رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الأوكرانية والتفرقة العنصرية

كانت وما زالت وستظل الحروب بكل أشكالها البدائية وتصنيفاتها الحديثة وبالًا على البشرية بأسرها. فالحروب قاتلة للبشر الذين أكرمهم الله وساحقة للبشرية التى أوجدها الله لتعمير هذا الكون. فنتائجها للمنتصر وللمهزوم هى ذات النتائج، حيث إن الجميع يدفع الثمن بصورة أو بأخرى سواء قتلًا أو تدميرًا أو تخريبًا.

وبالرغم من كل ذلك سيظل الإنسان وبنوازع الشر والدول بعوامل الطمع والاستحواذ تثير المشاكل والأزمات، وتضع العصا فى عجلة التفاهم والتوافق والدبلوماسية، فيكون البديل القاتل والمؤلم هى تلك الحروب.

وبالرغم من التقدم الذى أحرزته البشرية فى كل مناحى الحياة والذى توج بإرهاصات ظهور القانون الدولى خاصة بعد معاهدة وست فاليا عام ١٦٤٨ تلك المعاهدة التى وضعت حدودًا واحترامًا لسيادة الدولة. ولكن ظلت الحروب هى المستفيد الأهم من ذلك التطور خاصة فى مجال التسليح الذى وصل إلى سلاح الردع النووى الذى إذا تم التعامل معه سيكون الفناء الكامل للبشرية بأسرها. 

والغريب أنه فى موازاة ذلك نجد القانون الدولى يشرع قوانين دولية تعمل على حفظ حقوق الإنسان سواء أثناء الحروب أو بعد انتهائها.

ولكن هل هناك عدالة من أى نوع فى تطبيق هذه القوانين؟. أم أنه ما زال الظلم البين الذى يجعل القوى يمارس قوته ويفرض جبروته على الضعيف بشرًا أو دولًا؟ هنا نجد ونشاهد ونعيش الظلم كل الظلم فى تلك التفرقة العنصرية واللا إنسانية التى تمارس فى الحرب الروسية الأوكرانية هذه الأيام. 

فحقوق اللاجئين تشمل حمايتهم بجميع الأنظمة التى تحقق لهم الاحترام الكامل وتشمل توفير بنية مواتية لاحترام البشر ومنع أو التخفيف من الآثار المباشرة لنمط معين من الإساءة واستعادة ظروف الحياة الكريمة من خلال التعويض وإعادة التأهيل وذلك حسب اتفاقية عام ١٩٥١ وبروتوكولها عام ١٩٦٧.

فماذا كان الوضع فى مواجهة اللاجئين نتاج الحرب الأوكرانية؟ لقد استنفر العالم العربى (الأبيض المسيحى) لما يحدث فى أوكرانيا بصورة غير مسبوقة سواء كان ذلك فى تلك العقوبات التى اتخذت ضد الروس وغير المسبوقة فى مثل هذه الحالة . كما قام الغرب (أوروبا وأمريكا) بفتح الذراع والأبواب للاجئين من أوكرانيا . وهذا جميل لا عيب فيه.

 ولكن هل كانت هذه الأذرع وتلك الأبواب مفتوحة لكل اللاجئين الأوكران وغيرهم من الجنسيات الأخرى التى كانت على أرض أوكرانيا؟ للأسف الشديد وجدنا تلك التفرقة العنصرية الحقيرة التى أفرزت كل السوء الكامن فى نفوس الغرب تجاه الآخر غير الغربى. فالتقارير أكدت تقسيم النازحين إلى طابورين أحدها للبيض والآخر لذوى البشرة السمراء. كما أن أصحاب الطابور الثانى من أصحاب البشرة السمراء يكابدون أحط أنواع العنصرية والمعاناة من البرد القارس والحرمان من النوم والمشى لعشرات الساعات. 

فهل هذا كان من نصيب الأبيض أيضًا؟ للأسف لا. فمدير عام منظمة الهجرة الدولية كان قد أعرب عن قلقه بشأن التمييز والعنف ضد مواطنين من دول العالم الثالث. والغريب أن الحكومة الأوكرانية قد أقرت علنًا بوجود نوع من التعامل العنصرى مع الأجانب. كما كان أحد أنواع العنصرية فى صورة أخرى قد تمثلت فى دعوة رئيس أوكرانيا اليهودى والصهيوني ليهود العالم للاصطفاف معه فى الوقت الذى يعيش فى بلاده ٤٠ مليون مسيحى. 

ووصل الأمر أن نائب المدعى العام الأوكراني كان قد صرح لقناة (سى. بى . آي) الأمريكية قائلًا: إنه لم يكن يتوقع حدوث ما حدث لأن اوكرانيا بلد أوربى متحضر نسبيًا وليس مثل العراق وأفغانستان! وليس دولة من دول العالم الثالث! فهل هذه هى الإنسانية؟ وهل هذا تطبيق أمين لبروتوكولات حماية اللاجئين دون تفرقة بين بشر وآخر وبين جنسية وآخرى؟ أم أن الانحياز وعدم المصداقية وممارسة التفرقة العنصرية بأجل معانيها تظهر وتمارس من الغرب فى مواجهة الآخر غير الغربى؟ فهل كانت تلك الممارسات مع لاجئي أوكرانيا هى تلك التى تمت أثناء جرائم أمريكا فى يوغوسلافيا ١٩٩٩؟ وأفغانستان ٢٠٠١ والعراق ٢٠٠٣ وليبيا ٢٠١١؟ وأين حمرة الخجل إذا كانوا يعرفون أى خجل عندما تم قصف المدنيين فى العراق وسوريا بحجة القتل الخطأ؟ وأين كان القانون الدولى عندما لا ينفذ ولا قرار واحد من قرارات مجلس الأمن البالغة حوالى تسعين قرارًا فى إطار القضية الفلسطينية وضد الدولة الصهيونية؟  

وأين هذه الهمة التى نراها فى مواجهة الروس عندما تم تدمير ليبيا والعراق وسوريا واليمن؟ وأين أنتم من اللاجئ الفلسطينى الذى يسكن الخيام فى زمهرير الشتاء وصهج الصيف؟ أين الضمير الإنسانى عندما منع ترامب المعونة الأمريكية بقيمة ٢٤٥ مليون دولار عن منظمة الأونروا التى تعول اللاجئين الفلسطينيين؟ إنها التعددية فى المعايير. إنها الضمير الميت. إنها التفرقة العنصرية التى يدعون محاربتها تحت ادعاء حقوق الإنسان الذى هو حقوق إنسانهم الغربى وفقط. 

هنا ولذلك يكون طبيعيًا وحقًا أن يكره المواطن العربى والإفريقي والعالم الثالث أمريكا والغرب. فلا يحق لهم أن يسألوا: لماذا يكرهوننا؟ ومع ذلك لا نملك غير رفض الحرب بكل أنواعها، لأن الجميع سيدفع الثمن وفى المقدمة أمريكا والغرب. وإنا لمنتظرون. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.