رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبيل فهمى: لم أكن أنوى العمل فى «الخارجية» بسبب السفر المستمر

وزير الخارجية السابق
وزير الخارجية السابق نبيل فهمى

مجهود كبير بذله وزير الخارجية السابق نبيل فهمى فى كتابه الأحدث «فى قلب الأحداث.. الدبلوماسية المصرية فى الحرب والسلام وسنوات التغيير»، الصادر عن دار «الشروق» للنشر، إذ استطاع الكشف بدقة عن التحديات التى تواجه مصر. فى ٣٤١ صفحة استطاع «فهمى» أن يستعرض نصف قرن من الأحداث الدولية والإقليمية والوطنية، تابعها عن قرب بصفته مواطنًا طموحًا وشاهدًا مباشرًا وممارسًا دبلوماسيًا ومسئولًا سياسيًا، وكشف عن رؤيته لعدة أحداث من زوايا مختلفة، مستعرضًا أفكاره وتجاربه من خلال تسجيل وتقييم الوقائع التى شاهدها أو شارك فيها، دون مواربة ولا مجاملة.

يحتوى الكتاب على مقدمة و١٣ فصلًا وعدة ملاحق لمسودات، كمبادرة إعادة عقد مؤتمر جنيف للسلام، والمسودة الإسرائيلية لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، والمسودة المصرية لمعاهدة السلام ١٩٧٧، ونقاط النقاش حول موضوع القدس، ووثيقة موراتينوس، وغيرها، فضلًا عن ملحق لصور جمعت «فهمى» بعدد من الوزراء ضمن المؤتمرات التى حضرها.

فى الفصل الأول، الذى جاء بعنوان «بين المسار الشخصى والمهنى»، تحدث نبيل فهمى عن المراحل الأولى من حياته، قائلًا: «ولدت فى مدينة نيويورك فى العام ١٩٥١ للسيدة عفاف محمود والسيد إسماعيل فهمى، الذى كان عضوًا دبلوماسيًا فى البعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة، وتزامن هذا مع عصر التحولات العالمية والإقليمية والوطنية».

وتابع: «نشأت فى بيت كانت فيه الشئون الدولية جزءًا من الحياة والغذاء اليومى، وفى بداية عصر ملىء بالمتغيرات الداخلية والدولية، وفى ظل تقاليد عائلية اعتبرت العمل الحكومى والخدمة العامة شرفًا ومسئولية، وبعد فترة تردد أولية عدلت عن طريقى وعقدت العزم على اختيار المسار نفسه لمستقبلى المهنى وحياتى المستقبلية».

كان لهذه التربية أثر كبير فى مشوار نبيل فهمى المهنى، وهذا ما أكده: «تربيتى جعلت الدبلوماسية الدولية الرفيعة جزءًا من نمط حياتى، وغرست لدىّ اهتمامًا بمتابعة تلك القضايا مبكرًا، وجعلت مقابلة الشخصيات المرموقة والسياسيين الكبار أمرًا طبيعيًا ومعتادًا، ورسخت لدىّ مبدأ شدد عليه الوالد دائمًا، وهو أن الخدمة العامة أمانة غالية ومسئولية جسيمة».

واستطرد: «سمحت لى تجارب ونجاحات الوالد بالتجوال فى بلاد العالم وربوعها، وتعرضت واستفدت من التنوع الفكرى والثقافى الذى ينشأ فيه أبناء الدبلوماسيين، وهو أمر محمود بالفعل، لكنه لا يخلو من بعض التحديات أيضًا، فأغلبهم إما ينشأون مهووسين بالعمل الدبلوماسى، وإما رافضين له تمامًا ويفضلون عليه ظروف عمل أكثر استقرارًا، ويوفر عائدًا شخصيًا مباشرًا لمجهودهم فيه».

وأكمل: «وجدت نفسى فى مسافة متوسطة بين النقيضين؛ إذ كنت مولعًا بالشئون الخارجية، لكننى لم أكن أنوى العمل فى المجال الدبلوماسى بسبب الضغوط المرتبطة بالسفر المستمر والتنقل الدائم».

مسيرة طويلة خاضها «فهمى» منذ تخرجه فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، كالتحاقه برئاسة الجمهورية اعتبارًا من فبراير ١٩٧٤، وبدأ وظيفته فى وزارة الخارجية فى مارس ١٩٧٦، وخلال الفترة من ١٩٧٨ إلى ١٩٨٢ كانت أول مهمة دبلوماسية كاملة له فى الخارج بخدمته فى البعثة المصرية الدائمة لدى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى مدينة جنيف، تحت رئاسة السفير عمران الشافعى، ثم السفير عبدالرءوف الريدى، حيث بدأ دبلوماسيًا شابًا مسئولًا عن ملفات نزع السلاح والشئون السياسية، خاصة تلك المتعلقة بالصراع العربى- الإسرائيلى، وهما موضوعان تلعب فيهما مصر تقليديًا دورًا نشطًا وحازمًا.

وفى نهاية خدمته فى جنيف، اختار العمل فى إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية من ١٩٨٢ إلى ١٩٨٦، وفى ربيع ١٩٨٦ جرى تكليفه بملف نزع السلاح فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم انتُخب لمنصب نائب رئيس اللجنة الأولى والمعنية بنزع السلاح والمنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك فى عام ١٩٨٩.

وبعد عودته إلى القاهرة عام ١٩٩١، جرى تعيينه مستشارًا سياسيًا لوزير الخارجية عمرو موسى، وعن هذه المهمة يقول: «كانت وظيفة المستشار السياسى لوزير الخارجية مستحدثة، ولم يكن لها توصيف سابق ولا مهام محددة، ومن الناحية العملية أصبحت مستشارًا معنيًا بكل ما هو جديد، أو من شأنه أن يشكل مشكلة، أو له حساسية خاصة، دون تولى مهام إدارية أو تنظيمية فى ديوان وزارة الخارجية».

وأوضح: «بمعنى آخر، أصبحت الشخص الذى يكلف بموضوعات يريد الوزير متابعتها شخصيًا عن قرب لحسمها سريعًا، أو مواكبة الجديد منها الذى يحتاج لبلورة بحساسية قبل أن تحول إلى الإدارات المعنية بالوزارة».

وهناك محطة أخرى يجب الوقوف عندها، وهى فترة عمله وزيرًا للخارجية من يونيو ٢٠١٣ حتى يونيو ٢٠١٤، وتحمل فيها مسئولية إدارة السياسية الخارجية المصرية خلال فترة تموج فيها الأحداث والاضطرابات بالعالم العربى والشرق الأوسط، فضلًا عن مشاركته فى أحداث داخلية تاريخية وعديدة عضوًا فى مجلس الوزراء بعد ثورة ٢٠١٣، وخلال الكتاب كشف أسرارًا عما قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.

وفى الفصل الثانى من الكتاب، الذى جاء بعنوان «٣ عقود متواصلة.. وثورتان فى ٣ سنوات»، تحدث «فهمى» عن ولاية الرئيس محمد حسنى مبارك لمدة ٣٠ عامًا، التى تكونت من مراحل مختلفة، وعن شخصيته من الناحية المهنية، فضلًا عن علاقته بالرئيس الراحل أنور السادات، والانتخابات الرئاسية التى أُجريت بعد الإطاحة بالرئيس مبارك، وتنصيب محمد مرسى رئيسًا لمصر فى ٣٠ يونيو ٢٠١٢، وتمثيله جماعة الإخوان المسلمين.

ويؤكد «فهمى» أن مصر تمر بمرحلة انتقالية منذ عام ١٩٥٢ وليس منذ ٢٠١١، كما يدفع بعض المحللين، وعلى مدى نحو سبعة عقود خاضت مصر ثلاث حروب كاملة، وواجهت العديد من التحديات من أجل تحديد سياسة اجتماعية واقتصادية متماسكة، فى ظل التغيير المستمر للعقد الاجتماعى الذى يربط بين المواطنين والدولة.

وأوضح: «على الصعيد الداخلى تواجه مصر العديد من الأسئلة المهمة التى تتجاوز الأسئلة التقليدية بشأن السياسة الاقتصادية، مثل دور الدين فى المجتمع وكيفية إعادة ترسيخ ثقافة التعددية السياسية، وتزايدت التحديات التى تواجه مصر منذ ٢٠١٠، فكانت ثورات العقد الثانى من القرن الحالى فى جوهرها تعبيرًا عن الرفض السياسى لممارسات الماضى، خاصة على الصعيد الداخلى؛ وهى تلك الممارسات التى لم تحقق لا العدالة الاجتماعية ولا الازدهار الاقتصادى، ولا حتى الأمن للشعوب العربية، وهى الأهداف الثلاثة الأساسية لكل الدول».

خلال صفحات الكتاب تطرق «فهمى» إلى العلاقات بين مصر وأمريكا، وتحديدًا فى الفصل السادس الذى جاء بعنوان «أمريكا.. علاقات غير مريحة لا بد منها»، إذ أشار إلى أن مصر دولة إقليمية ذات ثقل، والولايات المتحدة دولة عظمى لها وزنها السياسى والأمنى والاقتصادى، وسعيهما لتحقيق مصالحهما خلق مناسبات كثيرة لتلامس سياستيهما ولتعاونهما.

وأكد أن عزة النفس المصرية لأنها دولة صاحبة حضارة، وشعور أمريكا بتميزها الفريد، أمران جعلا مناخ التعاون مليئًا بالتوتر والحساسية المفرطة إزاء الإخفاقات والإنجازات.