رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الشرطة.. ذكرى وطنية مصرية

 

تحتفل مصر هذه الأيام بعيد الشرطة المصرية، وبالذكرى السبعين لمعركة الإسماعيلية، وهى معركة خاضتها الشرطة المصرية نيابة عن الدولة والشعب ضد أكبر قوة استعمارية عالمية، كانت تعرف حتى ذلك الوقت بأنها «الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس»، لقد كانت معركة الإسماعيلية أحد توابع إقدام مصر على إلغاء معاهدة ١٩٣٦ والتى كانت تنظم وجود القوات البريطانية فى إقليم القناة، بعد الحرب العالمية الثانية، وبزوغ قوى عالمية جديدة رأى مصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر، أنه آن الأوان لإلغاء المعاهدة، وقال قولته الشهيرة: «من أجل مصر وقعت المعاهدة ومن أجل مصر ألغيها».. وخلال أربعة أشهر تحولت الإسماعيلية مركز وجود البريطانيين فى مصر إلى جبهة مقاومة، وكانت قوات الشرطة هى ممثل الدولة المصرية فى دعم الفدائيين المصريين، وهى حقيقة أدركها الجيش البريطانى، الذى قرر إخلاء الإسماعيلية من الشرطة المصرية، وبعد إنذارات متعددة أخذت قوات الشرطة قرارًا بالمقاومة، كان ذلك قرارًا رمزيًا بكل تأكيد، فلم يكن من الوارد أن ينتصر عشرات من رجال الشرطة مسلحين بالبنادق الخفيفة على سبعة آلاف جندى مسلحين بالأسلحة الثقيلة، استشهد ٥٤ من أبطال الشرطة، وأصيب ما يزيد على الثمانين، ونجحت بنادقهم فى اصطياد ١٢ جنديًا بريطانيًا، وإصابة ما يزيد على الثلاثين.. كانت معركة مكللة بشرف الإرادة، وهو ما دعا العسكريين البريطانيين لتوجيه التحية العسكرية لرجال الشرطة وهم يتسلمون منهم مبنى المحافظة، ويصفونهم بأنهم قاتلوا بشرف.. أدت معركة رجال الشرطة المصرية إلى تغيير الوضع السياسى فى مصر للأبد.. ففى الصباح التالى غادرت حكومة الوفد الحكم لآخر مرة، واندلعت مظاهرات غاضبة قادت إلى حريق القاهرة، وأدرك الضباط الأحرار أنه آن الأوان لتحرك سريع يغير قواعد الحكم فى مصر.. وهكذا غيرت دماء أبطال الشرطة مسار التاريخ المصرى بعد أن اختاروا المواجهة بدلًا من الانسحاب.. وبشكل أو بآخر عادت الشرطة المصرية مع أواخر السبعينيات لتواجه عدوًا جديدًا لا يقل شراسة هو الإرهاب المتستر بالدين، وقدم رجال الشرطة شهداء كثرًا، وأجريت محاولات لاغتيال قيادات الشرطة بمختلف مستوياتهم كللت بعضها بالنجاح، لكن أجهزة الشرطة نجحت فى حماية البلد من غول الإرهاب، ومع تصاعد الصراع السياسى فى مصر بعد عام ٢٠٠٥، ركزت بعض وسائل الإعلام الجديدة على نماذج سلبية قليلة للغاية، لكنها استخدمت فى الإساءة للشرطة المصرية، وهى مؤسسة وطنية من مؤسسات الدولة المصرية، وبدا للبعض أن ثمة انحرافًا فى فهم البعض لدور الشرطة المصرية، وعلاقتها بالسياسة وقتها، لكن الحقيقة أن الشرطة كانت دائمًا درعًا من دروع الوطن، وقلبًا صلبًا لا يمكن الاستغناء عنه، ولا السماح له بالتوقف، وهى حقيقة أدركها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ كان وزيرًا للدفاع، فسعى إلى مد جسور الأخوة بين مؤسسات الدولة المصرية، وتوحيدها إزاء الخطر الذى كان يهدد وجود الدولة نفسها، وما إن انفجرت موجة الإرهاب بعد ثورة ٣٠ يونيو، حتى كان رجال الشرطة والجيش فى طلائع الصفوف، وقدموا تضحيات حقيقية، بالدماء، وبالجهد، لم يكن للأمور أن تعود إلى طبيعتها بغيرها، والحق أن السنوات الماضية شهدت تطورًا كبيرًا فى أداء الشرطة المصرية، هذا التطور سار فى اتجاه مزيد من المهنية، والاحترافية فى العمل الشرطى، ومزيد من التحديث للمقار الشرطية بشكل انعكس رمزيًا على المتعاملين معها، حيث كانت الرسالة هى احترام آدمية الإنسان بغض النظر عن سبب تواجده فى قسم الشرطة، التطوير امتد ليشمل كثيرًا من مراكز الخدمات مثل السجل المدنى، والجوازات وغيرهما، وأظن أن خطته ستمتد لتشمل جميع المقار تدريجيًا وفق خطة زمنية، وأظن أن من علامات تطور الشرطة المصرية اختفاء ادعاءات التعذيب فى أقسام الشرطة والتى كنا نسمع عنها منذ سنوات طوال، وهى نتيجة طبيعية لتطور أساليب العمل، واللجوء للأساليب التقنية الحديثة، مثل تتبع الكاميرات، والمحادثات، وغيرهما من الأدلة الفنية الدامغة، التى لم تعد تترك مجالًا لاستخدام أى أسلوب للإجبار على الاعتراف، وكان من علامات التطور الحقوقى فى العمل الشرطى، إيقاف استخدام المواد الخاصة بقرارات الاعتقال فى قانون الطوارئ حتى قبل إلغائه، واللجوء لسلطة النيابة العامة فى إصدار قرارات الحبس، وهى كلها علامات على طريق التطور، جعلت الشرطة المصرية يدًا قوية للشعب وللدولة فى مواجهة المجرمين، والخارجين على القانون، والإرهابيين، وهو ما يجعلنا نوجه لها التحية فى عيدها، متمنين لها مزيدًا من التطور، والترقى فى خدمة هذا الوطن، ومواجهة أعدائه كتفًا بكتف مع كل مؤسسات الدولة المصرية.