رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صورة مقلوبة.. سرديات وخيالات المتطرفين حول التاريخ (2)

جريدة الدستور

خيالات وأوهام كثيرة يرويها المتطرفون ولا يجدون من يتصدون لها، لجذب جمهور من السامعين وشحن أفئدة من غير المثقفين، ترمي لأن نعيش حياة مليئة بنص مدلس ووعي مزيف وحقائق غائبة، صورة مقلوبة لقصص من التاريخ يخرجها هؤلاء من مضمونها ليعيشوا حالة ملتبسة مع التاريخ، نقدم بعضا من هذه الصور المقلوبة التي يحترف هؤلاء تركيبها لنعرف كيف يزيفون حقائق التاريخ لصالح أهدافهم الإرهابية.
وصورة اليوم...

هل هناك مساجد ضرار في عصرنا؟

أحداث هذه القصة التي يزيفها المتطرفون لصالحهم كعادتهم تدور بعد توجه النبي صلي الله عليه وسلم إلي غزوة تبوك وتمت بأمر النبي بعد ان تأكد أن مجموعة من المنافقين يعملون لإشاعة الإثم والعدوان والإرهاب في المجتمع المسلم من خلال مسجد أسس على غير هدى من الله.

وتبدأ القصة حينما بني الرسول صلى الله عليه وسلم مسجد في قباء على بعد ميلين من المدينة سمي بنفس اسم القرية "مسجد قباء" وكان يحضر إليه جماعة من المسلمين على كره منهم، فأشار احدهم وهو "أبو عامر" أن يبنوا مسجدا إلى جوار مسجد قباء.

وحرض رأس هؤلاء "أبو عامر" على النبي صلى الله عليه وسلم وعملوا على التجسس على المسلمين لصالح هرقل ملك الروم، وذهبوا إليه وراحوا يزينون له غزو ديار المسلمين وأنهم سيستقبلون الروم في المدينة حال قدومهم إليها فاتحين مستغلين وجود الرسول خارج البلاد.

وعلم المسلمون بهذه الواقعة لما انقضت غزوة تبوك وعاد النبي إلي المدينة جاءه أهل قباء يشكون إليه أصحاب "مسجد الضرار" وما أحدثوه من فتن تفرق المسلمين، فحقق النبي في هذه الوقائع وخرج بحكم قضائي بهدم المسجد حتى يتفرق عنده من حاولوا بناءه على غير رغبة من المسلمين.

ويروج اتباع الجماعات الإرهابية قصة أمر النبي بهدم مسجد ضرار بأنه حكم شرعي ثابت يجوز تطبيقه في كل زمان ومكان كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهدم المسجد.

ويدفعون بالقصة بجواز تحريق الاسري وهدم معابد غير المسلمين وحرق المساجد خاصة التي تبنيها وزارة الاوقاف والازهر الشريف. 
مسجد الروضة 

ومن هذه المساجد التي اعتبرها الإرهابيون مسجد ضرار، ما طبقه تنظيم داعش الإرهابي في مسجد الروضة في سيناء في أواخر العام الماضي عندما اقتحم مجموعة من الإرهابيين المسجد وأمعنوا فيه قتلًا للمصلين بحجة أنه مسجد ضرار بني علي غير تقوي من الله. 

فتوى اقتحام المسجد نشرتها مجلة النبأ الداعشية واعتبرت عملية ضرب المصلين الآمنين في بيت من بيوت الله وفق اعتقادهم المنحرف حلالا، واستندت لتفاصيل القصة. 

واعتبرت أن المنتمين لأهل التصوف يأخذون حكم الردة وتعتبر مساجدهم مساجد ضرار حسب معتقد التنظيم فجميع المسجد الموجودة حاليا أسست علي غير هدي من الله وتستقي هذه التنظيمات أدلتها من هذه القصة التي وردت في السيرة النبوية والتي تخرج من حيث الدلالات عن سياق الواقع. 

حادث الهجوم الإرهابى على مسجد "الروضة" في سيناء، اشارت إليه مجلة "النبأ" التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، والتي تصدر باللغة العربية، ودعمت أدلتها بقصة مسجد ضرار أو مساجد الضرار والتي نشرت فى عدد ديسمبر من العام الماضي 2016، فى حوار مع القيادي الداعشي الذي كُني في المقابلات الصحفية بـ«أبي مصعب المصري»، حدد آنذاك 3 مساجد للصوفية لاستهدافها، وهي مسجد الروضة بسيناء الذي شهد المجزرة البشعة الجمعة الماضية وسقط فيها 305 شهداء، وزاوية العرب بالإسماعيلية، وزاوية سعود بالشرقية، كما هدد باستهداف الزوايا التابعة للطريقة الجريرية الصوفية، وزوايا أخرى للطائفة الأحمدية بسيناء باعتبارها مساجد ضرار.

مساجد الضرار هي المساجد المتجاورة 

وبحسب ما ذكرة القيادي المنشق عن الجماعة الإسلامية عبد الشكور عامر بان بعض العلماء ذكروا أن عمر بن الخطاب بعد هذه الحكم من الرسول أوصي ان يراعي في بناء المساجد عدم إزدحام المكان الواحد في الأمصار بعدد من المساجد بينما تخلو بعض الأماكن الأخري منها وهو الدرس المستفاد من القصة وليس العكس فنجد كثيرا من المساجد مقامة بعضها بجانب بعض وتزاحم الأصوات بعضها السامعين داخل المكان الواحد مما يخالف ذلك الهدي النبوي السليم. 

واضاف عامر أن القصة يستغلها البعض في غير سياقها الصحيح وهي التفريق بين المسلمين لذلك امر النبي بهدم المسجد بينما فهم الصحابي الجليل عمر بن الخطاب القصة بالطريقة السليمة بأن أمر أن تكون المساجد في أماكن متفرقة وألا تكون متلاصقة يضير أحدها الآخر، وهو ما لم يعرفة اتباع التطرف والغلو في الإسلام فصنفوا بعض المساجد باعتبارها مساجد صالحة والبعض الآخر والتي لا يصلون فيها مساجد ضرار ليدفعوا اتباعهم عنها وكذلك الناس بعدهم، وهو فهم خاطئ لمغزي القصة النبوية الأصلية والتي كان الهدف منها الصد عن سبيل الله وليس المخالفة في قضية فقهية أو قضية في الأصل خلافية.