمل شعار الماسونية.

وأوضح المسلسل كيف كان إرهابى كبير يسافر بحرية بين مطارات أوروبا، معتمدًا على حصانة منحتها له جهات معادية، رغم ثبوت تورطه فى جرائم كثيرة، وكيف وعدته الجهات الخارجية بتحقيق جميع طموحاته، على رأسها إقامة خلافة إسلامية.

انسحاب الاتحاد السوفيتى من كابول كشف حقيقة الإرهابيين 

 

بعد أن سافر الإرهابيون إلى كابول تحت ستار محاربة الروس، وقعوا فى مأزق حينما انسحب الاتحاد السوفيتى من أفغانستان عام ١٩٨٩، وبذلك انتفى سبب سفرهم إلى هناك، الأمر الذى جعل عبدالله عزام- إخوانى فلسطينى، كان الأب الروحى للإرهابى أسامة بن لادن والجهاديين العرب- يدعو إلى نقل المجاهدين من أفغانستان إلى فلسطين، بينما فضلت مجموعة من الإرهابيين العرب، على رأسهم أيمن الظواهرى، استمرار «الجهاد» فى أفغانستان والانطلاق منها لإسقاط الأنظمة العربية.

عاد بعد ذلك الإرهابيون، مصريو الجنسية، إلى أرض مصر، وكونوا جماعات إرهابية استهدفت إسقاط الدولة المصرية، واستغل المتطرفون ما تعلموه فى أفغانستان فى تنفيذ عمليات إرهابية، من بينها اغتيالات وحروب عصابات.

ومن أبرز العمليات الإرهابية التى نفذها العائدون من أفغانستان، محاولة اغتيال وزير الداخلية زكى بدر عام ١٩٨٩، واغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب عام ١٩٩٠، ومحاولة اغتيال وزيرىّ الداخلية حسن الألفى وصفوت الشريف، وتفجير السفارة المصرية بإسلام آباد.

وفى ١٢ أكتوبر عام ١٩٩٠، قامت جماعة الجهاد الإسلامى بتنفيذ عملية لاغتيال وزير الداخلية عبدالحليم موسى، التى فشلت نتيجة لتداخل موكبى وزير الداخلية ورئيس مجلس الشعب، رفعت المحجوب، الذى قتل خلال الهجوم.

كما نفذ هؤلاء مذبحة الأقصر عام ١٩٩٧، إذ هاجم ستة إرهابيين من الجماعة الإسلامية-متنكرين فى زى رجال أمن- مجموعة من السياح فى معبد حتشبسوت بالدير البحرى، وأسفر الهجوم عن مقتل ٦٠ سائحًا خلال ٤٥ دقيقة، وتسببت هذه الحادثة فى الإضرار بالسياحة فى مصر لفترة طويلة، وأقيل وزير الداخلية حسن الألفى نتيجة لهذه العملية.

حينها أعلن القيادى فى الجماعة الإسلامية رفاعى طه مسئوليته عن الحادث، خلال بيان بثته وكالات الأنباء العالمية، وفى المقابل نفى المتحدث باسم الجماعة الإسلامية أسامة رشدى، مسئولية الجماعة عن العملية، موضحًا أن الهدف كان خطف سياح أجانب ومبادلتهم بمعتقلين، لكن المنفذين لم يتمكنوا من ذلك، فغيروا الخطة دون الرجوع للقيادات، ونفذوا هذه العملية على مسئوليتهم، لكن بعد فترة من ذلك الحادث أعلنت الجماعة الإسلامية مبادرة وقف العنف، وما تلاها من المراجعات الفقهية للجماعة، التى تسببت فى خروج حوالى ١٦ ألف عضو معتقل فى أكبر مصالحة تحدث بين الدولة والجماعات الإسلامية.

وصل إجمالى عدد ضحايا العمليات الإرهابية ضد السياح فى الفترة بين عامى ١٩٩٣ و١٩٩٦، إلى حوالى ١٧٠ قتيلًا عبر تنفيذ ١١ عملية إرهابية.

فى بداية التسعينيات، حاولت التنظيمات الإرهابية تشكيل ما يسمى بـ«الجيش الإسلامى»، كبداية لتكوين دولة الخلافة المزعومة، التى تستهدف استغلال مشاعر المسلمين حول العالم، فى ظل انتشار تيار «الصحوة الإسلامية»، ودوره فى خلق دوائر مجتمعية عربية متأثرة بخطاب السلفية الجهادية، الداعية لتوظيف العنف واستثماره لمواجهة «الطائفة الممتنعة» والرافضة لتطبيع الشريعة الإسلامية، وفقًا لعقيدتهم المنحرفة.

وكان للإرهابيين المصريين دور كبير فى بناء تنظيم القاعدة، فالاجتماع الأول لتشكيل تنظيم ضم أكثر من ٩ عناصر مصرية، بجانب التحالف بين أسامة بن لادن وقيادات تنظيم الجهاد المصرى، بزعامة أيمن الظواهرى.

وأشهر الإرهابيين المصريين وقتها: أبوعبيدة البنشيرى، وعلى أمين الرشيدى- صهر عبدالحميد عبدالسلام قاتل السادات- وأبومحمد المصرى، وسيف العدل- المسئول عن خلية حماية بن لادن- وأبوأسامة المصرى أبومحسن المصرى، وعبدالعزيز موسى الجمل، ومحمد صلاح زيدان- كان ضابطًا فى الجيش المصرى وتزوج ابنة الإرهابى أبوالوليد مصطفى حامد وهو من قدامى المجاهدين العرب فى أفغانستان.

 

خبراء: تاريخ الإخوان وراء زيادة عدد الإرهابيين المصريين فى أفغانستان

عن سبب وجود المصريين فى الصفوف الأولى لتنظيم القاعدة، قال عمرو فاروق، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن جماعة الإخوان الإرهابية بدأت من مصر، وتبنت قضايا الحاكمية وجاهلية المجتمع والتكفير وتوظيف القوة المسلحة رغبة فى «التمكين» وتحقيق ما يعرف بـ«دولة الخلافة»، وهذا منح الإرهابيين، مصريى الجنسية، فرصة ليكونوا فى الصفوف الأولى فى تنظيم القاعدة.

أوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، أن مرحلة الجهاد الأفغاني كانت سببا رئيسيا في إيجاد مساحة جغرافية لجماعات الأصولية،وتأسيس تنظيم القاعدة، وظهور قيادات وعناصر جديدة مثلت رموزا للجماعات الإسلام الحركي، فضلا عن إتاحة فرصة التدريب على استخدام السلاح وصناعة المتفجرات، وتمكنهم من جمع التبرعات والتمويلات الضخمة، تحت لافتة دعم المسلمين  الأفغان، عن طريق لجان الإغاثة الإسلامية وفروعها المنتشرة في مخلتف الدول العربية والغربية،والتأثير على الجاليات العربية والإسلامية، وتكوين بؤرة فكرية داعمة لهذا للمشروع المسلح.
وأضاف فاروق، أنه عقب انتهاء الحرب الأفغانية، طورت رموز الحركات الأصولية المسلحة، من آليات ووسائل تواجدها وانتشارها، وطريقة تعاملها مع المجتمعات والأنظمة السياسة الحاكمة، ومكوناتها الفكرية والتنظيمية، وفقا لما يعرف باستراتيجية مواجهة "العدو البعيد"، المتمثلة في المصالح الأمريكية والغربية، فضلا عن تحقيق بعض العمليات تجاه عدد من الأنظمة العربية وفي مقدمتهم الدولة المصرية التي نالت قدرا كبير من موجة العنف التي شهدتها مرحلة التسعينات من القرن الماضي.

ونوه بأن مرحلة الجهاد الأفغانى كانت سببًا رئيسيًا فى إيجاد مساحة جغرافية للجماعات الأصولية، وتأسيس تنظيم القاعدة، وظهور قيادات وعناصر جديدة، فضلًا عن إتاحة فرصة التدريب على استخدام السلاح وصناعة المتفجرات، وجمع التبرعات والتمويلات الضخمة، تحت ستار دعم المسلمين الأفغان، عن طريق لجان الإغاثة الإسلامية وفروعها المنتشرة فى مخلتف الدول العربية والغربية، والتأثير على الجاليات العربية والإسلامية، وتكوين بؤرة فكرية داعمة لهذا للمشروع المسلح.

وأضاف أنه عقب انتهاء الحرب الأفغانية، طورت رموز الحركات الأصولية المسلحة، من آليات ووسائل انتشارها، وطريقة تعاملها مع المجتمعات والأنظمة السياسة الحاكمة، ومكوناتها الفكرية والتنظيمية، وفقًا لما يعرف باستراتيجية مواجهة «العدو البعيد»، فضلًا عن تنفيذ بعض العمليات تجاه عدد من الأنظمة العربية وفى مقدمتها الدولة المصرية.

من جهته، قال الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، أحمد سلطان، إن قضية الأفغان العرب هى واحدة من القضايا التى استغلتها التنظيمات الإرهابية بشكل جيد طوال حقبة التسعينيات، لأن جزءًا كبيرًا منهم سافر إلى ساحات القتال هربًا من الملاحقات الأمنية فى بلادهم، نتيجة تورطهم فى أنشطة إرهابية».

وأضاف «سلطان»: «داخل المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، نجح عبدالله عزام الذى كان يعمل فى إحدى الجامعات الباكستانية وقتها، فى استقطاب المئات من العرب المهاجرين، تحت شعار مكتب خدمات المجاهدين الذى أسسه بتمويل من أسامة بن لادن».

وتابع: «البراجماتية كانت مسيطرة على قيادات العمل الجهادى، وهو ما يكشف عن حقيقة هذا النوع من الأعمال، فعزام- مثلًا- وضع أقاربه ورفاقه فى مناصب إدارية وقيادية داخل المكتب، بحيث كان عدد المديرين داخله يمثل نصف عدد العاملين، وبدأت فى هذه الأثناء صدامات عديدة بين الجهاديين أنفسهم كانت فى أصلها صراع على كعكة التمويل الذى توفره دول خارجية لهم».

ولفت إلى أنه فى تلك الفترة كان «الظواهرى» يرى «بن لادن» عميلًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويستدل على ذلك بحجم الأموال التى ينفقها على الجهاديين حسبما كشفه لاحقًا سيد إمام الشريف، فى مراجعاته الشهيرة عام ٢٠٠٧، لكن المصلحة المشتركة وحدت لاحقًا بين «بن لادن» و«الظواهرى»، اللذين سلكا مسلكًا مغايرًا لـ«عزام».

وأشار إلى أن تحالف «الظواهرى» و«بن لادن» أدى إلى تخريج أجيال جديدة من الإرهابيين، إذ اندمج ما تبقى من جماعة الجهاد المصرية فى تنظيم القاعدة الذى أسسه «بن لادن» فى أول المطاف كتحالف جهادى، وتسمى التنظيم وقتها بـ«قاعدة الجهاد» ليعبر عن المكونات الأساسية الداخلة فيه.

ونوه بأن أخطر المجموعات الإرهابية داخل مصر فى تلك الفترة، كانت تنظيم «طلائع الفتح»، الذى كانت لديه خطة لإثارة الفوضى فى البلاد، عبر شن سلسلة هجمات إرهابية منسقة ضد قوات الجيش والشرطة فى أكثر من محافظة وفى وقت واحد، بهدف السيطرة على البلاد وإعلان إمارة مصر الإسلامية، لكن اليقظة الأمنية أجهضت هذا المخطط، وقُبض على كل عناصر التنظيم تقريبًا، وهو ما دفع «الظواهرى» لإيقاف العمل داخل مصر.

وأكد: «لدى تلك التنظيمات خطة لإسقاط الحكومات العربية، فمثلًا الجزائريون كانوا يتدربون فى معسكرات بن لادن ثم يعودون لبلادهم ويبدأون تمردًا مسلحًا ضد الحكومة والجيش هناك، وكذلك فعل الليبيون المنتمون للجماعة الليبية المقاتلة وغيرهم، وكان لدى تنظيم القاعدة تصور خاص بمصر، ورأوا أن السيطرة عليها لا بد أن تكون سيطرة متدرجة، تبدأ عبر السيطرة على السودان لتوفير قاعدة إمداد قريبة للحراك المسلح الذى سيطلقونه، ولهذا سعى التنظيم لتعزيز وجوده فى السودان واختراق مصر عبر مجموعات مدربة فى معسكرات القاعدة».