رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصور على "الرمال البيضاء"!!

فتش عن الطمع وأحلام الثراء السريع في جميع جرائم الاحتيال، فالنصاب يلعب دائماً على هذا الوتر عند الضحايا، وكم من أساليب نصب بدت ساذجة لدرجة الطرافة أوقعت بضحايا اعتقدوا أنهم على بعد خطوة من تحقيق ثروات طائلة واكتشفوا أنهم اشتروا "التروماي" في نهاية الأمر!

الاحتيال في الوقت الراهن تجاوز حدود الواقع إلى العالم الافتراضي، فاتسع ميدانه وتنوعت أساليبه بسبب سهولة التواصل عبر السوشيال ميديا، والقدرة على جني ثروات طائلة من ضحايا يعيشون على بعد آلاف الأميال من المحتالين!

واستوقفني أخيراً الجريمة التي تعرف باسم "الرمال البيضاء" ففي زمن وجيز استطاع محتالون على جني ملايين الجنيهات بتطبيق بسيط أوهموا مستخدميه بإمكانية التربح بمجرد الاشتراك ومشاهدة الفيديوهات وترويجها!

لقد كشفت التحقيقات الأولية فيما وصفت بأخطر قضية احتيال إلكتروني أن المتهمين تلاعبوا نفسياً بالضحايا، وأوهموهم بفرصة الثراء السريع، وحصلوا منهم على مبالغ تقدر مبدأياً بنحو 31 مليون جنيه، وذلك بعد أن روجوا لتطبيقهم على مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر رواجاً بهدف إعطاء مصداقية أكبر له وإيهام الضحايا بأنهم على بعد خطوة من الكنز!

هناك أساليب عدة للاحتيال الإلكتروني، يعد هذا من أحدثها، ويكشف لنا نباهة الجيل الجديد من النصابين المتسلحين بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، فما فعلوه في هذه الجريمة هو نقل فكرة النصب بأسلوب محافظ الاستثمار التقليدية من عالم الواقع إلى نظيره الافتراضي!

وكما أشرت في البداية، تنجح حيل هؤلاء النصابين غالباً مع الطماعين، خصوصاً حديثي العهد منهم بالتقنيات الحديثة، فينصبون الشباك حولهم ويغرونهم تدريجياً بطرق عدة، مستخدمين لغة ودودة تشعر الضحية بأن المحتال مهموم بمشاكلهم واحتياجاتهم ولديهم حرص صديق على مساعدتهم وانتشالهم من العوز إلى الطبقة المخملية من أثرياء العالم الافتراضي!

وبغض النظر عن صعوبة تصور كيف ينخدع الناس بمثل هذه الأساليب ويتجاوبون معها، أجد ضرورة ملحة لتكثيف جرعات التوعية، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب النفسي للضحايا، فهناك قناعة لدى كثيرين الآن أن شبكة الإنترنت بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص أصبحت مغارة علي بابا، ما يعميهم عن التدقيق والتروي قبل خسارة أموالهم في مثل هذه التطبيقات والبرامج الاحتيالية!

ويمكن ان نعزو جانباً كبيراً في ذلك إلى اتخاذ كثيرين مؤثري السوشيال ميديا "اليوتويبرز" تحديداً قدوة لهم ، خصوصاً فيما يتعلق بالثراء السريع، دون النظر فيما يقدمه غالبيتهم من محتوى مخجل وسخيف.

ولا يدرك ضحايا الاحتيال الإلكتروني أن هناك آخرين يجلسون خلف شاشات بعيدة يراقبون هذه الفوضى الافتراضية، ويتحينون الفرصة لاصطياد الحالمين بالقصور والسيارات الفارهة، فيستولون على مدخراتهم ويكتشف الضحايا في نهاية الأمر أن الملايين التي حلموا بها والقصور التي تمنوا سكناها بنيت على "رمال بيضاء"!

  • محام بالنقض - مستشار قانوني أول بدبي