رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من هو العقل الاستخباراتي المدبر للعمليات الإرهابية بداعش؟

جريدة الدستور

أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنَّ تنظيم داعش الإرهابي، منذ نشأته، وضع نواة لجهاز استخباراتي فعّال، يعمل في المقام الأول على وضع قواعد منظِّمة له، وفرز النشطاء والعسكريين الذين يسعون للانضمام إلى صفوفه، واستطلاع البيئة الحاضنة له لجذب مؤيدين محليين، وتوفير الموارد المالية اللازمة لعملية ولادته، ونشر فِكره وأيديولوجيته على المستوى الدولي لجذب مؤيدين من مختلف الجنسيات.

من جانبها، حرصت أجهزة الاستخبارات الفرنسية، التي تعرّضت دولتها للنصيب الأكبر من هجمات "داعش" على القارة العجوز، على الوقوف على طبيعة الجهاز الاستخباراتي الداعشي، من خلال استجواب "المقاتلين الفرنسيين" العائدين من صفوف داعش، والذين تقلدوا مناصب رفيعة داخل هذا التنظيم، وهم كُثُر، فكان من بينهم "نيكولا مورو"، الشقيق الأكبر للفرنسي "فلافيان مورو"، ليكشف عن اسم جهاز الاستخبارات السِري لـ"داعش"، وهو "أمنيّات" "L'Amniyat".

وأشار في شهادته إلى أنّ جهاز "أمنيّات" هذا هو الذي خطط من مدينة "الرِقة"، معقل التنظيم في سوريا، لجزء كبير من الهجمات الإرهابية التي ضربت القارة العجوز، لا سيما في "فرنسا وبلجيكا"، كما سارع "ماتيو سوك"، الصحفي الفرنسي المتخصص في الجماعات الإرهابية، إلى تقصي حقيقة "جهاز داعش الاستخباراتي"، من خلال قراءة ملفات قضايا العائدين من "داعش" أو ذات الصلة خلال الأعوام الأخيرة، والوثائق التي نُشِرَت في هذا الصدد، ومن خلال إجراء مقابلات مع قضاة وخبراء ورجال شرطة وعملاء للمخابرات.

وأرجع "ماتيو سوك" تاريخ إنشاء هذا الجهاز إلى أغسطس 2014، أي بعد بضعة أشهر من إعلان الخلافة على لسان "أبوبكر البغدادي".

كما أوضح "ماتيو سوك" أنّ السبب الرئيسي وراء إنشاء جهاز "أمنيات"؛ هو تجنب تسلل عملاء الاستخبارات الأجنبية وسط المقاتلين في "سوريا"، وإحكام السيطرة لمنع تسريب أيَّ معلومات عن التنظيم.

ومن واقع الهجمات الإرهابية التي أدمت القارة العجوز نُجزم أنه من الطبيعي أن يضم جهاز "أمنيّات" "وِحدة مخصصة للتخطيط للهجمات خارج الأراضي الواقعة خارج سيطرة التنظيم"، وتهتم هذه الوِحدة بتدريب وإرسال انتحاريين "فُرادى أو جماعات" إلى جميع أنحاء العالم، لاسيما "أوروبا"، لتنفيذ هجمات إرهابية، أو لتجنيد أعضاء جُدد، أو لجمع المعلومات أو المواد التي يستخدمها التنظيم في عملياته الإرهابية.

كما كشفت لنا هذه الهجمات الإرهابية أيضًا أكثر الخطط الاستراتيجية التي اعتمدت عليها "وِحدة الهجمات الخارجية" في تنفيذ هجماتها الإرهابية، والتي تتمثل في "الخلايا العنقودية" المرتبطة بالتنظيم، والتي تعمل كل خلية منها بمعزل عن الأخرى لإعاقة رصدها، أو في "الذئاب المنفردة" الذين يتم تجنيدهم من خلال دعوات فردية عبر وسائل التواصل الاجتماعي للأشخاص الذين تبدو عليهم علامات الاستعداد للتضحية بأنفسهم، أو من خلال التجنيد الذاتي للذئاب الذين يخشون وسائل التواصل؛ خوفًا من أن تكون مراقبة من قِبَلِ الأجهزة الأمنية، كما تتمثل الخطط الاستراتيجية في تجنيد "أصحاب السوابق الإجرامية" ممن ليسوا على دِراية بالإسلام.

ويقوم فريق من الخبراء الفرنسيين داخل مكاتبهم الموجودة في قلب مبنى "المديرية العامة للأمن الداخلي" (DGSI)، في "لوفالوا- بيري"، كل يوم بتقييم المعلومات التي يمكنهم جمعها حول "هؤلاء الفرنسيين"، وتتلخص مهمته إجمالًا في "تحييد" هؤلاء الفرنسيين إما عن طريق "اعتقالهم" أو عن طريق "القضاء عليهم".

ويتكون هذا الفريق من (8) هيئات استخباراتية داخلية وخارجية، ويحمل اسم "اللات"، قياسًا على اسم أحد آلهة الجاهلية قبل الإسلام، والذي تم إنشاؤه لاقتفاء أثر الإرهابيين الفرنسيين الذين غادروا أو عادوا من "سوريا والعراق"، ويعمل هذا الفريق بالتنسيق مع خلية أخرى مشتركة بين الوحدات، تحمل اسم حركي "هيرميس"، وتترأسها مديرية الاستخبارات العسكرية (DRM)، وتعمل في الخفاء، تحت اسم "مركز تخطيط وإدارة سلوك العمليات" (CPCO)، في المبنى الجديد لوزارة الدفاع الفرنسية "Balardgone"، حيث يقوم الفريق بإعداد "ملفات استهداف" وعرضها على هيئة أركان الجيوش الفرنسية.

ومن بين (1700) فرنسي مدرجة أسماؤهم في ملفات فريق "اللات"، هناك أكثر من (300) فرنسي عادوا بالفعل إلى فرنسا ويتم متابعتهم، وهناك ما لا يقل عن (300) فرنسي قد قُتلوا في "العراق وسوريا"، بالإضافة إلى أقل من (100) فرنسي تم اعتقالهم وسجنهم هناك.

من جهة أخرى، حرصت أجهزة الاستخبارات الفرنسية على جمع المعلومات والدلائل والقرائن حول هذا التنظيم الإرهابي ومُناصريه، وعناصره الذين تمكنوا من التسلل إلى التراب الأوروبي، وتحليلها للكشف عن التهديدات الإرهابية التي تؤرّق الأمن الفرنسي الداخلي والخارجي، وإحباط العمليات الإرهابية قبل وقوعها، لأنَّ كل هجوم يقع على الصعيد الفرنسي دليل على إخفاق أجهزة الاستخبارات في التصدي لهذا الإرهاب الغاشم، فمنذ نوفمبر 2013، بفضل عمل أجهزة الاستخبارات، تم إحباط حوالي (55) مشروعًا لهجوم إرهابي على الأراضي الفرنسية، من بينهم ستة هجمات خلال عام 2018.

وشدد مرصد الأزهر على ضرورة أن تتكاتف كافة الدول المعنية وأجهزتها الاستخباراتية والأمنية لوضع استراتيجية واضحة لتطوير منظومة مكافحة الإرهاب، لتجنب وجود الثغرات الأمنية التي قد تستغلها التنظيمات الإرهابية لنشر الرعب والذعر بين الأبرياء، وكذلك يجب التأكيد على ضرورة تبادل المعلومات بشأن الأشخاص الذين يمثلون خطرًا على الأمن العام، والتحديث المستمر لقاعدة بيانات الأجهزة الاستخباراتية، وتوفير الموارد المالية والبشرية للأجهزة الأمنية والاستخباراتية.