رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأستاذ رشدى أبوالحسن

للأستاذ رشدى أبوالحسن منزلة كبيرة فى قلبى، رغم لقاءاتنا القليلة، ربما لأننى تعرفت إليه وسط أجمل وأنبل وأصدق أساتذتى فى بداية حياتى بالقاهرة، مثل الأساتذة: علاء الديب وحجازى الرسام وإبراهيم منصور وبهجت عثمان وجميل شفيق رحمة الله عليهم جميعًا.

كنت أعرف منزلة رشدى أبوالحسن العالية فى قلوبهم جميعًا، هو ينتمى إلى نوع من البشر يجمع فى خصاله النزاهة والموهبة وعفة اللسان واليد والطيبة والإحساس بالمسئولية تجاه وطنه، وهذا النوع من البشر كان ملهمًا وسندًا لنا طوال الوقت، وتستطيع أن تتعرف على شخصية هذا الرجل، عليك أن تقرأ كتابه الجديد «٥٥ سنة صحافة» الصادر عن دار ميريت قبل أسابيع قليلة، فى البداية ستعتقد أن الرجل سيتحدث عن نفسه وعن معاناته وعن الأزمات التى تخطاها فى حياته، كما يفعل كاتبو المذكرات، ستفاجأ بكتاب فى محبة الناس، ومحبة مهنة الصحافة ومحبة هذا الشعب، كتب مسيرته فى المقدمة ببساطة وبدون بلاغة عن بداياته فى مجلة آخر ساعة قبل تخرجه واستمراره بها لمدة ١٣ عامًا، وبعدها التحق بصباح الخير ١٩٧٤، جعلنا نشم رائحة هذا الزمن ونتعرف على جيل من الصحفيين الكبار مثل أحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وأحمد الصاوى محمد وحسن فؤاد وسعد كامل ومحمد وجدى قنديل وغيرهم من رموز المهنة، وأيضًا رصد التحولات العنيفة فى المهنة بعد تأميم الصحف، لم يلتزم التسلسل الزمنى، مما صبغ الكتاب بحميمية آسرة، كأنه يحكى لصديق حكايته، لجأ إلى أرشيفه الصحفى، أو كشف الإنتاج كما سماه، ليخرج لنا لآلئ وقضايا ووجوهًا أسهمت فى بناء مصر، كل على طريقته، استدعى العالم الكبير رشدى سعيد وهو يتحدث عن زراعة الصحراء وتآكل الرقعة الزراعية فى الدلتا وخطورة ذلك فى المستقبل، فى باب سماه «نخبة رائعة تواصل الرسالة»، جلس إلى رفاعة رافع الطهطاوى ولويس عوض وأحمد بهاء الدين ورشدى سعيد وعلى فتحى وخالد محمد خالد وغيرهم، هو لا يعرفك بهم، هو يبرز مواطن الجمال فى منجزهم، ويرد الاعتبار لبعضهم ممن طالتهم نبال خصوم الموهبة والعلم، رشدى المولود سنة ١٩٤٢ فى قوص احتشد بروح الباحث وهو يكتب عن هذه الشخصيات، ستسعد بكتابته عن الدكتور لويس عوض، أحد العظام الذين خاضوا معركة الحداثة فى مواجهة ضيقى الأفق، «لويس عوض واحد من قبيلة ليست كبيرة العدد من أفذاذ المصريين»، هو تلميذ طه حسين والعقاد وسلامة موسى، صدّر رسالته للماجستير التى حصل عليها من جامعة كمبريدج عن فن الشعر لهوراس الشاعر الرومانى بإهداء إلى طه حسين كتب فيه «سيدى الأستاذ الدكتور: هذا الكتاب منك، لأنك مثلت لى وراء كل سطر من سطوره، وما كان منك ليعد إليك، لا أهديكه اعترافًا بغذاء الروح الذى أمددتنى به منذ صباى، فإن أدبك العالى- الذى قال فيه هوراس «ستكون غايتى نظم قصيدة صيغت من مادة شائعة، حتى لتطمع الدنيا فى أن تأتى بمثلها»- لا يكون تقديره بإهداء كتاب ولدته مناسبة، وإنما أفعل هذا لأنك إمام الثائرين والراشدين معًا، لأنك الأمين على الأدب العربى واللغة العربية فى الجامعة، ولأنك صاحب الحق، عدو الجهالة والتعصب، أخذت عنك الثورة فمتى آخذ عن الرشد؟»، جلس أبوالحسن فى احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بلويس عوض بمناسبة مرور ١١ عامًا على رحيله، وبمشاركة ستين عالمًا ليغزل مسيرة ومعارك صاحب أوراق العمر وآراءه فى التعليم والحداثة والتراث واللغة والديمقراطية وقراءاته وترجماته، كان حريصًا على إبعاد تهمة الطائفية باعتراف أسماء كبيرة مثل بدر الديب، فى سنة ١٩٨٥ وقبل رحيل لويس عوض بخمس سنوات ارتفعت نسبة المحجبات فى مصر، وكانت ظاهرة أربكت الكثيرين، وحين سئل صاحب «يوميات طالب بعثة» عن الموضوع قال: «أنا أتابع تزايد أعداد المحجبات فى هذه الآونة، ولكننى غير منزعج، بل إننى متفائل، ما دام هؤلاء المحجبات يذهبن إلى المدرسة والجامعة والعمل، فهذا هو المطلوب، أن تتعلم المرأة وتعمل وتحقق الاستقلال الاقتصادى وتتحرر من التبعية للرجل، وما دام الأمر كذلك فلا خوف على مستقبل المرأة»، الكتاب القيم أكثر من ٥٠٠ صفحة من القطع المتوسط» صعب اختزاله فى هذه المساحة، لأن الغنى وتنوع الاهتمامات يحتاجان أكثر من مقال، هو لم يتحدث كثيرًا فى السياسة، ومر مرور الكرام على تجربة سجنه فى السبعينيات وعلى دوره كعضو مجلس نقابة الصحفيين منتخب، لأنه لا يتحدث إلا عن الأحبة.