رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيبلوجرافيا الإسلام السياسي.. «المغامر» رواية ترصد بوادر التمييز الديني في مصر منذ عهد المماليك

غلاف الرواية
غلاف الرواية

قديما كان الشعر ديوان العرب٬ وعندما عرف العرب فن الرواية صارت هي ديوانهم الحديث خاصة في أعقاب الحرب العاليمة الثانية٬ أو كما اعتبرها د. جابر عصفور "ديوان العرب المحدثين" وأطلق مقولته الأشهر "زمن الرواية" التي أثارت ــ ولا تزال ــ الكثير من الجدل.. وكما وصفها نجيب محفوظ بأنها "شعر الدنيا الحديث".. ففي المتسع الزمني الذي تتمتع به الرواية دون غيرها من الأجناس الأدبية جعلها الأكثر استجابة لأن تكون "تأريخا" موازيا للتاريخ الرسمي كما يسجله المؤرخون .

وفي هذه المحاولة فى "أمان" نهدف إلى رصد وتوثيق الروايات المصرية والعربية التي تطرقت إلى موضوعات الإسلام السياسي٬ من أول التمييز الديني وتكفير الآخر٬ مرورا بالعمليات الإرهابية التي تناولتها هذه الروايات٬ وصولا إلى كل جديد تنتجه المطابع حول هذه القضية الملحة. 

لا ندعي أن هذه "بيبلوجرافيا" علمية، فهذا مما يحتاج إلى جهود العشرات من الباحثين٬ لكنها محاولة لتدشين قاعدة بيانات لتكون مرجعية لمن يحتاج لتناول ظاهرة الإسلام السياسي والإرهاب والجماعات التكفيرية.. إلخ، من خلال الروايات المصرية والعربية التي صدرت في هذا الصدد.

وفي روايته "المغامر"، الصادرة عن دار العين، نجح الكاتب أحمد صبرة في اقتناص فترة شديدة التأثير في التاريخ المصري سياسيا وثقافيا، والتي شهدت نهاية حكم المماليك للمصريين خاصة المسيحيين والتمييز الذي مارسوه عليهم هم والمسلمين من المصريين: "كان أبويوسف يرتدي جلبابا أسود في هذا الحر القائظ حوله زنار ويضع طوقا من الحديد حول رقبته" إلا أن علاقة الصداقة التي ربطت بين 5 أطفال صغار وهم "عبدالعال٬ بكر٬ حسن٬ سليم، ويوسف" تمتد بهم لآخر العمر لم ينغصها كثيرا هذا التمييز وإن شذ بكر عنهم بعقليته الأصولية المتعصبة التي نمت معه، في إشارة إلى وهم الخلافة الإسلامية وخرافة خير أمة أخرجت للناس٬ وعصمة علماء الدين ومشايخه رغم أنهم طوال الوقت كانوا يتاجرون بآلام المصريين لجني المكاسب والثروات.

قسمت الرواية إلى ثلاثة أجزاء: التكوين٬ والتيه٬ والتمكين، وفي الجزء الأول تسرد حياة كل من محمد علي وبوادر الطموح والمغامرة في شخصيته التي حولته من مجرد تاجر تبغ في قولة إلى الجلوس على عرش أكبر الولايات العثمانية٬ بالتبادل في سرد حياة "حسن العطار" ومراحل حياته من شظف العيش إلى رفاهيته بفضل مهنته في نسخ الكتب وما مر به من وقائع من فقد ابنه في وباء الطاعون، وخيانة زوجته "هوي" له مع "جان بول" أحد المرافقين للحملة الفرنسية وقتلها في النهاية.

وإن كان تناول علاقة الغرب بالشرق هنا جديدة حيث تقع امرأة شرقية في غرام رجل غربي على غير المعتاد في تناول هذه العلاقة٬ كما تطرقت الرواية إلى بدايات اللقاء مع الآخر والانفتاح عليه، كما حدث مع "سليم" في أسفاره إلى إيطاليا وفرنسا وانبهاره بالعدل، والقيم الإنسانية بين هذه الشعوب التي لا تعرف الإسلام، بينما المماليك من يقيمون الشعائر الدينية يعيثون في الناس جورا وقمعا٬ وهنا كان الصديقان بكر وسليم على طرفي نقيض طوال الوقت، وإن كان منطق "سليم" وما لمسه بكر من البون الشاسع بين رجال الحملة الفرنسية، وبين المماليك والعثمانيين، جعله في حيرة طوال الوقت إلا أنه دائما ما يلتمس الأعذار لاستبدادهم لمجرد أنهم مسلمون.

تلك الحيرة التي جعلته يعتزل الخوض في أية مناقشات حول أحوال الناس، خاصة عندما شاركه عساكر الأتراك بيته غصبا وحاولوا التحرش بزوجته وابنته في غيابه إلى أن يطردوه من بيته.. إنه الموقف الأصولي الذي يرى أنه يفضل أن يحكمك مملوك عبد مسلم، ولو من بلاد الواق واق على أن يحكمك مسيحي مصري.

يشير الكاتب من طرف خفي إلى بذور علمانية مبكرة يمثلها سليم وقناعته بأن الدولة لا دين لها٬ تلك البذور التي ستتبلور مع جيل التنويريين مثل رفاعة الطهطاوي، وطه حسين، ولطفي السيد، الرعيل الأول الذي حصد ثمار البعثات التعليمية، التي أوفدها محمد علي إلى أوروبا خاصة فرنسا نظرا لتأثره بصديقه ليون الفرنسي.