رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الذكرى السنوية الأولى: هل كانت «أمى» نوال السعداوى تكره الرجال والدين؟

فى ٢١ مارس ٢٠٢٢، تكون قد مرت سنة على رحيل أمى، نوال السعداوى. 

أحقًا فاتت سنة على غيابها عن آفاق عينىّ الباكيتين، النازفتين لا بالدموع، ولكن بالدم الحامل فصيلتها النادرة؟! 

فصيلة دم نادرة، تمنح نفسها بسخاء كل مَنْ يحتاج، لكى يعيش، ويرجع إلى بيته وإلى أحبائه، سالمًا، معافى. 

ماذا أكتب عن أمى «نوال»، وهى لن تقرأ سطورى عنها وإليها؟ 

منذ بدأت الكتابة، منذ سنوات طويلة، لم أكتب حرفًا واحدًا إلا وكانت هى القارئة الأولى. رغم انشغالها، وتعدد أنشطتها، كانت تخصص وقتًا لقراءة ما أكتبه. تقرأ بدقة، بدهشة، بزهو الأم الكاتبة الأديبة، التى أنجبت طفلتها المحبة للكتابة والأدب منذ صغرها. 

وامتزج هذا الزهو بالاطمئنان على مستقبلى. فأمى تتساءل دائمًا فى حيرة: «كيف يعيش الناس الذين لا يكتبون؟». 

وعندما تيقنت أن الكتابة والشِعر والكلمات، أشجار وارفة مثمرة الأغصان، زرعتها، وسقيتها، وأجيد تسلقها، ارتاحت إلى مصيرى. 

أورثتنى الكتابة عن قصد وعمد، وخطة مسبقة. فأمى «نوال» ليست بالمرأة التى تأتيها الأشياء دون إرادتها. ليست أمى بالمرأة التى تنتظر فى قلق، احتمالات يمنّ القدر بها أو يبخل، وفى الحالتين تسجد شكرًا وامتنانًا للغيب وحكمته الغامضة.

أرادت طفلة كاتبة، وابنة شاعرة، وكان لها ما أرادت. 

عفوًا أمى، «نوال».. لو أننى عجزت عن التعبير بالقدر الكافى واللائق بكِ. فكيف لقطرات ماء أن تحيط بالبحر؟، وهل لجملة موسيقية واحدة مهما كان جمالها وتفردها، أن تبوح بكل أسرار الموسيقى، وتفك سِحر الغناء؟. 

صعبة أنتِ، يا أمى، ولا بد أن يكون الكلام عنكِ، أو إليكِ، صعبًا مثلك. كيف لا تكونين صعبة وأنتِ ترددين البديهيات التى يولد بها الأطفال، قبل أن تُغسل عقولهم، وتلوث قلوبهم، من الكبار، منذ الميلاد وحتى الموت؟. 

كبار، يزرعون ويغزلون وينسجون ويصنعون ويصدرون «الكهنوت» فى كل شىء حولنا. كبار الواحدة أو الواحد منهم، يفتخر بأنه «يطيع.. ترس فى آلة.. فرد فى قطيع». 

خطرة أنتِ، يا أمى، ولا بد أن يكون الكلام عنكِ أو إليكِ، خطرًا مثلك. 

وكيف لا تكونين خطرة وأنتِ بين ناس تخاف المشى، تتسلقين دون تعب الجبال الشاهقة، تدخلين بمفردك دون أسلحة إلى أرض الثعابين السامة، وإلى الأسد الجائع فى عرينه.. تتجولين حينما يُفرض حظر التجول.. تهاجمين خفافيش الليل فى أوكارها، وتبنين بيتك بجانب عش الدبابير، تسبحين ضد التيار بمايوه غير شرعى، لا تبالى بالموروثات من الأفكار والسلوكيات والمعايير.

امرأة لا تغرقها السحب والدوامات، أسماك القرش المفترسة الفتاكة، لا تقدر عليها.. امرأة تتكلم ما سكت عنه الكلام، فى الوقت الذى يجب أن يُقال، لا شىء ينال من روحها المرحة الساخرة، كل إشراقة شمس كان يومًا جديدًا، ممتلئًا بالثراء والبهجة، محفزًا على الحركة وإن بلغت التسعين من العمر. 

ماذا أكتب عنها أو إليها، أمى، «نوال» فى ٢١ مارس، ذكراها الأولى؟

فى سنة ٢٠٠٦، يوم ١٨ مارس، أعلنت فى مقال منشور، أننى بمناسبة عيد الأم، سأحمل اسم أمى، بجوار اسم أبى، لتكون هدية مختلفة، لها قيمة فلسفية وفكرية، وثقافية وأخلاقية، لأنها تعدل بين الآباء والأمهات. 

بعد نشر المقال، فوجئت بالاتهامات الأخلاقية والدينية والشتائم والبذاءات والتريقة بشكل وقح، تنهال إعلاميًا. 

والرجال الذين قالوا علنًا إنهم يريدون تطبيق الفكرة، قذفهم الإعلام هازئًا: «.. عايز يتسمى باسم أمه، دول مش رجالة دول».

وبادر عدة أشخاص يتصدرون دائمًا مشهد بلاغات التكفير، منذ استيراد الإسلام الوهابى السلفى فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، بتقديم بلاغ ضدى إلى النائب العام، يتهمنى بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، وإحداث فتنة، لأن النسب الإسلامى إلى الآباء. 

طلبتنى النيابة للتحقيق، فى يناير ٢٠٠٧. وتطوع للدفاع عنى المحامى الراحل حمدى الأسيوطى وحضرت التحقيق أمى «نوال». 

أوضحت أن الدافع لكتابة منى نوال حلمى، حبى لأمى، وفخرى بها، وحبى للعدالة بين اسم أبى، واسم أمى. البلاغ إذن كاذب وكيدى، لأننى لم أفكر فى إزاحة اسم الأب.

وكيف تكون الجنة تحت أقدام الأمهات، وفى يوم القيامة، سيُنادى علينا بأسماء أمهاتنا، ومع ذلك، نعتبر اسم الأم عارًا، وشيئًا مهينًا، يبهدلنا فى المحاكم؟ 

وأوضحت أن بلادًا كثيرة فى العالم، يأخذ فيها الأطفال، اسم الأم، واسم الأب، وأن الأسماء، مثل الأزياء، أو الاحتفال بالمناسبات، لا تدخل فى القواعد الشرعية، ولكن تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية، المتغيرة، كما قال بعض الأشخاص المتفقهين فى الدين، ومنهم الراحل جمال البنا، الذى أكد فى بعض القنوات الإعلامية، ردًا على مقالى، وأوضح أن هناك شخصيات إسلامية، معروفة بنسبها الأمومى، أشهرها الملقب بشيخ الإسلام الحنبلى، «ابن تيمية»، حيث كانت «تيمية» جدته لأبيه، واعظة مشهورة، فسُميت العائلة باسمها. وتساءلت لماذا كل هذا «الهلع»، و«التشنج»، و«الارتباك»، الذى أحدثته رغبة بسيطة عادلة، خاصة بى، ولا تضر أحدًا؟ 

وقلت فى التحقيق، إننى أمتلك اسمى، وأعتبر هذا من بديهيات حقوق الإنسان، التى نتشدق بها، وأكدت أن حب الأم عندنا، ينقصه الكثير لكى يعبر حقًا عن تضحيات الأمهات من أجل أطفالهن، الذين حين يكبرون نساءً، ورجالًا، يستعرون من اسم الأم، ويعتبرونه كفرًا ومهانة وقلة قيمة. وتساءلت ما هذا التناقض؟، بل ما هذا الكذب؟، وما هذا الظلم الفادح فى وضح النهار؟ 

مال أى أحد، إذا كنت أحمل اسمى أمى وأبى، أو لا؟ إنه نسب أمومى أبوى مشترك، يعبر عن الحقيقة، إننى من صنع أمى وأبى. وحتى لو أردت نسبًا أموميًا خالصًا، ليس لأحد الوصاية على أفعالى، وإذا كان إنكارًا لشىء ثابت دينيًا، فالله وحده هو الذى يسائلنى، وليس عدة أشخاص، يريدون انتزاع سلطة الخالق، الذى يملك وحده حق العقاب، لو فيه عقاب.

وأكدت فى أقوالى أن هذا الكهنوت الإسلامى، غير موجود فى الإسلام أصلًا، من أى شخص أو جهة. وطالبت من النيابة، بأن تحقق مع الأشخاص الذين قدموا البلاغ ضدى، وأنهم هم الذين يجب أن يُحاكموا بتهمة شنعاء، وهى التعدى على اختصاصات الذات الإلهية العليا، فى تقييم ومحاسبة ومعاقبة الناس. 

فى أكتوبر ٢٠٠٧، كسبت القضية، وتم حفظ التحقيق، لكننى اعتبرته كسبًا لمصر، فى معركتها ضد محاكمة وبهدلة وقهر، حرية الرأى المسالم، الذى لا يحمل إلا القلم المفكر المختلف حتى الآن، تأتينى رسائل من نساء ورجال، فى بلاد مختلفة، أخذوا اسم الأم واسم الأب معًا، ولم يذهبوا إلى السجن، ولم يُهدر دمهم. 

والإعلام الذى شتمنى وكفّرنى وسخر منى، على مدى شهور، لم يقل كلمة واحدة، عن براءتى. «خرس إعلامى جماعى كامل الدسم»، و«سكتة إعلامية». مما يدل على الغش، والتضليل، وأن الهدف هو تشويهى، وإحالتى للمحكمة، وتسخين الرأى العام ضدى، وضد أفكار معينة، وضد ناس معينين، وبالطبع وأولًا، ضد أمى «نوال»، التى اعتادوا على مطاردتها إعلاميًا وثقافيًا وأخلاقيًا ودينيًا. 

إعلام غير نزيه، غير أمين، له أجندة خبيثة، لا يهمه دين، ولا نسب أبوى، ولا أمومى، ولا يحزنون. وما زالت هذه الأجندة الخبيثة، تبث سمومها وتصطاد فى الماء العكر، وتتربص بأى شىء بسيط، تصنع منه شائعات وتشويهات وإلهاءات مخططة، تُحرّض الناس على الشك والريبة والكراهية والحقد.

أعتقد لو قررت، أن أسمى نفسى «منى نوال نتنياهو»، أو «منى نوال هتلر»، أو «منى نوال داعش»، أو «منى جولدا مائير» لم يكن ليصيبنى، شىء يُذكر، من الشتائم، والتكفير، واللعنات والسخرية والبذاءات، التى أصابت «منى نوال حلمى». 

أن أفكر فى الحرية، شىء، وأن أعيش العمر، مع امرأة هى الحرية المجسدة، باللحم والدم والأعصاب والأنفاس والخطوات، صوتًا وصورة بثًا مباشرًا مستمرًا، متاح لى، دون انقطاع، فهو شىء آخر، وقصة أخرى. 

كانت أمى «نوال»، «مستغنية» عن كل الأشياء. المناصب، والجوائز، والفلوس، والممتلكات، والنزهات فى المنتجعات والشهرة والجواهر، المكياج، والأزياء الفاخرة. المديح والذم، لديها سواء. 

لا تريد من هذا العالم «المعوج»، إلا أن تُترك لتستغرق بالساعات، دون إزعاج لتكتب كيف «ينعدل». 

وجائزة نوبل، التى كانت مرشحة لها منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى، وحتى سنة ٢٠٢١، لم تكن تهتم بها. كانت تدرك أنها جائزة سياسية فى المقام والأخير، تعطيها إحدى الحكومات الدائرة فى فلك أمريكا وإسرائيل، فكيف تحصل عليها، وهى تقف ضد مبادئ وسياسات أمريكا وإسرائيل؟. مع أن السويد، من أكثر البلاد التى تحظى فيها أمى بشعبية كبيرة من جهات مختلفة، ومنحتها جائزة «ستيج داجرمان» الأديب السويدى الشهير الذى مات منتحرًا. وقالوا لها إن مَنْ يحصل على هذه الجائزة السويدية، تكون جائزة نوبل هى المحطة التالية. 

كانت أمى تعتقد أنه إذا أنشأ ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، جائزة نوبل، ليكفر عن اختراعه المدمر، فإنه بهذه الجائزة، قد اخترع دون أن يقصد، شيئًا أكثر تدميرًا، وهو ضرب استقلالية الأدب، والانتقاص من قيمته الإبداعية لحساب المواقف السياسية، وتحويل فن الكتابة إلى سلعة استهلاكية لها ثمن فى «السوق الرأسمالية»، وجر الأديبات والأدباء إلى حلبة منافسة، ليسوا فى حاجة إليها. وفى أحد نصوصها المبدعة كتبت: «جائزة الاستغناء عن الجوائز»، بعد أن طالب البعض بتكريمها فى وطنها مصر، بإهدائها قلادة النيل «أعلى وسام مصرى». وهو ما لم يحدث طوال تاريخها. بينما فى البلاد العربية، وعدد كبير من دول العالم، من أكبر الجامعات، وملتقيات الأدب والإبداع، والجمعيات النسائية والثقافية، دعيت لإلقاء كلمة الافتتاح فى أهم المؤتمرات الفكرية والأدبية العالمية، وعدد من كتبها ورواياتها يُدرس فى مدارس وجامعات العالم، منها بلاد عربية مثل تونس. ومُنحت أعلى الأوسمة من رؤساء الدول، على سبيل المثال، وسام الجمهورية الفرنسية، وسام الجمهورية التونسية، وسام كتالونيا فى إسبانيا، وترجمت جميع أعمالها «٨٠ كتابًا» إلى ٤٠ لغة عالمية، حتى الصينية، واليابانية والفارسية. 

قالوا عنها «صادمة» لجرأتها، وترد قائلة: «لست جريئة.. العالم هو اللى جبان». 

وقالوا «متوحشة»، وتقول: «نعم.. لأننى أقول الحقيقة، والحقيقة متوحشة».

وصفوها بأنها «تكره الرجال»، ويأتى ردها: «لا أكره الرجال.. أكره النظام الذى جعل من الرجال مطرقة حديدية تضرب النساء». 

قالوا: «ضد الأنوثة»، ردت: «أنوثتى هى تمردى.. حريتى.. تفردى». 

أحقًا، فاتت سنة من تاريخ الزمان، حينما رقدت أمى رقدتها الأبدية، الأحد ٢١ مارس ٢٠٢١، الثانية عشرة ظهرًا، فى عيد الأم؟. 

لا أصدق، إنه كابوس مرعب، يسبقنى كل ليلة إلى وسادتى وسريرى. مَنْ قال إن مرور الزمن، خير دواء، يخفف من طعنات السكين الراشق فى قلوبنا، يخفت من آهات الوجع، يهدئ من تقلصات الجنون، وعزاء مضمون لكل داء وبلاء؟ 

فأمى، كانت وطنى يضمن حريتى وكرامتى، وبيتى الدافئ، وجسدى بمناعته القوية، وأفراحى ودوافع للبقاء على قيد الأنفاس. أمومة ثرية كريمة القول والفعل والمشاعر، المتكونة منذ مليارات السنين. 

لم تكن أمى ترضى أن تنام رقدتها الأخيرة، دون رضاها. اختارت حياتها، وكذلك اختارت الرحيل فى شهر مارس، شهر المرأة فى العالم «٨ مارس»، وفى مصر «يوم المرأة العالمى»، اختارت يوم ٢١، أول أيام موسم الربيع، عيد المرأة الأم، التى كانت تحلم بأن تمنح اسمها لأطفالها، شرفًا، ومجدًا، وأكبر دليل على حبها وتكريمها. 

رحلت أمى فى ٢١ مارس ٢٠٢١، اليوم الذى وافقت الدولة على تغليظ عقوبة إجراء ختان الإناث، القضية التى هاجمتها وطالبت بإيقافها، لأول مرة فى خمسينيات القرن الماضى، واضُطهدت بسببها دينيًا ومهنيًا وثقافيًا وأخلاقيًا. وبعد ذلك، هاجمت ختان الذكور أيضًا، وطالبت بإيقافه وتجريمه. سيأتى يوم قريب، كما أرادت، ويتوقف ختان الذكور أيضًا، ويتم تجريمه بالقانون.

يا للمفارقة، اليوم الذى ماتت فيه أمى، وتوارى فى التراب، جسدها المرصع بالنجوم، ومجد الاستغناء، كانوا يحتفلون بنساء هاجمن تجريم الختان، ثم أطلقوا عليهن «رائدات» تجريم الختان، وبالأمهات المثاليات، يبتسمون ويسلمون الجوائز، ولم أسمع كلمة واحدة عن أمى. وسوف يتكرر الأمر، هذا عن يقين، عشناه العمر كله. 

هذا ليس بحثًا عن كلمة تُقال فى حق أمى. هى لا تحتاج شيئًا من أى أحد، لا تحتاج تكريمًا من أحد، ولا اعترافًا من أحد. لكننى أرصد ظاهرة فى مجتمعاتنا طاردتها فى حياتها، وصنعت جبهة تضامن من جميع الأهواء، والأطياف، والأيديولوجيات، أديبات، أدباء، نقادًا، يمينًا، وسطًا، يسارًا، حكومة، مستقلين، أحزابًا، معارضة، إعلامًا مرئيًا ومقروءًا ومسموعًا، جمعيات نسائية، رجال دين، مشايخ، مؤسسة الأزهر، فى مشهد تاريخى فى نوعه، وامتداد زمانه، عبوره الأجيال على مدى سنوات، وفى طبيعته العدائية العنيفة.

أتذكر عندما كنت أشعر بالضيق أحيانًا من هذا الموقف، تبتسم أمى قائلة: «لا تبالى بهم، هم يدافعون عن وجودهم، ولا يملكون إلا هذه الأسلحة.. أسلحة رخيصة مستهلكة متهالكة، لكنها هى بضاعتهم الوحيدة، ويومًا ما سوف تصوب إليهم.. وكلما زادوا شراسة، تيقنت أن سهامى قد أصابت الأفعى السامة فى رأسها». 

لا أنسى كيف كانت تصلنا التهديدات عن طريق الهاتف، وخطابات البريد. أرى أمى، صامدة، واثقة، لا تهتز لها شَعرة، ولا يرجف لها جفن. وكان «شريف حتاتة» زوجها، وأبى لن يعوض، يقدم كل الحب والدعم والمساندة. يظهر معها، أو بمفرده، فى القنوات الإعلامية، يرد على الهجوم والبذاءات والتهديدات، بشخصيته المعهودة بهدوئها، وصلابتها ورسوخ حجتها، وتمكنه من فضح النصب والتجارة بالدين والفضيلة. كما أن خبرته السياسية الطويلة دربته على مثل هذه المواجهات، ظاهرها دينى، وباطنها سياسى.

«لن نفترق».. هذه كلمة «شريف» الشهيرة التى أعلنها فى وجه الجميع، عندما رفعوا لاحقًا، ضدها قضية الحسبة والتكفير والارتداد، طالبوا بسحب الجنسية المصرية منها، والتفريق بينها وبين زوجها، د. شريف حتاتة، أبى الذى لا يُعوض، نبيل الخلق، عشت عمرى معه، ولم أحمل اسمه. لا رجل أو زوج غيره، كان يستطيع مرافقة أمى، فى مشروعها الحضارى، ورحلة كتاباتها، وتمردها الجذرية. هو مثلها، متمرد وكاتب وذاق قهر الأنظمة الاستبدادية. ومثلها دفع الثمن بكبرياء وشموخ واستغناء. 

عرفت السر «النوالى»، سر أمى «نوال»، عندما استعدت إحدى مقولات «جبران خليل جبران». 

«المرأة التى يتحسن مزاجها من كتاب، قصيدة، أغنية، أو كوب قهوة، لن ينتصر عليها أحد، حتى الحياة تخسر أمامها». 

كانت حقًا المرأة التى إذا يومًا أرادت شيئًا، فلا بد أن يستجيب القدر.