رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كمال زائف.. وغيرة مدمرة!

يندفع الكثيرون إلى تقليد نماذج يرونها حققت نجاحًا مبهرًا على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، آملين في جني أرباح طائلة أو تحقيق شهرة، وهذا ما يطلق عليه خبراء علم النفس والاجتماع "غيرة السوشيال ميديا".

وتلك الظاهرة بالغة الخطورة على الصحة النفسية، خصوصًا الأطفال والمراهقين، كما تمس الأمن المجتمعي، لأنها تدفع الحالمين بالثراء السريع إلى تقديم تنازلات، أو التورط في جرائم دون وعي منهم، ولدينا ما يكفي من القضايا لشباب وشابات تم الحكم عليهن بالسجن لهذا السبب!

لا يدرك كثير من الآباء تبعات هذه الظاهرة، بل لا يستطيعون تمييز أثرها المباشر على أبنائهم، ويعتقدون أن تعرض الابن أو الابنة للاكتئاب أو انعزاله عن بقية أفراد الأسرة، أمر طبيعي مرتبط بطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها!

والواقع الذي يجب أن يدركه كل أب وكل أم أن الطفل أو المراهق يقارن نفسه بالنماذج التي يراها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكون عادة زائفة الكمال!

ولك أن تتخيل مراهقة في مقتبل العمر ترى نظيرتها على إحدى المنصات تتمتع بجمال أخاذ أو رشاقة غير اعتيادية، فيما أن هذه المراهقة لا تتمتع بالسمات نفسها، فتسيطر عليها قناعة بأن النموذج الذي تشاهده هو القاعدة، فيما أنها تمثل الاستثناء فتحترق داخليًا، وتكتئب أو تنجر إلى علاقات غير مشروعة، معتقدة أنها سوف تحصل على استحسان الآخرين بهذه الطريقة!

رصدت شخصيًا حالات لمراهقين، أصبحوا أكثر حدة، وتعاملوا مع ذويهم بعدوانية مفرطة، لعدم توفير متع ووسائل رفاهية يرونها مع أقرانهم، مثل هاتف حديث، أو رحلة إلى بلد ما. 

ويكون الوضع أسوأ كثيرًا إذا كان القرين من العائلة ذاتها، فتتولد لديهم قناعة بأن آباءهم مقصرون أو فاشلون، ومرد ذلك إلى أن حياتنا صارت مستباحة على تلك المنصات، ولا يدرك معظمنا أن ما ننشره حول نمط حياتنا من صور أو فيديو أو منشورات يؤثر بالسلب على آخرين، ويشعل نارًا في مكان آخر!

يعكف خبراء علم النفس والاجتماع في كثير من الدول المتقدمة على تحليل أسباب "غيرة السوشيال ميديا" والبحث عن حلول لها، في ظل إقدام أطفال ومراهقين على الانتحار بسبب شعورهم بالنقص وإحساسهم أن حياتهم لن تتبدل، لأن هذه المنصات لا تعرض لهم سوى الجانب البراق في حياة غيرهم!

بل صرنا نرى أزواجًا وزوجات يظهرون في مقاطع بالغة السخافة والتدني لاجتذاب المتابعين وتحقيق أعلى المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب سمعتهم وكرامتهم الإنسانية والشخصية!

هذه الظاهرة تستحق الاهتمام على مستوى الأسرة في النطاق الضيق، ومن جانب الدولة وفق منظور أشمل وأعم، لما لها من تأثير سلبي على الفرد والمجتمع..

ومن الضروري أن يكون الآباء أكثر قربًا من أبنائهم، والاهتمام بتفاصيل حياتهم، لرصد أي تغير في سلوكياتهم، وعدم التعامل بلا مبالاة حال إحساسهم بأن الابن أو الابنة يجنحان إلى الانطواء، أو يتصرفان بعدوانية، فهذه مؤشرات لتبعات أكثر خطورة، فلا تتركوهم ضحايا لهذه المنصات دون تحصين وحماية. 

  • محام بالنقض- مستشار قانونى أول بدبى