رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمة العربية المقبلة

آخر قمة عربية، القمة الثلاثون، استضافتها تونس، فى مارس ٢٠١٩، وبعد تأجيلين بسبب فيروس كورونا، وربما لأسباب أخرى، جرى الحديث عن تأجيل القمة المقبلة، المقرر أن تستضيفها الجزائر، للمرة الثالثة، استنادًا إلى تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية عن حسام زكى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، غير أن رمطان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائرى، أوضح أن الموعد لم يكن قد تحدّد بعد، حتى يتم تأجيله، وأشار إلى أن الرئيس عبدالمجيد تبون يعتزم طرح موعد يجمع بين الرمزية الوطنية التاريخية والبُعد القومى العربى، ويكرس قيم النضال المشترك، وفقًا للإجراءات المعمول بها فى إطار المنظومة العربية.

القمة الحادية والثلاثون كانت أحد أبرز الملفات التى ناقشها الرئيس عبدالفتاح السيسى مع نظيره الجزائرى، أمس الأول الثلاثاء، خلال زيارة الأخير القاهرة، انطلاقًا من اقتناعهما الراسخ بأن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ، ويقتضى التضافر والتضامن العربى لصونه، وتفعيل آليات العمل العربى المشترك. وفى هذا الإطار، رحب الرئيس السيسى باستضافة الجزائر القمة، معربًا عن ثقته فى نجاح الدولة الشقيقة فى استضافة أعمالها بالشكل الأمثل، مشيرًا إلى أن تلك القمة محطة مهمة لتوحيد الرؤى العربية إزاء مختلف القضايا وتعزيز أطر التعاون والتنسيق بين الدول العربية. كما وجّه الرئيسان بتكثيف التنسيق خلال الفترة المقبلة لتفعيل آليات العمل العربى المشترك فى إطار جامعة الدول العربية.

مع مساعى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وإلى العمل العربى المشترك، لن تغيب، طبعًا، الملفات المزمنة عن القمة المقبلة، مع ملاحظة أن «الدم العربى لا يزال يُراق فى عدد من الأوطان العربية، بأيد عربية حينًا، وعلى يد إرهابيين أجانب وميليشيات عميلة لقوى إقليمية، تسعى للتدخل فى الشئون العربية لإعلاء مصالحها، أحيانًا أخرى». وما بين التنصيص جاء فى كلمة مصر، التى ألقاها الرئيس السيسى فى الجلسة الافتتاحية للقمة السابقة، القمة الثلاثين، ولخّصت، فى نحو ألف كلمة، أزمات المنطقة والتحديات التى تواجهها، سواء ما تراكم منها أو كان إرثًا من مرحلة التحرر الوطنى، التى تزامنت مع تأسيس جامعة الدول العربية، أو تلك الأزمات والتحديات والتهديدات، التى تفجرت، منذ ١١ سنة، فى أكثر من بلد عربى.

حال عقدها، ستكون تلك هى المرة الرابعة التى تستضيف فيها الجزائر أعمال القمة العربية، حيث احتضنتها سنة ١٩٧٣، وسنة ١٩٨٨، ثم سنة ٢٠٠٥، والأخيرة كانت أول قمة عربية بعد وفاة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، وجدد خلالها القادة التزامهم بمبادرة السلام العربية باعتبارها المشروع العربى لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم فى المنطقة، مؤكدين أن عملية السلام كُل لا يتجزأ وتقوم على أساس الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. كما أعرب القادة، حسب البيان الختامى، عن تضامنهم المطلق مع سوريا الشقيقة إزاء ما يسمى «قانون محاسبة سوريا»، واعتبروه تجاوزًا لمبادئ القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة.

سوريا، التى ستكون، غالبًا، هى الحاضر الغائب فى القمة المقبلة، كانت مع مصر، صاحبة مبادرة عقد قمة ١٩٧٣، التى جاءت بعد ٥٠ يومًا من بداية حرب أكتوبر المجيدة، وحضرتها ست عشرة دولة عربية، وكان أبرز مقاطعيها ليبيا والعراق. ومع اتفاق الزعماء على تقديم جميع أنواع الدعم المالى والعسكرى للجبهتين المصرية والسورية من أجل استمرار نضالهما ضد العدو، وإضافة إلى توافقهم على ضرورة استمرار استخدام سلاح النفط العربى، تم إقرار شرطين أساسيين للسلام مع إسرائيل، أولهما انسحاب الأخيرة من جميع الأراضى العربية المحتلة وفى مقدمتها القدس، والثانى هو استعادة الشعب الفلسطينى حقوقه الوطنية الثابتة. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن البيان الختامى للقمة الثلاثين، أو «إعلان تونس»، تضمّن تأكيدًا على المكانة المركزية للقضية الفلسطينية، ودعا إلى إطلاق مفاوضات جادة وفعالة للتوصل إلى تسوية تحقق السلام الشامل والعادل. كما أجمع فيه الزعماء على أن حل الأزمات العربية لا يمكن إلا أن يكون عربيًا دون تدخل أى طرف أجنبى يحاول فرض سيادته على الأراضى العربية. وإلى جانب هذا البيان، أو الإعلان، كانت خطابات عدد من القادة شديدة اللهجة تجاه الدول التى تسعى إلى التغلغل فى المنطقة وتستغل الأزمات لتحقيق أطماعها.