رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسقط القناع عن الوجوه الكاذبة

الظاهرة الاستعمارية ظاهرة ارتبطت بوجود الإنسان وعلى أرضية القوى والضعيف والمستغل ( بكسر الغين) والمستغل ( بفتح الغين)، ومنذ البداية وكانت الظاهرة تتوافق فى شعاراتها وأكاذيبها مع الواقع ومع معطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وذلك وطوال الوقت تبريرًا لمصالحها الاستعمارية تحت شعارات كاذبة لا علاقة لها لا بالواقع ولا بالنتائج المترتبة على هذا الاستعمار وذلك طوال التاريخ، ولذا كان من الطبيعى أن تتوافق شعارات الاستعمار مع المتغيرات العالمية والحضارية فلم يعد الاستعمار الاستيطاني صالحًا الآن وذلك لتكلفته العالية (مثل أفغانستان والاحتلال الإنجليزى والروسى والأمريكانى) ولم يعد استثناء فى هذا الإطار غير الاستعمار الاستيطاني الصهيونى لفلسطين.
ولذا كانت قد ظهرت أشكال متعددة وأساليب مختلفة للاستعمار فى ما بعد الحرب العالمية الأولى وكانت البداية فيما سمى بالمبادئ الولسنية الأمريكية والتى تغنت بتحرير الشعوب وحق تقرير مصيرها، وبعد الحرب العالمية الثانية وفى ظل الحرب الباردة بين المعسكر الغربى والشرقى تطورت أشكال الاستعمار إلى استعمار اقتصادى يرغم على الوقوع فى قبضة الاستعمار السياسى الذى يكون خاضعًا لقرارات ومصالح المستعمر ناهيك عن أشكال الاستعمار الثقافى الذى يستهدف هوية الشعوب واستبدالها بهوية المستعمر حتى يتم الخضوع والخنوع بكل الأساليب.
وفى ظلال تلك المتغيرات ظهرت شعارات أخرى تساير التطور الحضارى والإنسانى والعلمى، فكانت الديمقراطية وحقوق الإنسان شعاران يحملهما الاستعمار فى كل مواقعه ومن الطبيعى أن تكون هذه الشعارات موجه لدول العالم الثالث التى عانت وتعانى طوال الوقت من كل أشكال الاستعمار.
فتم هدم دول وسحقها بحجج كاذبة وعلى رأسها تطبيق الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان مثل ما حدث فى العراق وسوريا وليبيا وغيرهم من الدول، وبالطبع كان شعار الحرية والديمقراطية فرصة للتدخل فى شئون الدولة بحجة حماية الأقليات الدينية والعرقية حتى إن الخارجية الأمريكية تصدر حتى الآن تقريرًا حول الحالة الدينية فى العالم.
فهل هذه الدول الاستعمارية تؤمن بالفعل بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان؟ وهل الحرية التى يتحدثون عنها تعنى حرية الإنسان فى كل مكان أم حرية شعوبهم وفقط؟ الأسئلة كثيرة ولا تنتهى.
ولكن فلنتوقف قليلًا أمام الحرب الأوكرانية الروسية الدائرة الآن، أين القانون الدولى الذى جعل الغرب وأمريكا يستنفرون فى مواجهة روسيا (والتى تدافع عن أمنها القومى) وهم يطبقون عليها آلاف العقوبات الاقتصادية والسياسية والفنية الرياضية فى سابقة لم يعرفها العالم قبل ذلك من ذلك القانون الدولى الذى لم يسمع عن المأساة الفلسطينية التى صدر تجاهها عشرات القرارات الدولية والتى لم تنفذ بل لم يشعر أحد بها ولا بمأساة شعبها.
ناهيك عن هدم العراق بحجج كاذبة وسوريا لمصالح مع الدول الصهيونية وليبيا لمواقف القذافى التى تتعارض مع مطامعهم الاستعمارية وغير ذلك كثير، أين الحرية التى تشمل حرية التعبير ووسائل الإعلام من حجب الإعلام الروسى عن المواطن الأوربى والأمريكى؟ وأين الديمقراطية من الذى يحدث فى معاملة اللاجئين الأوكران والأوروبيين فى الاهتمام الكامل معهم مع النقيض الذى يحدث مع اللاجئين العرب والعالم الثالث والذى ظهر فى تلك التصريحات الحقيرة من مسئولين وعلى كل المستويات؟
أما إسقاط القناع عن تلك الوجوه الكاذبة فقد تجلى فى التحجج فى مقولة سيادة الدول وحقها فى اختيار ما تريد، فهل كان من حق أمريكا حماية أمنها القومى عندما نقل الاتحاد السوفيتي صواريخه إلى كوبا على الحدود الأمريكية ورفض ذلك، والآن عندما تطلب روسيا دبلوماسيًا عدم وصول أسلحة الناتو إلى حدودها فى أوكرانيا بعد حكاية ضمها إلى الاتحاد الأوربى يكون طلب روسيا غير مشروع ويكون تدخلا فى سيادة الدول؟
لاشك فالحرب الأوكرانية الروسية أيًا كانت نتائجها سيكون عامل تغيير فى النظام الدولى سواء كان هذا نذيرا لبداية العد التنازلي لاضمحلال الإمبراطورية الأمريكية ولو بعد حين، أو إلى ظهور تعددية دولية (أمريكا، روسيا، الصين، الهند، أوروبا) أما النتائج الكاشفة والسريعة والتى أعلنت عن نفسها.
فإن العولمة التى أدعو أنها ستجعل العالم فى حالة تعاون اقتصادى وثقافى مما يقلل من النزعات العرقية والقومية، فقد ثبت أن هذه العولمة ما كانت غير شكل من الأشكال الاستعمارية التى استغلت للسيطرة على الشعوب الغير قادرة على المواجهة الاقتصادية وغير الاقتصادية.
فما نراه الآن هو سيطرة للنزعات العرقية والدينية الغربية على حساب كل الأعراق والجنسيات والأديان الأخرى غير الأوروبية والغربية، فهل بعد أن سقطت الأقنعة عن تلك الوجوه الكاذبة يمكن لنا كعرب أن نعيد حساباتنا القطرية والقومية وأن نفعل إمكاناتنا التى لا تقل عن إمكانات غيرنا ولصالح شعوبنا؟
هل لنا أن نعى الموقف جيدًا وأن نعمل وسريعًا من أجل توفير غذائنا ومن إنتاجنا بعيدًا عن الاستغلال؟ هل يمكن أن نمارس حريتنا ونطبق ديمقراطيتنا بما يتوافق مع ثقافتنا بعيدًا عن أى تدخلات لا يعنيها غير مصلحتها؟ المتغيرات قادمة والرصد والدراسة والبحث لاستخلاص النتائج واجبة.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.