رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أصحاب ولا اعز بين الفن والاخلاق

عرف الإنسان الأخلاق ومنذ البداية بشكل فطرى . وذلك قبل الأديان سماوية كانت او وغير سماوية نتيجة لتراكم العادات والتقاليد والثقافات المتعددة التى خلقت الضمير الجمعى فى المجتمعات الإنسانية . ذلك الضمير الذى يحدد المقبول والمرفوض من السلوكيات والممارسات الإنسانية فى مجتمع ما. وهذا يعنى أن تعريف الأخلاق وممارساتها تختلف من زمن لآخر ومن مجتمع لآخر . وبالرغم من أن الأخلاق بشكل عام هى سمة عامة تشترك فيها كل الأديان ولكن هذا لا يمنع من وجود ثقافات خاصة فى كل مكان تعطى تلك الأخلاق شكلا وأسلوبا وممارسات مختلفة من مجتمع لمجتمع اخر . وهذا يعنى أن الأخلاق بشكل عام لايوجد لها مسطرة واحدة أو قياسا واحدا يمكن القياس عليه فى كل زمان وكل مكان أو فى كل المجتمعات . ولذلك نرى أن هناك ممارسات وعادات وتقاليد تمارس فى أفريقيا لاتتناسب مع الإسلام فى أماكن اخر . كذلك نرى ممارسات أوربية لاتتناسب مع قيم مسيحية فى دول ومناطق أخرى. وهذا بالطبع غير الثوابت الدينية التى لاتحتاج إلى تأويل . كما أن هناك ممارسات تخضع لتقييم الأخلاق الدينية فى مجتمع ما ولكن نرى البعض يمارس نقيضها نتيجة لظروف خاصة أو عامة تأثر بها فاحدثت لديه ميول وممارسات لاتتوافق مع مجمل العادات الخلقية فى الوقت الذى يعرف فيه تماما ماتقوله الأديان وماتحتمه الأخلاق . أما الأمر الآخر هو دور الفن . فهل دور الفن وعظى وكأننا فى المسجد أو الكنيسة ؟ بالطبع ليس هذا هو دور الفن . ولكن الفن هو مرآة للواقع المعيش بمشاكله وانحرافاته بايجابياته وسلبياته باماله وطموحاته . وهنا بالطبع الأمر لايعنى تصوير السلبى والمرفوض بهدف تدعيمه أو تكريسه أو نشره أو العمل على الاقتناع به . هذا ليس دور الفن . ولكن الهدف من تصوير الواقع فى الإطار الفنى هو التعلم والتنبيه بصوت مرتفع للمشاهد أن يتعلم من الايجابيات وان يتجنب ويبتعد عن كل السلبيات . كما أننا لايجب أن نحاسب الفنان على مايقوم به من أدوار على أرضية الاخلاق التى نقتنع بها . ولكن يتم التقييم على إجادة الفنان فى أداء الدور كما ينبغى لكى يحدث التأثير المطلوب . فالفنان الذى يؤدى دور  الشرير أو الفاسق أو المدمن ..الخ ليس هو ذات الشخص فى الواقع الفعلى أو هذه هى شخصية الفنان المؤدى. وهذا يعنى أن النقد الفنى لايكون على أرضية الاخلاق الا لكى نستفيد من العمل لترسيخ هذه الأخلاق . فالنقد الفنى أدواته الأساليب النقدية وعلى أسس فنية . لأن تقييم الأخلاق وما ينبغى أن يكون فهذا يتم على أرض الواقع وعلى الفعل غير الأخلاقي الذى لايتناسب مع المقبول اجتماعيا . أما فيلم ( أصحاب ولا اعز) . فهذا فيلم ايطالى الاصل أنتج عام ٢٠١٦ وحاز على جوائز عديدة وحصد ملايين كثيرة لانه يتوافق مع العادات والتقاليد الإيطالية التى لاترى خجلا من أن يعرف اب أن ابنته ذاهبة إلى عشيقها !!! . وأمثلة ذلك كثيرة . تم إعادة الفيلم لبنانيا لكاست لبنانى عدا الفنانة منى زكى . يعرض على منصة عالمية لاتشاهد بغير اشتراك . اى لاوصاية قانونية لنا على مثل هذه المنصات . الاهم والأخطر أننا فى زمن سقطت فيه الحواجز الجغرافية والأخلاقية والقيمية تحت تأثير مايسمى بالعولمة نتيجة لسيطرة مايسمى بالوسائط الاجتماعية ( فيس بوك وأمثاله) . وهذا يعنى وبدون مراوغة أننا وأطفالنا والجميع رهن تلك الوسائل وللاسف فى جانبها السلبى جدا. خاصة عند المواقع الجنسية !!!!! التى لاضابط لها مع أطفالنا وأولادنا . أى أن الجميع بصورة أو أخرى يشاهدون الأصحاب وغير الأصحاب فلا يجب أن ندفن رؤسنا فى الرمال . فالقضية ليست الهجوم على الفيلم أو منى زكى . فما شمله الفيلم عرض قبل ذلك فى أعمال فنية مصرية . إذن فالهجوم لايحل مشكلة ولايقوم سلوكا ولايرسخ أخلاقا . وبدون استغراب لماذا لكل من شاهد أن يستفيد من السلبيات التى لانقبلها؟ مثلا خلع منى الاندر لم يتم فى الواقع ولكن تم وكأنه قد تم . والأهم أن هذه الشخصية تقوم بعلاقة افتراضية على النت مع غير زوجها لمشاكل فى العلاقة الزوجية . فهل لايوجد مثل هذه المشاكل وتلك الممارسات ؟ المجتمع وكل مجتمع يموج بمثل هذه الممارسات الشاذة ومنذ آدم بل الكتب السماوية قد ذكرت بشكل طبيعى يتسق مع مصداقية الحياة مثل هذه الممارسات . أما أن  نتحدث عن الدين والأخلاق الدينية وكان الفن حرام والفنانين فسقة فهذا تشدد له اتباعه المؤمنين به وهم احرار . يشاهدون أو لايشاهدون . كما أن من يريد الا يشاهد فلا يجب أن يفرض اختياره على من يريد المشاهدة والعكس صحيح . اشترك أو لاتشترك فى المنصات العالمية . شاهد أو حول الريموت . وهذا لايعنى اننا نقبل بصورة أو بأخرى العبث بالاخلاق أو القيم ولكن عمليا نحن نعيش الانفتاح العالمى الذى فرض علينا بل سيفرض علينا اخطر واخطر من ذلك لما لا يقاس . فهل لدينا الخطط والرؤى التى نحمى بها اولادنا ؟ هل لدينا إمكانية محاصرة تلك المنصات ؟ هل يقوم التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية عمليا مع هذا المتغير الحديث والغير تقليدى؟ هل يوجد الآن وبشكل عام دور الأسرة فى التربية والارشاد للاطفال مع زمن النت ؟ الأسئلة كثيرة والأمر خطر ويحتاج إلى مجهود جماعى ومؤسسى ومنزلى وتربوى . فلا الهجوم والنقد وإسقاط الفن ودوره سيقضى على الواقع الذى نعيشه قبلنا أو لم نقبل . حمى الله مصر وشعبها العظيم من كل مايسقط قيمنا وتقاليدنا التى يجب أن تعى المتغيرات العالمية .