رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولة الدينية والدولية المدنية

 

الدولة الدينية هى شكل من أشكال الحكم يكون فيه الحكم لرجال الدين فلهم السلطة واليد الطولى فى إدارة شئون الدولة. ويعرف باسم الدولة الثيوقراطية بمعنى حكم رجال الدين أو حكم الدين . أما الدولة المدنية : هى دولة تحافظ وتحمى كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية . ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لاتتأسس بخلط الدين بالسياسة .كما أنها لاتعادى الدين أو ترفضه . واهم شروطها أن تقوم الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات .والأهم هو حماية المواطن من أى انتهاكات لحقوقه من فرد أو مؤسسة أو أى طرف آخر .فهناك دوما سلطة عليا هى الدولة فهى التى تصدر القوانين وهى التى تطبقها دون غيرها من قوى اجتماعية أو دينية . فهل نحن دولة دينية ام دولة مدنية ؟ بداية نعود برهة إلى الدستور الذى يحدد هذه القضية . ففى مقدمة الدستور وهى تعتبر جزء لا يتجزأ من الدستور حيث أن قراءة الدستور يجب أن تكون قراءة شاملة لمجمل مواده ومقدمته. تقول المقدمة ( الدستور يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة حكومتها مدنية ) وتستكمل المقدمة وتقول ( أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وان المرجع فى تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى ذلك الشأن) . ويزيد الدستور فينص فى مادته الثالثة على أن شرائع المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لاحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية . انا فى مادته السابعة فالازهر الشريف هيئة إسلامية عليا مستقلة وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشىون الإسلامية وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل. جميل . نعم نحن لايحكمنا دستوريا ولا قانونيا أى رجال دين بالمفهوم الغربى لتعريف رجل الدين كما نحن لانحكم حكما ثيوقراطيا . ولكن هل لايوجد أى تأثير ما فى ضوء المادة الثالثة والمادة السابعة ؟ وهل هناك اى مجال لأى اجتهادات من مفكرين ومثقفين خارج المؤسسات الدينية ؟ وهل تلك المواد لاتمثل وصاية دينية على المتدين باى صورة من الصور؟ . نطرح هذه الاسئلة من باب الحوار الموضوعى لحالة التداخل الذى نعيشه بين الدولة الدينية والدولية المدنية . وهذا التداخل سببه ليس الدين بمقاصده العليا وقيمه العظيمة . ولكن الاشكالية هى ذلك الدور المتضخم من رجال الدين ليس فى تفسير العلوم الدينية حيث أن الدين لايحتاج الى تفسير فهو ذلك الايمان الشخصى والذاتي الذى لايعرفه ولايدركه أحد غير الله والمؤمن . كما أن الإيمان بذاتيته لايتشابه مع ايمان الاخر فى ذات الدين لانه رؤية خاصة وإحساس ذاتى وإيمان شخصى . لايحدده أحد من رجال الدين . ولكن دور رجل الدين فى المسيحية أو العالم فى الإسلام هو الدعوة بالقيم والمقاصد العليا التى تهذب النفوس وتعدها لتطبيق القيم العظيمة للدين . وهذا غير التدخل فى كل كبيرة وصغيرة فى حياة البشر . فكل مؤمن وحسب إيمانه مضمونا وشكلا عليه أن يظهر هذا الإيمان فى أعماله ( الايمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل ) ( ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا اباكم الذى فى السموات ) . اما مانراه الان فى القنوات الفضائية الاسلامية والمسيحية ووسائل الإعلام وما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعى . نجد حالة من الفتاوى التى بلا حدود فى مايقال وما لايقال وفيما يجب وفيما لايجب . الشئ الذى شجع الكثيرين لأخذ الأمر وكأنه تجارة بالدين والدين برئ من هذه الممارسات . الاهم ان هذه الأدوار التى تمارس باسم الدين شجعت على حالة من حالات التدين الشكلى التى تهتم بالمظهر الدينى بعيدا تماما عن أى مضمون حقيقى للإيمان . فنجد التناقض كل التناقض بين هذا الشكل الدينى وبين الأعمال على أرض الواقع ونتائجها التى تظهر هذا التناقض وتفضح تلك الازدواجية . فعلى رجال الدين أن يدركوا جلال مهمتهم وعظمة دورهم بأن مهمتهم ليست عمل أو وظيفة يقتاتون منها ولكنها الايمان بهذا الدور كجزء من الايمان الشخصى الدين . فهل لنا أن نفتح باب الاجتهاد من أصاب له أجران ومن أخطأ له أجر واحد خاصة فيما يخص التراث الدينى هنا وهناك ذلك التراث الذى تحول إلى مقدس وهو ليس بذلك لأنه اجتهاد وممارسات بشرية قابلة للصواب والخطا. اخيرا وحسب نص الدستور الذى ينص على الشريعة الإسلامية . فهنا هذا لايعنى أن كل من هب ودب يصدر أحكاما وفتاوى ويتصورها قانونا يجب تطبيقه باسم الدين . ولكن القانون هنا يصدر من السلطة التشريعية طبقا لأحكام المحكمة الدستورية فيما يخص الشريعة . حمى الله مصر وشعبها العظيم ..