رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب العالمى

كان فى نيتى أن أكتب عن حدثين أرى أنهما يستحقان الحفاوة، الأول هو نجاح مصر فى تنظيم معرض القاهرة الدولى للكتاب فى توقيت صعب على الجميع بسبب وباء «كورونا»، وأسباب أخرى تشهدها بلدان عربية شقيقة، وبعد ستة أشهر من الدورة السابقة، خلق المعرض هذا العام حالة طيبة وتوافد عدد كبير جدًا من الأشقاء العرب إلى القاهرة بعد سنوات ليست قليلة من الغياب، المكان الجديد رائع ومنظم ونظيف، وتوجد رغبة حقيقية للنجاح، توجد آلاف العناوين الجديدة، وتوجد أنشطة مصاحبة لا بأس بها، نجاح المعرض هذا العام هو انتصار للدولة المصرية التى واجهت تحديات صعبة فى السنوات العشر السابقة، وتجاوزت معظمها بفضل الله ورغبة المصريين فى استرداد جزء من هيبتهم الثقافية، الحدث الثانى هو نجاح المنتخب الوطنى لكرة القدم فى الوصول إلى المربع الذهبى لبطولة الأمم الإفريقية المقامة حاليًا فى الكاميرون، المتشائمون تلقوا درسًا عظيمًا، بفضل مجموعة من الشباب بقيادة النجم الكبير محمد صلاح، قرروا التعبير عن أنفسهم وعن أهلهم وعن وطنهم بطريقة مدهشة ومباغتة، يعلم هؤلاء الشباب حاجة الناس للفرح، لم يلتفتوا لسماسرة المناخ الرياضى الذين وقفوا بالمرصاد لهم، نجح هذا الجيل فى التعبير عن روح نقية موجودة قادرة على صنع المعجزات، وأنا متردد فى الكتابة قرأت مقالًا نُشر فى موقع الإندبندنت العربية كتبه الناقد والمفكر الجزائرى، أمين الزاوى، الخميس الماضى، يرى فيه أنه «على مدى ١٤ قرنًا من الكتابة، لم تنتج الثقافة العربية الأدبية سوى ثلاثة كتّاب عالميين هم: جبران خليل جبران ونجيب محفوظ وأدونيس، أما البقية فيظلون كُتّابًا محليين لا يتعدى تأثيرهم حدود قراهم أو مدنهم أو فى أبعد الحالات بلدانهم، ولا تمثل كتاباتهم أى تأثير فى القارئ العالمى فى السويد أو اليابان أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين أو روسيا، ولا تشكل إضافة إلى المخيال الإنسانى»، المقال الذى نشره الشاعر السورى الكبير أدونيس على صفحته على «فيسبوك»، يكشف عن إحساس بالفشل، وعدم تقدير لمجمل الثقافة العربية بوجه عام، لن أتحدث عن تكريم اليونيسكو للشاعر الفلسطينى محمود درويش عام ١٩٩٧ فى فرنسا، وكذلك تكريم الكاتب المغربى الطاهر بن جلون بجائزة «غونكور» الفرنسية، وتكريم القاص السورى رفيق شامى فى ألمانيا بمنحه جائزة «كاسيمو» وغير ذلك من أعمال التكريم، وحصول أمين معلوف على أحد مقاعد الأكاديمية الفرنسية، ولا عن ترجمة أعمال الشاعر عبدالرحمن الأبنودى الكاملة إلى الإسبانية بعد رحيله، ولا عن الطيب صالح ويوسف إدريس وفؤاد التكرلى وجمال الغيطانى وصنع الله إبراهيم، وعشرات غيرهم، نعرف جميعًا أن عددًا كبيرًا من الذين تترجم أعمالهم ويتجولون فى مؤتمرات الغرف الضيقة حول العالم وبتمويل من جهات لا تعنيها الثقافة العربية أصلًا، والذين يتعاملون على أنهم أصبحوا «عالميين» هم ضحايا وهم كبير، مفادة أن الغرب يريد أن يفتح حوارًا معنا، وأنه مهتم بما ننتجه، الغرب يعيش أزمة روحية حقيقية منذ عقود، ويتعالى على شعوبنا، هو يريدنا مستهلكين فقط، فى الوقت الذى تشهد فيه بلدان كثيرة طفرات فى الإبداع الروائى والشعرى تفوق ما ينتجه، هو يترجم فقط الأعمال التى تثبت الصورة النمطية عن مجتمعاتنا التى رسمها المستعمرون فى الماضى لتبرير استعمارهم لنا، ومصطلح «عالمية الأدب» يرجع الفضل فى ظهوره للشاعر الألمانى «جوته» فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كانت صياغة المفهوم من قبل «جوته» تبحث عن المشترك الإنسانى بين الثقافات، فى عصر بدأت تتغلغل فى أركانه ثورة صناعية ناهضة أحدثت نقلة فى تطور وسائل النقل والطباعة والنشر، رأى «جوته» أن عصر الآداب القومية قد ولى، وأن هناك عصرًا جديدًا بدأ يتشكل ويتخطى الحدود القومية الضيقة للغات والآداب، ما طرحه «جوته» لم تهتم به مدارس كالتاريخية التى كانت مشغولة باستكمال مسيرة تاريخ الآداب القومية عبر دراسة علاقات التأثير والتأثر التى نشأت بين تلك الآداب، وبرزت «المدرسة النقدية» الأمريكية التى اشتركت مع الماركسية فى دعوتها لدراسة الأدب دراسة نقدية دون التقيد بالحدود اللغوية والثقافية للآداب، انطلاقًا من كون الظواهر الأدبية الكبرى، لا تنحصر فى أدب قومى واحد، بل تتعداه إلى آداب مختلفة، لم تتحرر المدرسة النقدية الأمريكية، من المركزية الأوروبية التى صبغت مفهوم الأدب العالمى بوصفه أدبًا غربيًا صرفًا، وهى وقعت فى إشكالية تعريفها للأدب العالمى فأخضعته لمركزية أوروبية بعيدة كل البُعد عن العالمية الحقة، وهو الذى همش دور آداب شعوب العالم الثالث، بصورة غير متوازنة ومجحفة، فرضت الهيمنة على آداب الشعوب الأخرى، ويرى الباحث عثمان حسن أنه «لا يزال النقد الغربى يتعامل مع الآداب الأخرى بوصفها ظلالًا لمجتمعات وشعوب متناحرة، وغير نامية، وهى بكل الأحوال نظرة سطحية وتخضع فى كثير من الأحيان لاشتراطات السوق وهيمنة السياسة، والبعد (ما بعد الكولونيالى) الذى يخضع الأدب، لاعتبارات غير ثقافية، وفيها مؤثرات من العولمة الثقافية، فهناك حتى الآن، عدة محافل ثقافية غربية، تصدر عنها آراء وتصريحات نقدية، تنظر إلى الأدب العربى، بوصفه أدبًا غير ناجز، يعود إلى مرحلة تاريخية وفلكلورية لم تستطع بعد أن تخاطب العالم، أو تقف على تماس مع جوهر الأدب».. ومع هذا تجد شخصًا تعرفه جيدًا يقدم نفسه للآخرين بحماس قائلًا: أنا كاتب عالمى!