رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توم وجيرى.. لا أحد ينجو من الحب أو الحرب «٢-٣»

استطاعت السينما، من خلال قدرتها البالغة على الاستقطاب والإبهار، وكذلك تصوير الأحداث وتقديم موضوعات مستمدة من حياة الأفراد، أن تجعل المادة الإعلامية التى تصنع بها الصورة الذهنية مادة جماهيرية عالمية يتلقفها المشاهدون ويتأثرون بها بشكل طبيعى وتلقائى وذلك من خلال: 

- القیام بخلق صور جدیدة لم تكن موجودة أصلًا.

- العمل على تقویة وترسیخ التصورات الموجودة. 

- إجراء تحويل وتغییر للتصورات الموجودة. 

على مدى التاريخ تكونت الصور الذهنية للشعوب عن بعضها البعض نتيجة الاحتكاك بين الأمم والحضارات، إذ يمكن اعتبار «التصورات الثقافية بما فيها الصورة الذهنية جزءًا من الوعى الرمزى الذى ينشأ عن التصورات التى تتبناها إحدى الثقافات عن الثقافات الأخرى، بما فيها الصور النمطية، والتوقعات المرجوة، ويتم بناء الاتجاهات نحو هذه الثقافة أو تلك من خلال التفاعل بين الثقافتين».

وفى غياب الاتصال الشخصى تخدم وسائل الإعلام، بشكل عام، والأفلام، بشكل خاص، الوظائف الاجتماعية والسياسية والنفسية، حتى إنها من خلال قدرتها على الوصول إلى جميع الأفراد تستطيع خلق العديد من الصور الذهنية والأساطير الثقافية «فالأفلام لا تخلق أساطير قومية عن أنفسنا فحسب، بل إنها تخلق أيضًا خرافات عن الثقافات الأخرى».

وتقوم وسائل الإعلام بتدعيم الصورة الذهنیة الموجودة سابقًا فى أذهان الأفراد، فتضفى علیها بعدًا أوسع نطاقًا وثقة إضافیة، ویعتبر دورها فى تدعيم الصور أكبر من دورها فى تغییر وتعدیل هذه الصورة، كما أنها تؤدى دورًا مهمًا فى خلق صورة ذهنیة عن الموضوعات الجدیدة التى لا یمتلك الفرد عنها أى معلومات.

تعد السينما الأمريكية أكثر سينمات العالم إسهامًا فى خلق الصورة الذهنية التى تتناقلها الأجيال، سواء عن الذات أو عن الآخر، من خلال قدرتها وإمكاناتها الكبيرة وانتشار وتوزيع أفلامها على مستوى العالم. 

فالسينما بما تقدمه من أفلام واحدة من أهم المصادر الأساسية للرسائل التى تساعد على تشكيل تصورات الأمريكيين عن الروس، ولأن معظم الأمريكيين ليس لديهم اتصال مباشر مع أفراد من روسيا، لذلك تلعب صورة الروس، الممثلة على شاشة السينما، دورًا مهمًا بشكل خاص فى تشكيل المفاهيم الثقافية، بما فيها تصور الأمريكيين عن الروس.

وفى دراسة أجرتها الباحثة الأمريكية «كاترينا كوزمينا» للحصول على درجة الماجستير فى الفنون من جامعة كاليفورنيا عام ٢٠١٤، تتبعت الدراسة صورة الروس فى السينما الأمريكية، من خلال عينة مختارة من الأفلام فى الفترة من عام ١٩٣٣- ١٩٩٥، ودرست العلاقة بين الصورة المقدمة على الشاشة وتغير العلاقات السياسية الأمريكية الروسية، وقد استخدمت الباحثة تحليل المضمون لتوضيح العلاقة بين صورة الروس على الشاشة والتغيرات السياسية والأيديولوجية فى المجتمع الأمريكى. وقد اختارت الباحثة الأفلام التى حققت أعلى إيرادات فى السينمات وحققت انتشارًا نقديًا فى الصحف الفنية.

قسمت الباحثة فترات الدراسة إلى ٦ فترات: 

١- من عام ١٩٣٣ «بدء العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى»- ١٩٤١ «دخول هتلر الأراضى السوفيتية».

٢- من ١٩٤١- ١٩٤٦ «بداية فترة الحرب الباردة أو الستار الحديدى، كما أسماها ونستون تشرشل».

٣- من ١٩٤٦- ١٩٦٣ «نهاية أزمة صواريخ كوبا».

٤- من ١٩٦٣- ١٩٨٠ «الغزو الروسى لأفغانستان».

٥- من ١٩٨٠- ١٩٨٧ «زيارة الرئيس ريجان لروسيا وتوقيع معاهدة الحد من التسلح النووى».

٦- من ١٩٨٧- ١٩٩٥ «نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى».

وقد وجدت الدراسة أنه:

- يتم تقديم الولايات المتحدة كأمة متفوقة تتحمل المسئولية عن عملية إصلاح روسيا، وضمان أنهم يسيرون على الطريق الصحيح، وتصور الروس كأنهم مجموعة من الأفراد الأشرار والرؤساء والمسئولين الفاسدين والجماعات المتعصبة والمافيا المستبدة، هذه الصورة تساعد الأمريكيين على إظهار أنفسهم على أنهم القوة الخيرة القادرة على حماية العالم من هذه الوحوش الشيطانية، وأنها أمة قوية معنويًا وماديًا.

- منذ بداية ظهورهم على الشاشة والروس دائمًا يتم تقديمهم فى إطار صورة الآخر، وهذا يحدد نوع الأفلام التى يظهرون فيها، وهى أفلام «الإثارة، الجريمة، الحركة، التجسس». 

- يتم تصوير الروس على أنهم عسكريون ومسئولون حكوميون فاسدون، عصابات وجواسيس، شرطة مرتشية، بغايا وتجار أسلحة، وتكون الصورة الإيجابية هى الاستثناء.

- معظم الشخصيات فى الأفلام من الرجال، ولكنهم ليسوا مثل الرجال الغربيين، فقد صورتهم فترة الحرب الباردة على أنهم أشرار وغير أخلاقيين أو متحضرين وميالون للاستبداد.

فالعداء الأمريكى للروس تغذيه وسائل الإعلام، وعلى رأسها السينما، وتأتى الصراعات السياسية والعسكرية على مناطق النفوذ فى العالم، كما يحدث الآن فى أوكرانيا لتغذى وتؤكد هذه الصورة. 

وللحديث بقية..