رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يمنح الطعام العضوى صك العضوية للالتحاق بموائد الأثرياء؟

حديثنا هنا هو مناسبة لتقديم كل ما يجب أن تعرفه عن الأغذية العضوية المعروفة شيوعًا بالأطعمة «الأورجانيك» والذى بات اصطلاحًا طبقيًا يكاد يصنف جمهور المستهلكين إلى فريق ميسور ماليًا قادر على انتقاء احتياجاته الغذائية بحرفية عالية تضمن تدقيق سلامة طعامه وخلوه من المبيدات والكيماويات الضارة وعدم خضوعه لتجارب التعديل الوراثى، وفريق آخر لا يدرك هذه القياسات وربما لا يدرك هذا التوصيف، ومن ثم يجهل خصائصه ويكتفى بكون المنتج فى متناول يديه وبالسعر المناسب.

فى البداية، دعونا نتعرف على معنى هذا الاصطلاح وكيف يخدم المستهلك فى الاستمتاع بطعام صحى، والمعنى القريب هو خلو المنتج الغذائى من الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، ولكن المعنى الأوسع يشمل ضمانات تتعدى هذا الفهم، فهو يقيس نظافة المنتج من التلوث الكيماوى جراء استخدام أى من المبيدات الحشرية سواء فى التربة أو على الثمار، وكذلك عدم استخدام السماد الكيماوى بقصد تحفيز إنتاجية المحصول أو التعجيل بالإثمار طوال فترات الزراعة للنبات أو تربية حيوانات اللحوم أو الطيور أو الأسماك أو حتى خلال فترات حفظ أو تداول المنتج، ويمتد المعنى أيضًا ليشمل ضمانة أخرى بعدم إخضاع المنتج الزراعى أو الحيوانى لعمليات التهجين أو الهندسة الوراثية التى تهدف بدورها إلى زيادة الإنتاجية من ناحية وتجنب الإصابة بالأمراض.

إلى هنا يبدو هذا القيد أمرًا صحيًا له مردود إيجابى على الصحة، ولكن الأمر محفوف بسلبيات عديدة، تتمثل فى ارتفاع أسعار هذه المنتجات العضوية لأن الاستغناء عن التسميد الزراعى يقابله انخفاض الإنتاجية مما يؤدى إلى ارتفاع سعر الوحدة الإنتاجية، كما أن عدم استخدام المبيدات الحشرية للتربة أو للمحصول من شأنه المغامرة بفاقد كبير من المحصول جراء الإصابة بالآفات الزراعية أو الأمراض الحيوانية، ومن ناحية أخرى أنه لا توجد ضمانة لكون المنتج النباتى أو الحيوانى عضويًا إلا بالفحص المخبرى لعينات من المنتج، وهو أمر مكلف جدًا وليس متاحًا إلا على نطاق بحثى متخصص وهو ما قد تنتهى معه الضمانة بسلامة المنتج.

وهنا يأتى دور الاستفهام الداعم للحكمة من التميز العضوى وهو: هل نحن بحاجة للتقيد بأغذية لم تسمد مصادرها ولم تستخدم معها مبيدات حشرية ولم تخضع لهندسة وراثية؟ وهل يتسبب التغاضى عن هذا النقاء العضوى فى أضرار صحية؟

فى الحقيقة، لا يمكن قبول الأمر على إطلاقه، فهناك درجات نسبية فى التسميد الآمن للتربة بعناصر غذائية محسوبة أو استخدام أعلاف حيوانية من مصادر وخامات آمنة بعيدًا عن العلف المصنع من مخلفات الذبح الحيوانية ونفايات المسالخ، وكذلك عدم استخدام سماد من مخلفات الروث الحيوانى أو نفايات الطيور والدواجن.

وماذا عن الهندسة الوراثية التى أحدثت طفرة بالمنتج الغذائى خاصة فى الفاكهة والدواجن واللحوم والأسماك؟ 

فى الحقيقة لا يوجد ضرر منقول من المنتج الغذائى المهجن وراثيًا لدى استخدامه، لأن عمليات الطهى والهضم تكفى لوأد التغير الوراثى ومن ثم يستحيل أن تنتقل هذه التغيرات للمستهلك ولن تؤثر على التكوين الجينى له، ومع ذلك يتشدق بعض الشركات بكون منتجاتها من الثمار والخضروات خالية من التحوّل الوراثى، وهى عبارة خادعة للمستهلك إذ لا ضرر محتملًا من تطبيقات الهندسة الوراثية، بل على العكس فالهندسة الوراثية ساهمت بشكل فعال فى إضافة مزايا إيجابية للمنتج مثل تقليل الكوليسترول فى اللحوم الداجنة، ولعل أشهر مثال للهندسة الوراثية هو ثمار البرتقال «أبوصرة» وهو هجين وراثى بين البرتقال بالتطعيم الخضرى مع فرع من شجيرة الليمون.

أما المبالغة فى التقيد بالأطعمة العضوية فى أحيانٍ كثيرة ما هو إلا تكلفة زائفة بلا عائد صحى، ولعل أشهر مثال هو فئة بيض الدجاج العضوى، لأن البيضة لا تتعرض فى ذاتها لملوثات، ولكنها نتاج دجاجة سليمة، وحتى لو كانت الدجاجة نتاج أعلاف غير صحية فلن ينتقل التلوث إلى البيضة، ناهيك عن أن عملية طهى البيض تكفى ليتساوى البيض العضوى مع غيره دون اعتبار لفاقد الكلفة الزائفة.

انتقل هوس النقاء العضوى إلى الزهور والورود، فهناك دول لا تقبل باستيراد الزهور المسمدة أو التى تعرضت لمبيدات حشرية، وهو أمر منطقى ولكنه بعيد عن المعقولية إلا إذا كانت الزهور سوف تستخدم فى تصنيع أى غذاء أو دواء عشبى.

وللحديث عن الحدود الآمنة لدى المفاضلة بين أمان المنتج العضوى والسعر الأرخص يجب العلم أن تسميد التربة بالأسمدة البلدية أو الرى بمياه الصرف الصحى هو الأمر المهلك للصحة لأن التلوث البكتيرى خاصة بجرثومة البراز المعروفة بـ«الأيكولاى» ينقل الجرثومة للنبات وقد تصل وتستقر فى الثمار خاصة فى الخضروات والفواكه المائية مثل الكوسة والبطيخ والطماطم.

يتبقى الرش بالمبيدات الفسفورية مثل مبيد العفن الأبيض للعنب أو الخوخ فهو أمر بالغ الخطورة لأن الثمار تتشرب المبيد وتحتفظ به حتى مع الغسيل، أما رش العناصر الأحادية مثل الكبريت لإنضاج الموز فلا ضرر منه.

فى النهاية، تؤول القضية إلى محددات يفترض أن تتبناها الجهات التثقيفية والإرشادية بوزارة الزراعة وتطرحها للجمهور لأن التفرقة بين السمادين العضوى والكيماوى تعتبر أمرًا مستحيلًا إلا بالفحص المخبرى، وحتى بعد حسم الأمر من الناحية الكيماوية، تظل هناك قضية التلوث البيولوجى مثل الطفيليات.

تكمن الخلاصة فى الغسيل الجيد لكل ما يؤكل نيئًا والطهى الجيد للأطعمة الأخرى.