رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«داعش».. من حرب العصابات إلي قتال الشوارع

جريدة الدستور

على غرار إعلان القضاء التام على "خلافة" تنظيم داعش في سوريا السبت، أعلن العراق قبل عام "النصر المؤزر" على العناصر الإرهابية، لكن رغم ذلك تبقى فلول التنظيم قادرة على القتل والتفجير في بلد لا تزال تربته خصبة لعناصر التنظيم.

إضافة إلى الجانب العسكري، يعاني البلد من آفات كثيرة لن تلق حلا قبل سنوات، وفي طليعتها مسألة عودة 1،8 مليون نازح في المخيمات ومئات المحاكمات "السريعة" والبؤس الاجتماعي والصدمات الناجمة عن تتابع النزاعات والانقسامات العميقة بين المكونات المحلية، وهو ما يحذر منه المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يخشون أن يستغل المتطرفون هذه المشكلات في عمليات تجنيد.

تنظيم داعش الذي مني بهزيمة عسكرية كبيرة، بعدما كان يسيطر في العام 2014 على ما يقارب ثلث مساحة العراق، ومساحات كبيرة من سوريا، لم يعد متواجدا في أراض مأهولة بالسكان. لكنه رغم ذلك لم يفقد قدرته على شن اعتداءات، في بلد ينتظر عملية إعادة إعمار تقدر كلفتها بنحو 88 مليار دولار.

حرب العصابات

فبعد ما شكل التنظيم من عناصره المتطرفة عناصر تعمل على ملشيات حرب العصابات الأقرب إلي الجيوش النظامية، ومع فشله علي الارض بدأ حرب قتال الشوارع بنشاط مختلف ومركز.

لا يزال عناصر التنظيم المتوارون عن الأنظار في مناطق جبلية أو صحراوية، يمتلكون مخابئ لا يمكن للقوات الأمنية الوصول إليها، ويكرون ويفرون على أهداف حية بعد نحو خمس سنوات من بدء الهجوم المضاد.

يقول قائد عمليات محافظة نينوى اللواء نجم الجبوري لوكالة فرانس برس إن "عملياتنا الاستباقية مستمرة لملاحقة بقايا التنظيم أو الخلايا النائمة".

ويواصل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة شن ضربات في العراق، إذ لا تزال التحديات هائلة.

فمن الضروري تأمين المنطقة الحدودية مع سوريا الممتدة على 600 كيلومتر في الصحراء، والسيطرة على المناطق الجبلية المتنازع عليها مع الأكراد، ومنع عمليات التسلل عبر الطرقات المستخدمة تاريخيا لعمليات التهريب.

في أعقاب الاشتباكات وعمليات التفتيش بعيد استعادة مدينة الموصل في تموزيوليو 2017، اعتقلت القوات العراقية "2500 داعشي"، وفق ما يؤكد الجبوري. وتعلن القوات العراقية بانتظام مقتل جهاديين خلال معارك، لكنها تفقد في المقابل جنودا في هجمات.

قتال الشوارع

يقول اللواء في الشرطة الاتحادية ساكر كوين لفرانس برس إن تنظيم داعش "شن 55 هجوما على آليات الشرطة بعبوات ناسفة، إضافة إلى أعمال تخريب تطال محطات الكهرباء بين حين وآخر" فيما يشبه عمليات قتال الشوارع.

وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، أقدم الداعشيون على قتل أكثر من عشرة مخاتير في محافظة كركوك الحدودية مع نينوى وإقليم كردستان، وفق مسؤولين محليين.

وعلى طول الحدود، يقوم مقاتلو تنظيم داعش المحاصرون بين القوات العراقية والسورية، بمحاولات متكررة للتسلل.

ويشير مصدر أمني إلى أن القوات العراقية غالبا ما تصدهم، لكن "في بعص الأماكن، يتحركون بسهولة بأسلحتهم ومركباتهم في وديان صحراوية أو مناطق جبلية".

ذلك أن هناك مناطق لا تزال عصية على القوات الأمنية، حتى قبل وصول تنظيم داعش، فقد كان تنظيم القاعدة والمقاتلون المناهضون للولايات المتحدة بعد غزو العام 2003، يجهزون مخابئ وأنفاقا لحماية المقاتلين وتأمين الأسلحة من الغارات الجوية.

وهناك أيضا مناطق أخرى، لا يمكن للمدنيين الوصول إليها، لوجود فصائل مسلحة، تحول دون عودة السكان، لاتهامهم بالتعاون مع تنظيم داعش.

لا تزال تلك العائلات تعيش في مخيمات النزوح الداخلي، وهو ما يمثل أزمة للسلطات التي بدأت في إغلاق تلك المخيمات.

يمكن لبعض هؤلاء النازحين العودة، لكنهم يرفضون مواجهة أجواء التشكيك.

تقول مسؤولة الملف العراقي في منظمة العفو الدولية رازاو صالحي لفرانس برس إن "الثأر في كل مكان، وهذا ما يقلقهم".

وتضيف "إنهم لا يثقون حتى بعائلاتهم"، إذ أن الانتماء إلى تنظيم داعش أصبح "جوكر" يمكن إخراجه في أي وقت واستخدامه "للخلافات العائلية أو بين الجيران".

في وقت تحقق الأمم المتحدة في عمليات "إبادة" محتملة أو "جرائم حرب" أو "جرائم ضد الإنسانية" ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية، شجبت منظمة العفو الدولية عمليات الاستغلال الجنسي للنساء المشتبه بصلات لهن مع التنظيم المتطرف داخل المخيمات.

تقول صالحي "لن ينسى الأطفال أن أمهاتهم أو عائلاتهم تعرضت للإهانة"، معتبرة هذا الجيل "قنبلة موقوتة".

التنظيم في مأزق

يضاف إلى ذلك مئات المحاكمات التي وصفت بالسريعة بعد اعترافات انتزعت تحت التعذيب، وفقا لحقوقيين، فضلا عن مشكلات العراق التقليدية، وعلى رأسها الفساد المستشري والفقر.

أما بالنسبة إلى النازحين العائدين، على غرار التاجر الأيزيدي أولو راشو (45 عاما)، فمن الصعب الآن العودة إلى الحياة السابقة.

يقول راشو أمام متجره المهجور في شمال العراق "بالتأكيد تحررنا، لكن لا خدمات لدينا حتى الآن، لا مستشفى، ولا أي نشاط".

وفي هذا الإطار، تؤكد صالحي أن البعض بدأ يتذمر بالقول "على الأقل تحت حكم داعش، كان لدينا ما نأكله".

في نفس السياق قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم السبت إن "خطرا كبيرا على فرنسا" انتهى بعد أن قالت قوات تدعمها الولايات المتحدة إنها سيطرت على آخر جيب لتنظيم داعش في الباغوز بشرق سوريا.

وكتب ماكرون على تويتر "تحققت خطوة كبيرة اليوم. انتهى خطر كبير على بلدنا".

وأضاف "لكن التهديد لا يزال قائما ويجب مواصلة الكفاح ضد الجماعات الإرهابية".

وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي على تويتر أيضا إن " داعش لم تعد تسيطر على أي أراض لكنها لم تختف".