رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القُبلة» فى السينما المصرية: حملات مقاطعة وطلاق فنانين.. و«مش هبوس إلا بفتوى»

السينما المصرية
السينما المصرية

لا تزال مشاهد القُبلات والأحضان فى الأعمال الفنية، وعلى رأسها الأفلام السينمائية، تثير جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعى، وبين الجمهور المتابع لهذه الأعمال، حتى بلغت ذروتها فى الأيام الأخيرة.

فقبل أقل من أسبوع واحد، أدلى المخرج هادى الباجورى بتصريحات، وُصفت بـ«الجريئة»، عن زوجته الفنانة ياسمين رئيس، قال فيها إنه لا يمانع تقبيلها فى الأفلام، معتبرًا أن هناك فارقًا كبيرًا بين «بوسة الحب» و«بوسة القذارة».

وبعدها كتبت «ياسمين» تغريدة عبر «تويتر»، قالت فيها: «تتغير المرأة كثيرًا حين يظلمها أحد، أو يقلل من قدرها، أو يجرحها متعمّدًا، ومهما بلغت معزّتها لهذا الشخص فستختصر حديثها وعلاقتها معه».

ثم أعلنت بشكل شبه صريح طلاقها من زوجها، وكتبت على «تويتر» أيضًا، مستشهدة بالآية القرانية: «وَإِنْ عَزَمُوا الطّلَاقَ فَإِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، مضيفة: «الحمد لله على كل شىء.. عشرة طويلة ولكنها لم تدم».

فى السطور التالية، تستعرض «الدستور» تاريخ القبلات والأحضان، منذ تأسيس صناعة السينما فى مصر.

الأولى «قُبلة فى الصحراء» عام 1927.. والثانية أثارت اعتراض الأزهر

أول قُبلة سينمائية فى الأفلام المصرية كانت ضمن مشهد فى فيلم «قُبلة فى الصحراء»، حسب كتاب «سلطة السينما.. سلطة الرقابة»، للكاتبة أمل عريان فؤاد، وهو ثانى فيلم فى تاريخ السينما العربية بعد فيلم «ليلى»، وعُرض لأول مرة عام ١٩٢٧، من إخراج الفلسطينى المصرى إبراهيم لاما.

بعدها بـ٦ سنوات، تحركت مؤسسة الأزهر لحذف القُبلة من فيلم «الوردة البيضاء»، والتى كان بطلها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والفنانة سميرة خلوصى، ووصل الأمر لتقديم شكوى إلى الأمن العام.

ورغم أن المخرج محمد كريم صور أحداث الفيلم فى استديوهات باريس، اعترض الأزهر الشريف على قُبلة «عبدالوهاب» وهو يرتدى «الطربوش»، الذى كان زيًا قوميًا فى البلاد.

وروى محمد كريم فى مذكراته أن الأديب طه حسين أرسل له تهنئة بالنجاح الجماهيرى الذى حققه الفيلم، وأشاد بأداء الفنان محمد عبدالوهاب التمثيلى، وقال: «أهنئه بالأمرين، كلاهما خليق أن يهنأ به، وعبدالوهاب خليق أن يظفر منها بأعظم حظ ممكن».

ورغم اعتراض الأزهر على مشهد القُبلة، قال المخرج محمد كريم فى مذكراته إن الجمهور استقبل الفيلم استقبالًا كبيرًا، مضيفًا: «صفق الجمهور لدقائق طويلة، واستقبله استقبالًا رائعًا، وأنتجت المصانع، تيمنًا باسم الفيلم، نسيج حرير الوردة البيضاء، وافتتح فندق بالاسم نفسه، حتى إن الحانوتية كتبوا يافطات مثل حانوتى الوردة البيضاء».

ومرت القُبلات التى أدخلها المخرج توجو مزراحى فى أفلامه السينمائية، بداية من فيلم «سلامة» عام ١٩٤٥ بطولة كوكب الشرق أم كلثوم، وظهر من بعده تقليد «القُبلة الختامية»، التى تظهر عادة بين بطلى الفيلم فى نهايته، وقلدها بقية المخرجين والفنانين فى الأفلام التى أُنتجت فى هذه الفترة.

وكانت «القُبلة الختامية» فى الأفلام السينمائية تظهر فى أفلام بعض الفنانين الذين رفضوا القُبلات بعد ذلك فى أعمالهم السينمائية، لأمور عائلية غالبًا، منهم الفنان إسماعيل ياسين، الذى ناقش قضية «التحول الجنسى» فى فيلم «الآنسة حنفى» عام ١٩٤٥، دون حرج.

هند رستم رفضتها: «المخرج زودها حبتين» والزعيم: «لا أقبلها لبنتى» 

ظلت الأمور هادئة نسبيًا إلى أن طرأت بعض التغييرات على المجتمع المصرى فى فترة السبعينيات، وهو ما أورده الناقد الفنى سمير فريد فى كتابه «تاريخ الرقابة السينمائية فى مصر».

وشرح «فريد» أن «جماعات إسلامية» كانت تحث الجمهور على رفض القبلات فى الأفلام السينمائية، وتطالبهم بعدم مشاهدتها، من بينها «الجماعة الإسلامية» التى شنت حملة على فيلم «حمام الملاطيلى» وطالبوا بعدم مشاهدته، وذلك بالتزامن مع سن قوانين من حكومة الرئيس الراحل أنور السادات تتضمن قيودًا رقابية على الأفلام السينمائية، التى كان معظمها متاحًا فى السابق.

وظهر بعدها مصطلح «السينما النظيفة»، وتضخمت حملات اعتزال الفنانات من السينما، وظهرت موجة التدين التى كان أشهر مؤيديها الشيخ محمد متولى الشعراوى، واعتزل على إثرها عدد من الفنانات، مثل مديحة كامل وشمس البارودى، وارتدى بعضهن الحجاب، وفرضن قيودًا على ظهورهن فى الأفلام السينمائية، واشترطن أن تخلو من مشاهد القُبلات، وغيرها من الأمور المشابهة.

ورفض بعض الفنانات تصوير مشاهد قُبلات، من بينهن الفنانة المعتزلة نورا، التى لم تقبل تصوير مشهد مع الفنان عادل إمام فى فيلم «غاوى مشاكل» ١٩٨٠، و«المحفظة معايا» ١٩٧٨، وهو ما تكرر مع الفنانة آثار الحكيم، كما أن الزعيم نفسه صرّح بأنه لا يقبل أن تظهر ابنته فى مشهد سينمائى يتضمن قُبلة سينمائية، ما أثار جدلًا واسعًا وقتها.

ورفضت الفنانة هند رستم أيضًا بطولة فيلم «أبى فوق الشجرة» لتضمنه مشاهد قُبلات عديدة، رأت أنها خارج السياق الدرامى، وهو ما كررته فى فيلم «الحب الأخير».

ولم تكن هند رستم ترفض القُبلة السينمائية طالما أنها تخدم العمل الفنى وتدخل فى سياق الأحداث، فصورت فى فيلم «الحب الأخير» ١٩٥٩ مشاهد قُبلات مع الفنان أحمد مظهر، لكنها اعترضت على القُبلة الثالثة فى الفيلم، لأنها رأت أن مخرج الفيلم محمد كامل حسن المحامى «زودها حبتين».

وكان الفنان حسين صدقى حادًا فى موقفه من القُبلات فى وقت متأخر من مشواره الفنى، ولُقب بـ«واعظ السينما» واعتزل الفن، وطالب بإحراق أفلامه التى تتضمن قُبلات، رغم أنه كان أحد أبطال القبلات الأولى فى السينما المصرية من خلال فيلم «العزيمة» مع الفنانة فاطمة رشدى عام ١٩٣٩.

وكان لـ«صدقى» أيضًا أزمة شهيرة مع القُبلات، حدثت فى شهر رمضان، بعدما رفض تصوير مشهد به قُبلة بسبب الصوم، وحاول المخرج عاطف سالم إقناعه بتصويره، لكنه رفض، بل وطلب «فتوى» تجيز هذه القُبلة.

أرسل «سالم» أحد الموظفين، وعاد وهو يحمل فتوى تجيز «القُبلة السينمائية»، فاقتنع «صدقى» وصور المشهد بعد وقت طويل، وفق ما جاء فى مجلة «الكواكب».

وشهد عام ١٩٤٥ جدلًا مماثلًا أثناء تصوير فيلم «شارع البهلوان»، للمخرج صلاح أبوسيف، حين طلب من الفنان كمال الشناوى تقبيل الفنانة كاميليا، فرفض «الشناوى» رفضًا قاطعًا، متعللًا بأنه صائم ولا يجوز فعل ذلك فى نهار رمضان، وحاول «أبوسيف» إثناء «الشناوى» عن قراره.

وشرح «أبوسيف» أنه حاول إقناع «الشناوى» بأن القُبلة السينمائية لا تبطل الصيام، لأنها تندرج تحت بند العمل الذى يتربح منه، وحاول أن يشرح له أن رفضه القُبلة سيتسبب فى خسائر فادحة لمنتج الفيلم لأنه سيعطل التصوير، وطلب «الشناوى» تأجيل تصوير المشهد لما بعد تناول الإفطار، وفى النهاية اقتنع وصور المشهد.

على بدرخان أعاد تصوير قُبلة بين زوجته سعاد حسنى وإيهاب نافع 6 مرات

تروى الفنانة بوسى، فى أحد حواراتها السابقة، أن الفنان نور الشريف لم يكن يتدخل فى اختياراتها الفنية، ولم يكن يعترض على مشاهد القُبلات أو الأحضان التى تخدم السياق الفنى، وهو ما أكده الفنان الكبير فى حوار سابق، قال فيه إنه يؤمن بحرية الفن، لذا لا يتدخل فى أدوار زوجته.

وطلب المخرج على بدرخان، وقت أن كانت زوجته الفنانة سعاد حسنى، إعادة مشهد بينها وبين الفنان إيهاب نافع فى فيلم «الحب الذى كان» عام ١٩٧٣، ليظهر أكثر حرارة بين بطلى الفيلم، وأعيد التصوير ٦ مرات، وحسب مجلة «الشبكة» اللبنانية، أقنع «بدرخان» زوجته بأن الأمر تمثيل ولا بد أن يخرج فى صورة سينمائية ترضيه.

الأمر ذاته جرى مع الفنانة ناهد شريف، التى كانت بطلة فيلم «عاطفة من الحب» ١٩٦١، وكان حسين حلمى مخرج الفيلم يطلب منها «إتقان» المشاهد السينمائية التى تضمنت بعض القبلات وغيرها.

وقادت فاتن حمامة كتيبة الفنانات الرافضات للقبلات فى السينما المصرية، وسارت على نهجها سميرة أحمد، وفنانات أخريات، وكانت سيدة الشاشة العربية ترى أن القبلات بلا وظيفة مهمة فى سياق أى أحداث سينمائية أو درامية، واشتهرت بين المخرجين بشعار: «ممنوع التقبيل»، فظلّت طوال حياتها مستبعدة من أى دور يحتوى مشاهد حميمية.

لكن الجميع فوجئ بقبولها تقبيل عمر الشريف فى فيلم «صراع فى الوادى» عام ١٩٥٤، حتى مخرجه يوسف شاهين، فقد سمحت لـ«الشريف» بتقبيلها، واندمجت حتى استمرّت القبلة لدقائق، وبدت حقيقية عميقة كشفت عن حبهما، ووصل الخبر إلى زوجها عزالدين ذوالفقار، الذى اتفق معها على الطلاق، لتصبح قصة حبها مع «الشريف»، الذى كان وجهًا جديدًا آنذاك، خبرًا فى جميع الصحف انتهى بزواجهما، لتعود إلى منع القبلات مرة أخرى.

وكان الفنان محمد فوزى يتدخل فى قرار الفنانة مديحة يسرى فى أفلامها السينمائية، خلال فترة زواجهما، كما روت فى حوار تليفزيونى عُرض على شاشة قناة «ماسبيرو زمان»، قالت فيه إنه رفض رفضًا قاطعًا تصوير مشهد قُبلة سينمايئة فى فيلم «إنى راحلة»، وأرسل خطابًا للمخرج عزالدين ذوالفقار يحذره من تصوير المشهد: «هخسرك نهائيًا إذ صورت هذا المشهد»، وتمت القُبلة بين مديحة يسرى وعماد حمدى بحيلة سينمائية.

كما رفض الفنان أنور وجدى أن تظهر زوجته الفنانة ليلى مراد فى مشاهد سينمائية تتضمن قُبلات، ووصل الأمر إلى الطلاق والانفصال بسبب قُبلة فيلم «الماضى المجهول» عام ١٩٤٦، إلى أن تأكد «وجدى» أن القُبلة ليست حقيقية.

واحتد الموسيقار بليغ حمدى على مشهد قُبلة سينمائية بين الفنان سمير صبرى وزوجته الفنانة وردة، كما روى الأخير عن كواليس فيلم «حكايتى مع الزمان». فقد كان من المفترض أن يُقبّل سمير صبرى الفنانة وردة، لكن «حمدى» قال: «محدش يقبّل وردة»، وحاول مخرج الفيلم حسن الإمام إقناعه بأن القُبلة ستكون على خد زوجته، لكنه رفض فى البداية، إلى أن أقنعه «الإمام» وتمت القُبلة على خدها فقط.

ومن أشهر حوادث الانفصال فى تاريخ الفن ما جرى بين حسن يوسف ولبلبة، سبق ذلك تديُّن «يوسف» بقليل، فقد أنهت قُبلة زواجهما الذى استمر لـ٧ سنوات، وكان حبًا ملتهبًا إلى الحد الذى جعل لبلبة تهدد بالانتحار إذا لم تسمح أمها بإتمام الزواج، وهو ما دفعها للموافقة.

لم تكن القُبلة بين حسن يوسف ولبلبة، إنما بين لبلبة وحسين فهمى، ففى أثناء تصوير فيلم «بنت بديعة» عام ١٩٧٢، كانت تقدم دور الراقصة «توحة»، وأضاف لها المخرج حسن الإمام قُبلة بعد الموافقة على السيناريو، فاتصلت بزوجها حسن يوسف لتخبره، فرفض وهددها بالطلاق إذا فعلت، ووضعت أمام خيارين: القُبلة أو الطلاق.

كان الاختيار صعبًا، خاصة أنها لا تريد الفشل فى اختبار التمثيل مع مخرج كبير مثل حسن الإمام، فاختارت النجاح مهنيًا، وخسرت حسن يوسف، وانتهى الزواج، الذى داوى «يوسف» جراحه بعدها بعلاقة جديدة مع شمس البارودى.