رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جلال الشرقاوى.. ٧٠ عامًا من الفن

جلال الشرقاوى
جلال الشرقاوى

هو واحد من أهم رواد المسرح المصرى فى العصر الحديث، ويعتبر بحق صانعًا للنجوم، لِمَ لا؟ ومسيرته المسرحية الكبيرة تتضمن إخراجه قرابة الـ٥٠ مسرحية، وتضم هذه القائمة مجموعة من روائع المسرح المصرى على مدار تاريخه، إلى جانب مشاركته بالتمثيل فى ٩٠ عملًا سينمائيًا ودراميًا، وتقديم القصة والسيناريو والحوار لـ٦ أعمال فنية. 

الفنان والمخرج الكبير جلال الشرقاوى يعيش محنة صحية فى الوقت الحالى، بعد إصابته بفيروس «كورونا المستجد» قبل أيام، ودخوله العناية المركزة فى أحد المستشفيات. 

وعلى عكس حالات الإصابة بالفيروس فى الوقت الحالى، التى تتراوح بين الخفيفة والمتوسطة، يعانى المخرج الكبير حالة حادة من الفيروس، مع استمرار عينته «إيجابية»، وسط تأكيدات من أسرته بأن تحسن حالته طفيف للغاية.

عاش طفولته فى مسرح «إيزيس».. وفصَّل «روب محاماة» لتقديم دور فى ابتدائى

ولد المخرج الكبير جلال الشرقاوى فى منطقة «السيدة زينب» بالقاهرة، فى ١٤ يونيو من عام ١٩٣٤، وبالتالى هو من الجيل الذى عاصر الكثير من المشكلات السياسية والاجتماعية، بداية من الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها التى خيّمت على العالم كله.

عشق «الشرقاوى» الفن منذ صغره، خاصة مع وجود شقيقه الأكبر «حلمى»، الذى كان رئيسًا لفريق التمثيل فى مدرسة الهندسة التطبيقية، وعضوًا فى إحدى الفرق المسرحية، فضلًا عن نشأته فى شارع «قدرى باشا» بحى «السيدة زينب».

فى هذا الشارع عاش رجل اسمه «الحاج مصطفى حفنى»، كان له مسرح باسم «برينتاليا» فى شارع «عماد الدين»، وبعد هدمه وجد أرضًا فضاء فى شارع «قدرى باشا» وبنى مسرحًا جديدًا باسم «إيزيس»، مثّل على خشبته فنانون كبار مثل جورج أبيض وفاطمة رشدى وعلى الكسار وفؤاد الجزايرلى.

وكان لـ«الحاج مصطفى» ابن اسمه «مختار» فى نفس عمر جلال الشرقاوى، وهو السادسة، وسكن الطفلان فى بيتين متقابلين، ما أتاح لـ«الشرقاوى» أن يتربى فى كواليس مسرح «إيزيس»، الذى أصبح فيما بعد «سينما إيزيس».

ورأى «الشرقاوى» معظم أعمال يوسف وهبى على هذا المسرح، وشاهد الموكب الذى تواجد فى الشارع قبل العرض بساعتين انتظارًا لـ«يوسف وهبى باشا» لتحيته، قبل وبعد العرض، فانبهر فى طفولته بهذا العالم الساحر، والشخصيات المجسدة عن طريق الممثلين.

تزامن هذا مع دخوله مدرسة «محمد على الابتدائية»، وهناك اكتشف مُدرس اللغة العربية أنه فصيح وقارئ جيد ويجيد الخطابة، ومن هنا شارك فى «التمثيليات» التى تتضمنتها حفلات السمر المقامة فى المدرسة.

وفى الصف الثالث الابتدائى، وكان لا يزال ابن التاسعة، اختاره معلمه للمشاركة فى مسرحية «مصر تتحدث عن نفسها»، وكانت كل شخصية فى هذا العرض تتحدث عن مهنة معينة، وكان دوره «المحامى».

فى البروفة النهائية لهذا العرض، لاحظ أن مصر يُجسدها طفل يرتدى ملابس بيضاء مميزة، والضابط يرتدى بدلته المعتادة، بينما هو بزيه المدرسى العادى، فما كان إلا أن جاء بـ«ستارة سوداء» من مطعم المدرسة، وطلب من والدته حياكتها له كـ«روب محاماة». 

وعندما دخل المدرسة الخديوية الثانوية، كان أول ما سأل عنه هو فرقة التمثيل، فوجد ما تسمى «فرقة النشاط»، التى كانت تضم ٢٢ نشاطًا إلى جانب التمثيل، مثل الخطابة والشعر، وبالفعل التحق بها لمدة ٥ سنوات، «الثانوية وقتها كانت ٥ سنوات».

حرص «الشرقاوى» على المشاركة فى غالبية هذه الأنشطة، حتى إنه كان يغادر المدرسة فى السادسة مساء كل يوم، ووصل إلى رئاسة الفرقة، وكان معه الكثير من المشاهير الحاليين، مثل فاروق الدمرداش وإسماعيل عزمى والمخرج أحمد الدمرداش وأحمد طنطاوى وأنور إسماعيل وعادل مأمون وأحمد غانم، وغيرهم ممن كانوا زملاءه فى الثانوية.

قدم «الشرقاوى» خلال هذه الفترة الكثير من العروض المسرحية، وفى الصفين الرابع والخامس الثانوى كان يحفظ «مصرع كليوباترا» و«مجنون ليلى»، وغيرهما من النصوص.

وبعدما أنهى الثانوية، كان أمام جلال الشرقاوى دخول كلية العلوم، سواء فى جامعة الإسكندرية أو القاهرة، لكن والده خاف من عيشه بمفرده فى الإسكندرية، فاختار له علوم القاهرة.

وكما فعل فى الثانوية، بمجرد دخوله «علوم القاهرة» سأل «الشرقاوى» عن فرقة التمثيل، على الرغم من أنه كان متميزًا فى الدراسة أيضًا، وبالفعل أصبح عضوًا فى فرقة «الكوميدى» الجامعية، التى كان يرأسها الفنان الكبير فؤاد المهندس، وكذلك فى فرقة «المسرح الجامعى» برئاسة على بدران.

مع فؤاد المهندس قدم «الشرقاوى» كل مسرحيات نجيب الريحانى، بينما قدم مع «بدران» مسرحيات: «هاملت» و«الملك لير» و«فى سبيل الحرية».

فى هذه الفترة ظهرت فكرة «قطار الرحمة» التى تتضمن تقديم الفنانين عروضًا فنية لجمع تبرعات لصالح الأعمال الخيرية، وعلى رأسهم شادية وفاتن حمامة، ففكر «الشرقاوى» فى المشاركة من خلال الفرقة الجامعية.

وبالفعل اختار رواية اسمها «فى سبيل التاج»، وقرر تقديمها باسم «فى سبيل الوطن»، وبدأ فى البحث عن نجمة كبيرة تشارك معه لجمع أموال والتبرع بها لـ«قطار الرحمة»، فاقترح أحدهم فاتن حمامة، وتواصلوا معها فقبلت على الفور، لتبدأ «البروفات» فى المدينة الجامعية، وتُقدم المسرحية على مسرح «الأزبكية»

أخرج 50 مسرحية ومثّل 90 فيلمًا ومسلسلًا.. وأنتج وألّف العديد من الأعمال الخالدة

فى ظل دراسته العلوم بجامعة القاهرة، عمل جلال الشرقاوى مدرسًا للكيمياء داخل إحدى المدارس الثانوية، لمدة ٣ سنوات، براتب بدأ بـ١٦ جنيهًا ثم ارتفع لـ٢٤.

لكن «الشرقاوى» كان يحلم منذ الطفولة وفى كل مراحله العمرية بالدخول إلى معهد الفنون المسرحية، لكن والده رفض الأمر تمامًا، وطلب منه الانتهاء من دراسته الجامعية، وهو ما وافق عليه عن اقتناع، معتبرًا أن دراسته الجامعية بعيدًا عن التخصص مهمة جدًا، لأنها ستتيح له استخدام المنهج العلمى فى التفكير.

بعد التخرج فى كلية العلوم، رفض العمل معيدًا أو مهندس بترول، والتحق بالعمل- كما أسلفنا- مدرس كيمياء لمدة ٣ سنوات، ثم التحق بالدراسة فى معهد الفنون المسرحية، وذلك فى الفترة المسائية، بينما كان يعمل ممثلًا إذاعيًا فى الصباح.

بعد التخرج فى معهد الفنون المسرحية عُرض على جلال الشرقاوى العمل معيدًا فى المعهد، وكذلك العمل مديرًا لمسرح «توفيق الحكيم»، لكنه خرج ضمن بعثة لدراسة التمثيل والإخراج فى روسيا، تقدم لها عدد كبير من الخريجين، وخضعوا لاختبارات صعبة، لكنه اجتازها فى الإخراج والتمثيل، فاختار الإخراج.

لم يحب «الشرقاوى» الدراسة فى موسكو لأسباب فنية وسياسية، وتحولت بعثته إلى باريس، وهناك حرص على تعلم الإخراج بشكل احترافى أكثر من فكرة الحصول على الشهادة، وبالفعل تعلم بشكل عملى فى السينما والمسرح، وحصل على دبلوم إخراج من معهد «جوليان برتو» للدراما عام ١٩٦٠، ودبلوم إخراج من المعهد العالى للدراسات السينمائية من فرنسا عام ١٩٦٢ قسم إخراج.

بعد العودة إلى مصر بدأ جلال الشرقاوى رحلته الاحترافية، وفاضل بين العمل مدرسًا فى معهد الفنون المسرحية، أو مخرجًا بالفرق المسرحية فى التليفزيون، ففضل العمل فى المعهد.

لكن أتيحت له فرصة للإخراج فى التليفزيون عن طريق سيد بدير، الذى كان يرأس فرق التليفزيون، فساعده فى ذلك، وكانت البداية من خلال إعداد مسرحية عن رواية، لكنها لم تعجبه، فقابل «بدير» وأخبره. ولم يمر أكثر من أسبوعين إلا وقابل سيد بدير مرة أخرى، فأعطاه الأخير رواية أخرى من تأليف أنيس منصور اسمها «الأحياء المجاورة»، وما إن قرأها حتى أعجبته وقرر إخراجها، لينطلق إلى عالم الفن بشكل احترافى.

مشوار الفنان الكبير والمخرج جلال الشرقاوى ملىء بالنجاحات، ففى المسرح أخرج قرابة الـ٥٠ مسرحية، كان آخرها مسرحية «دنيا حبيبتى»، إلى جانب العديد من الأعمال المهمة، مثل: «مدرسة المشاغبين، والخديوى، وقصة الحى الغربى».

وشارك «الشرقاوى» بالتمثيل فى نحو ٩٠ عملًا، منها أفلام: «أمهات فى المنفى»، و«خلّى بالك من عقلك»، و«الخاتم»، ومسلسلات: «الماضى يأتى غدًا» و«أيام المنيرة».

كما كتب القصة والسيناريو والحوار لفيلمى «إلى أين» و«أعظم طفل فى العالم»، ومسرحيات: «دبابيس» و«طبيب رغم أنفه» و«المتحذلقات» و«لعبة كل يوم»، علاوة على إنتاج فيلم «موعد مع القمر» ومسرحية «الجوكر».