رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأسعار بين الدولة والإخوان

في مسألة انفلات الأسعار هناك عدة حقائق لا بد من فهمها لمن يسألون عن دور الدولة في حماية الشعب من جشع التجار، وهى حالة تتكرر مع كل موجة ارتفاع للأسعار، وهنا نود الوقوف قليلاً مع عدة حقائق.. 
أولاً: القوانين الاشتراكية التي كانت تطبقها مصر من بداية الستينات وحتى عام 1974 كانت تضمن حماية المستهلك من الارتفاع المفاجئ وغير المبرر للأسعار. 
ثانياً: إن إقرار قانون الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ تطبيقه في عام 1974 لم يكن قرارا اقتصاديا فقط، بل كان قرارا سياسيا أراد به الرئيس السادات الانفتاح على الغرب والأمريكان، ولذلك لم يكن القرار مدروساً بشكل كافٍ، ولم تستعد مؤسسات الدولة ولا مؤسسات المجتمع المدني لتطبيقه. 

ثالثاً: نتج عن قرارات الانفتاح عدة ظواهر جميعها سلبية منها:
* ظهور طبقات من المنتفعين ممن حققوا أرباحاً سريعة نتيجة استيراد سلع استهلاكية، هذه السلع غيرت النمط السلوكي للشعب المصري. 
* تدمير الصناعات المصرية لعدم قدرتها على منافسة البديل المستورد في الوقت الذي اتُخذ فيه قرار بوقف تطوير مصانع القطاع العام تمهيداً لبيعها، فكانت أول قضية تم رفعها في المحاكم لمنع بيع القطاع العام سنة 1975.
* اختفاء شركات القطاع العام التي كانت تضمن الأمن الغذائي والكساء الشعبي للشعب المصري بمختلف فئاته.. فاختفت شركات مصر للألبان، والقاهرة للدواجن، وقها وأدفينا، وغزل المحلة وفستيا وتيل نادية وإيديال، وتم استبدال حجر فيكتوريا بإفريدى الأمريكي، وظهرت ماركات أجنبية بديلة لكل الشركات المصرية ما زالت موجودة حتى الآن. 
* تراجعت الدولة في امتلاك صناعات استراتيجية مهمة في مقدمتها صناعة الدواء، فتراجعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الدواء من 82% إلى 17% فقط، وأُغلقت النصر للسيارات وعدد من شركات التعدين والبتروكيماويات والغزل والنسيج، وحررت الزراعة، فحل الكنتالوب والفراولة مكان القطن والقمح. 
* راجت تجارة العملة بعد ترك الحبل على الغارب لتجار الدين وأصحاب فتاوى إباحة تجارة العملة، وإلى جوارها ترويج لأحاديث "تسعة أعشار الربح في التجارة" بتفسيرهم الخاطئ بأن من حق التاجر تحقيق ربح يصل إلى 90% من قيمة السلعة طالما هي تجارة وليست ربا، فضاعت قيم التجارة مع الله وانهار الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. 
* كارثة الكوارث كانت في ترك السوق لآليات العرض والطلب وإلغاء التسعيرة الجبرية وانتهاء عصر مفتشي التموين مع مطلع عام 1980.. ونتيجة لهذه السياسات ظهرت جمعيات المستثمرين ورجال الأعمال كجماعات ضغط تدافع عن مصالحها، وزاد من نفوذها تقربها من السلطة حتى أصبحوا شركاء في الحكم. 
* اختفت مقولة «الزبون دايماً على حق»، واستُبدلت بجملة «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل». 
* مؤخرا صدرت قوانين حماية المستهلك، وكان أولها عام 2006، ولكنه صدر فارغاً من مضمونه لا يحمي أحدا ولا حتى القائمين على تنفيذه، حتى طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي تعديلات تمنح الضبطية القضائية لرجال حماية المستهلك، وتتيح لهم الرقابة على الأسواق، ولأنها صلاحيات جاءت متأخرة بعدما توحشت جماعات المصالح والربح السريع، فهي غير كافية لحماية الأسواق، وما زلنا نحتاج لوسائل ضغط أكبر ودور أكبر للدولة في الإنتاج المنافس ودورها في مسألة تحديد هامش الربح للمنتجين. 
* الأهم أن التاريخ لن ينسى، ولا شعب مصر، دور جماعة الإخوان في إقناع الناس بضرورة التحول الاقتصادي، ودورها في تخدير الناس بهجومها الشرس على القطاع العام وعلى المكاسب الاشتراكية واقتصاد الدولة باستغلال المساجد وادّعاء التدين في إقناع الشعب بضرورة إلغاء التسعيرة الجبرية وبيع القطاع العام، في الوقت الذي انتشرت فيه فتاوى تحريم أموال البنوك، وظهور بيزنس الحجاب والجلباب. 

أخيرًا، ما سبق ذكره ليس مقالا للرأى فحسب، وإنما معلومات تاريخية، هي الحقيقة بعينها!