رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناقشوا الجذر الأصلى منْ تقبل بالطاعة تستحق الضرب

   
اندهشت كثيرًا وأنا أتابع الحديث الدائر حاليًا، بين عدة أطراف حول إباحة الإسلام لضرب المرأة الزوجة والذى يهدأ فترة ثم يعود ويشتعل مرة أخرى.
وهذه الدهشة بالمناسبة تصاحبنى دائمًا عند متابعة الآراء المتعلقة بجميع قضايا المرأة التى تخصها قلبًا وقالبًا منذ أن تولد وحتى تزف إلى القبر، منذ أن تستيقظ فى الصباح وحتى تنام فى المساء هذا إذا عرفت تنام أصلًا من المناخ الذى يحاصرها.
سبب الدهشة هو أن أغلب الآراء فى قضايا المرأة سواء تأتى من أطراف دينية، أو أطراف مدنية من رجالًا ومن نساء من مؤسسات رسمية حكومية أو من مؤسسات مستقلة، محلية أو عالمية، مراكز بحثية، وجمعيات نسائية وحقوق الإنسان نواب ونائبات فى البرلمان، إعلاميين وإعلاميات فى الأرض والفضائيات، من أشخاص فى مناصب مرموقة أو أشخاص على المقاهى كُتاب وكاتبات، كلها تتسم بقواسم مشتركة هى:
"التناقض، التجزأ، الترقيع، ركوب الموجة، تحقيق منافع"، إلى آخر الأغراض الفاسدة التى لا تحل شيئًا من جذوره ولا تصل إلى الآسباب الحقيقية وراء القضايا المثارة ولا تلمس من قريب أو من بعيد أصل الداء.
وهذا هو السبب أننا بالنسبة إلى قضايا المرأة نتحرك خطوة مرتعشة جزئية غير كاملة ثم لا نلبث سريعًا أن نتراجع عشرات الخطوات إلى الخلف، وبين كل فترة وأخرى يدور الحديث نفسه عن الأمر ذاته يأخذ نصيبه المعتاد من الصخب والفوضى وتبادل الاتهامات ثم ينطفئ كل شئ ونحن فى نفطة الصفر.
ويبدو أن هذه الطريقة فى التفكير، مغروزة فى ثقافتنا الموروثة ونحن نتعامل مع المشكلات والأزمات فى أى مجال، لكن الملاحظ أنها فى قضايا المرأة تصبح أكثر وضوحًا واصرارًا على عدم التغير، والسؤال لماذا.. لماذا مع ما يخص المرأة، نجد هذا الموقف المتكرر سواء فى قضية إباحة ضرب الزوجات أو غيرها؟ السبب هو أن "المرأة" فى ثقافتنا العربية الإسلامية، وفى الموروثات التى ندرسها ونقرأها وفى مقررات التعليم وفى اسلوب تربية الأسرة الأبوية وفى مفاهيم الشرف، وبنود قوانين الأحوال الشخصية ، والمواد الاعلامية ، واللغة الذكورية  التى نتحدث ونكتب بها، هى "كائن" غير مستقل بذاته، ليس حرًا بالفطرة، ليس كاملًا فى العقل والتمييز والأهلية، دوافعه شيطانية انتقامه بشع وكيده مرعب، "كائن" نجس مصافحته تنقض الوضوء، اسم المرأة عار، جسم المرأة من أول شَعرها حتى أظافر قدميها عورة، حركتها فضيحة، مشكوك فى نواياها وتصرفاتها.. المرأة ليست مخلوقًا فى ذاتها ولذاتها، لكنها مخلوقة من ضلع ذكورى أعوج، لامتاع الرجل بالنكاح الحاضر دائمًا وبالخدمة وطاعته دون نقاش.
والنتيجة هى المعلوم من الدين ومن الثقافة بالضرورة، أن "الوصاية" على النساء واجبة قبل أن يتحركن لابد من أخذ رخصة من الذكور الذين يحرسون موروثات الدين والثقافة والفضيلة، أما الهدف فهو كما يرسخه ويقننه ويشرعنه، المجتمع الصحراوى البدوى منذ 1400 عامًا هو أحكام الحصار والهيمنة الذكورية على المرأة، فهى "الفريسة" التى لابد من ابقائها داخل المصيدة و"الشيطانة" التى يجب تغطيتها وتأديبها واصلاح اعوجاجها، والقوامة عليها لنحمى الذكور من الغرائز المثارة بفعل المرأة ونحمى الأسرة من الفساد المغروز فى عقل وقلب المرأة، ونحمى أيضًا المرأة من شرور نفسها ونقص دينها وأخلاقها.
والتناقضات التى تسد عين الشمس، فى هذه الموروثات البدوية الصحراوية، هو كيف توصف المرأة، بأنها "الكائن الأضعف" ورغم ذلك فهى "القادرة" بمجرد اظهار خصلات من شِعرها، وإن كانت طفلة أن "تعفرت" غرائز وشهوات الرجال (الكائن الأقوى) تنسيهم تعاليم دينهم وتدفعهم بسهولة متجاهلين معصية الله وغضبه.
كيف تكون المرأة هى "الكائن الأضعف" الشيطانى، المدنس، المشبوه، ثم نعهد لها بالمسئولية عن "شرف الذكور" و"عرض الذكور" سواء قبل الزواج من الأب والأخ والعم والخال أو بعد الزواج من الزوج والذين يتباهون بالقتل والذبح، لاستعادة لشرفهم وعرضهم، إذا ظهر فى المشهد "ذكر" آخر؟
حتى القانون يعطى حكمًا مخففًا للزوج الذى قتل زوجته الزانية على فراش الزوجة هى وعشيقها لأن "شرفه" الموجود حصريًا فى جسد زوجته تمرمط فى الطين وعرضه مدفوع الأجر المهر والشبكة والعفش وباقى المصاريف قد استهزئ به على سريره الشرعى.
وكيف تكون المرأة هذا الكائن المشكوك فى شهادته أمام المحاكم وحسن تمييزه للأمور، تعطى أذنيها دون مقاومة، لتحريض إبليس على الرذيلة (المحصورة فقط فى النصف السفل من جسدها) هى "المسئولة" عن تربية الأطفال وتحديد نوعية رجال ونساء الدولة فى المستقبل؟ المهمة التى لا نتوقف عن تمجيدها وتبجيلها وتقديسها ومن أجلها تترك المرأة تعليمها وعملها إذا تعلمت وعملت؟
ثم كيف يكون الرجل هو الأقوى عقليًا ونفسيًا مكتمل الأهلية يحسن التمييز قادر على ضبط انفعالاته وهو "يرمى يمين الطلاق" فى لحظة غضب أهوج، بشكل شفوى على زوجته وأم عياله، لأنها تأخرت فى تحضير الغذاء، أو جريت لرؤية أمها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة أو ليس لها مزاج للنكاح أو بادلته الحجة بالحجة أو اكتشفت تحرشاته وخيانته وتعاطيه للممنوعات، ونكاحاته فى بيت دعارة وكسب المال من أعمال ضد القانون؟.
بكل بساطة المرأة تخوض حروبًا على جميع المستويات منذ الميلاد وحتى الموت، حرب ضروس لا تسمح لها بأن تكون "مواطنة" تملك نفسها وليست فى "فى عهدة" ذكر أو "على ذمة زوج" أو "فى كنف محرم" وأغلب الفقهاء الذين يقدسهم المسلمون والمسلمات أسسوا لهذه الحرب وخططوا لها قوانينها ومناهجها ومعاركها وأسلحتها، حرب كل شئ فيها مثل أى حرب، مباح حرب تأبى ألا أن ينتصر "الذكور" لأنهم "خلفاء الله فى الأرض".
الملفت للنظر والدهشة أن هذه الحرب التى تشحذ كل الأسلحة المعنوية والجسدية الممكنة وغير الممكنة المتجددة على مدى الأزمنة لابقاء المرأة داخل القفص الذكورى متاعًا مطيعًا للوطئ، غير متكافئة على الاطلاق.
وهذا تناقض آخر لا يناقش كيف المرأة هى "الأضعف" ولكنها فعليًا فى العرف والثقافة والموروثات الدينية هى "المحاصرة" بجميع الأسلحة؟، الإنسان الضعيف لا يحتاج إلى كل هذا الكم من  الأغلال والقيود والفرض والاجبار واتجمع الحشود الغاضبة ليبقى تحت السيطرة، هكذا يقول المنطق السوى.
بداخلى قناعة أن هناك خوفًا هائلاً من الذكور إذا تركوا المرأة حرة، تملك نفسها وقراراتها واختياراتها وعقيدتها وأخلاقها وتحدد مصيرها من الألف حتى الياء، كما يفعل الرجال ويكون لها الحقوق نفسها كاملة على جميع المستويات ، مثل الرجل.
لست أندهش من المرأة التى تدافع عن دونيتها وتحقيرها ولا تجد غضاضة فى أن يضربها الزوج وينفق عليها ويجبرها على الطاعة العمياء، وتتلذذ فى ترسيخ عبوديتها فى القرن الواحد والعشرين، هذه هى سيكولوجية المقهور الذى لا حول له ولا قوة ولا حياة له ولا أمان إلا باستدماج ثقافة وتصرفات القاهر.
أن تنفق المرأة على نفسها ولا تحتاج الرجل لكى تعيش حياة آمنة اقتصاديًا وأن تلفظ كلمة "معولة من الزوج" هى أول خطوة فى أن تنتصر المرأة فى الحرب الشنعاء المعلنة ضدها سلفًا قبل أن تولد، وهذا لن يتم إلا بثورة ثقافية عامة تشهدها البلاد كمشروع قومى يوحد الناس وتتبناه جميع أجهزة الدولة المدنية المستنيرة، التى تم تطهيرها وبنائها الثورة السياسية فى 30 يونيو 2013، أغلبنا يدرك أن الكثير من أجهزة ومؤسسات الدولة مازالت إخوانية وهابية سلفية وترسخ ذلك بغسل العقول عن طريق الإعلام الدينى و"بيزنس" الشيوخ والدعاة الإسلاميين ومطلقى الإشاعات البغيضة ضد مصر جنود الدولة الدينية الذكورية.
الثورة الثقافية هى الحل، هى التى ستخلق امرأة ترفض أن يمد ذكر يده عليها، حتى لو كان هو الذى يوفر اللقمة والهدمة وينفق على الأسرة، وأنا أعرف نساء كثيرات "على باب الله" كما يقولون ولا تملك شهادات ولا مهنة، لكنها تدرك بالحس الفطرى للكرامة الإنسانية أنها لا يجب "أن تُضرب" والعكس صحيح، هناك نساء مرموقات العلم والثقافة والمناصب لكنهن "يُضربن" من أزواجهن الذين هم أقل منهن علمًا وثقافة ومنصبًا.
الثورة الثقافية هى التى ستخلق رجلًا لا يقبل أن يمد يده على امرأة زوجته كانت أو أخته أو ابنته أو أمه ولا يقبل أن يكون للرجال حقوق مواطنة كاملة بينما النساء مغروزات فى القهر والتفرقة والازدواجيات الأخلاقية.
لى مطلب بشأن مناقشة قضايا المرأة، عندما يثار موضوع يخص النساء مثل ضرب الزوجات، نجد الجميع يدلى بدلوه إلا النساء أنفسهن، كيف ذلك وهن اللائى يُضرين وتتم اهانتهن والحرب تخاض ضد إنسانيتهن الكاملة وضد شعورهن بالمواطنة الشاملة العادلة؟.
نحن فى القرن الواحد والعشرين ومازلنا نعتبر جنس النساء "تحت خط الإنسانية" كل ما يخص "أنسنة المرأة" ومعاملتها على أنها "مواطنة" درجة أولى نحيلة إلى النقاش فى الإعلام والقضاء والبرلمان والأزهر، هذه إهانة علنية لا تستحى، ما معنى أن نخضع "ضرب الزوجة" للنقاش والجدل واصدار فتاوى؟ لا أعتقد أننا سنطلب فتاوى ونقاشا وجدلًا لو كنا نطرح قضية "ضرب الحيوان" أن أنثى الحيوان، تتجول فى الغابة كما يحلو لها ولا تأخذ أذنًا من "الذكر".
لكن أنثى الإنسان "المرأة" أول واجباتها المقدسة هو طاعى الذكر وعدم التحرك إلا بإذنه وموافقته، وهى تعتبر "ناشزًا" إذا لم تطع وتحصل على الإذن والتصريح المختوم بمباركة الزوج، وهو إذن مشروط بوقت محدد ويوم محدد، يقرره الزوج وإذا أصبحت "ناشزًا" وجب تطبيق كل عقوبات النشوز بأريحية كاملة واطمئنان أن شرع الله بخير لم يفرط فيه.
أما الرجل الناشز لا تضربه المرأة ولا تعاقبه، ما هذا التمييز الكريه الذى تحمله الأجيال عبر الأزمنة؟ وأخيرًا وليس آخرًا أقول بديهية من البديهيات الغائبة، المنسية عن جهل أو عن عمد، الحر من الرجال لا يُضرب، الحرة من النساء لا تُضرب، وفى الأسر العادلة السوية التى تخلصت من الإرث الذكورى الموروث الأطفال لا يُضربون، إناث وذكور.
يقولون أن الإسلام لا يقبل بضرب انسان إنسانًا وهذا صحيح، لأن المرأة فى الموروث الدينى، ليست "إنسانة" هى تابعة مطيعة، للزوج الذكر المعقد من المناقشة المنطقية ويحمل رجولته وفحولته على رأسه مثل بطحة لا تحتمل المساس بها.
الجوارى والعبيد يضربون من "المالك" الذى اشتراهم بالمال، هم ليسوا بشرًا فالبشر غير قابلين للبيع والشراء، والزوجة تضرب من "الزوج" الذى امتلكها أيضًا بالمال واشتراها بالمهر فى سوق الزواج متسلحين ومتنمرين بشروط الذكور وسلطاتهم المطلقة فى الزواج والطلاق والخيانة والمعروف الذى يفعله "ليستر الأمر فى بيت العدل".
"مراتى وأنا حر فيها".. "الست بتاعتى" هذه مقولات شائعة وسائدة والناس يؤمنون بها بل ويقدسونها، الجذر الأصلى ألا وهو فرض "الطاعة" على النساء وعلى الزوجات واعتبارهن ناقصات وجبت عليهن الوصاية والرقابة والاقصاء واللاصلاح والتأديب والتهذيب وألا ضاعت الأسرة وتأريف الزوج وتشرد الأطفال وفسد المجتمع واندثرت الفضيلة.