رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اسأل مجرب

ليس خفيًا على أحد شيوع المثل الشعبى القائل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، وهو مثل ظل يعتلى رأس الحكمة فى الثقافة الشعبية، وأظن أن لفظ الطبيب هنا لا يقصد به ممارس مهنة الطب الذى نعرفه، وإنما هو ضرب من التورية يقصد به إعلاء شأن الخبرة فوق العلم أو التخصص، وهو أمر قد نتفق معه أو نختلف عليه، إلا أن المثل بكامل مفرداته تسلل إلى خانة الطب وتسبب فى إغواء المرضى بالتداوى بالأعشاب كما يروج لها ممارسو الطب الشعبى على حساب العلم والطب الأكاديمى.

نتطرق هنا لمناقشة المعتقد الغذائى والصحى المحمل بالأخطاء العلمية والفهم المغلوط لأجزاء كبيرة من الثقافة الغذائية بعيدًا عن الحقائق العلمية، وأشهر هذه المغالطات من قبيل ضرب الأمثلة هو ما يظنه البعض بأن تناول وجبة الكبدة يفيد الكبد، وتناول وجبة «الكلاوى» يفيد الكليتين ويصلح أحوالهما، وتناول اللحم يقوى العضلات وغيرها من الأفهام المغلوطة، لذلك نتناول فى المقال الحالى بعض هذه الأخطاء ونعيد تصحيحها.

البداية هى أن هناك قواعد ثابتة يدير بها الجسم وظائفه بطريقة بعيدة تمامًا عن المخيلة الفكاهية، وهلم بنا إلى بعض التفاصيل.

١- عند تناول أحد أصناف البروتين المتدرجة فى القيمة الغذائية بدءًا من الفول والعدس، مرورًا بالبيض ومنتجات الألبان ووصولًا للأسماك واللحوم والطيور وانتهاء بالكافيار وكبد الأوز- يتسلمها «مقاول الهدم» داخل جسمك ويحطم كل ما هو غالٍ ونفيس ويخلطه مع الرخيص قليل القيمة الغذائية، وتنتهى عملية الهضم بوحدات دقيقة هى الأحماض الأمينية، وهى متماثلة، أيًا كان مصدرها، فيتساوى هدم بروتين البيضة التى لا يتجاوز سعرها جنيهين مع الكافيار البالغ ثمنه ١٠٠٠ جنيه للمائة جرام، أضف لكل هذا ضياع هوية البروتين الأصلى، فلم تعد وجبة الكبدة أو الكلاوى محتفظة بخصائصها الأصلية كما كانت على المائدة، وللمعلومية هناك نوعان من الأحماض الأمينية: أولهما الأحماض الأمينية الأساسية التى لا يستطيع الجسم تصنيعها، بل يلزم تناولها جاهزة من البروتين الحيوانى غالبًا، وثانيهما الأحماض غير الأساسية التى يمكن للجسم تدبيرها بمعرفته، أى تصنيعها من أحماض أمينية أخرى.

٢- يتم توجيه الأحماض الأمينية وفقًا لبروتوكول تصنيع البروتين داخل الجسم ضمن خطوط إنتاج محددة تحكمها شفرات جينية خاصة، وتشارك الحالة الصحية فى تحديد أولويات التصنيع، فمثلًا وجود حمل يوجه فسيولوجيا التصنيع إلى بناء كتلة الجنين، كما أن وجود هزال أو بدانة أو تحفيز رياضى يُغيّر من أولويات تصنيع الأنسجة، وهى عمليات محسوبة يديرها الجسم بعبقرية.

٣- على غير المتوقع، لا قيمة ولا منفعة يجنيها الشخص السليم من تجرع الفيتامينات أو المعادن، ولن يكتسب صحة أفضل ولا حيوية ولا طاقة، بل قد يحصد أضرارًا جسيمة جراء تكدس مخزون غير مستخدم، سواء من المعادن أو الفيتامينات ما لم يكن هناك نقص بهذه العناصر.

٤- قد يتشبع بعض الأنسجة البروتينية بمركبات خاصة بها، على سبيل المثال فالخصية بالإضافة إلى المكون البروتينى تحتوى على هرمونات ذكرية بكثافة، وهذه الهرمونات لا تتكسر بالطهى المعتاد فتنافس التوازن الهرمونى، وقد تحبط إنتاج الهرمونات الذكورية التى يصنعها الجسم بمعرفته، ويسرى نفس الأمر لدى تناول وجبة الطحال الذى يحتوى على مخزون هائل من الحديد.

٥- ليس صحيحًا ما يشاع عن «فسفرة» الجسم بالأكلات البحرية وما يجنيه هذا الفوسفور من منافع وفقًا للأساطير الشعبية التى تفترض إتيان المزيد من الرغبة الجنسية والفحولة لأن التهيئة للإثارة تحكمها عوامل ذهنية وعاطفية وأقلها الحالة الغذائية، ولكن لا ينكر العلم أن بعض أنواع المحار تؤثر بشكل معقول فى هذه التهيئة، إلا أن بعض الدراسات ينفى اختصاص القواقع والمحار بهذه الخاصية وتسندها إلى ما يعرف بالأثر الديناميكى الخاص بالوجبة وهو كمية السعرات التى ينتجها الجسم جراء التمثيل الغذائى للوجبة، ولتوضيح الأمر، لدى تناول وهضم البروتين وتمثيله ينتج الجسم طاقة خاصة بعملية التمثيل وحدها بمقدار ٤.١ سعرة حرارية للمائة جرام وأقل للدهون وأقل للنشويات، وهى تفسر الإحساس بالسخونة الذى يعتريك بعد وجبة اللحم المشوى أو وجبة «الكوارع» مثلًا، وهذه الطاقة هى المسئولة عن جاهزية الجسم للنشاط الجنسى، وبالطبع يمكن أن تحدث من وجبة رخيصة مثل الفتة الدسمة.

٦- لا تتفوق المكملات الغذائية التى يستخدمها متدرب الجيم كثيرًا عن بروتين المائدة فى البيت، اللهم فرق التركيز، لذلك نهيب بالأبناء الراغبين فى بناء القوام العضلى توخى الحذر من تناول هذه المكملات؛ لأنها تثبط الإفراز الداخلى من الهرمونات بمعرفة الجسم وفقًا لمقتضيات السن والجنس والوزن والعمر.

٧- تجدر الإشارة إلى أن البروتين لا يمنح الجسم قوة عضلية، بل يشارك فى بناء النسيج العضلى وحسب، أما القوة العضلية فهى حصيلة تدريب العضلة على الانقباض والانبساط ضد مقاومة، ويحكمها قانون يفيد بأن قوة العضلة تتناسب طرديًا مع طول الألياف العضلية التى تنمو طولًا بالتدريب.

٨- يتبقى لدينا فى هذا السياق زيف المعتقد بأن الإكثار من تناول البروتينات يحمى الجسم من الأمراض ويقوى المناعة، وهو أمر ممكن حتى نهاية فترة المراهقة، حيث يكتمل نمو الجسم وبعدها تصبح المبالغة فى تناول هذه البروتينات عبئًا على الكليتين ذلك أن عادم البروتين هو أملاح البولينا الحمضية، والتى تعنى الكليتان بالتخلص منها وهو أمر مرهق للغاية بالنسبة للكليتين وأيضًا على الكبد.