رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموت يمر من هنا

كيف يعيش جيران «المعديات» في المحافظات؟

المعديات
المعديات

مركب حديدية تشق مياه النيل ببطء، متكئة على أسوارها النحاسية المتهالكة لتصل إلى مرسى أكثر تهالكًا يربطها صاحبها في أحد الأعمدة بجبل غليظ. الحشود على الأرصفة تسرع نحوها في تدافع شديد من الجميع كبار وصغار، كُلًا يأخذ مجلسه، ومن لا يجد مجلسًا يقف مستندًا على الأسوار وتسير المركب. 

مشهد متكرر يوميًا في منطقة وراق الحضر بمحافظة الجيزة، والتي تحتضن واحدة من أكبر الجزر بها وهي جزيرة الوراق. منذ زمن بعيد لا يعرف أهالي الجزيرة وسيلة مواصلات سوى تلك المعدية والتي تنقلهم من عالمهم الخاص إلى بدايات يومهم الشاق. 

بمجرد أن تطأ قدمك تلك المعدية تشعر كأنها ستغوص بكل ركبها والذين تخطى عددهم المئات. لا آمان هنا فالأسوار متهالكة وقصيرة، والمعدية تعمل بشكل يدوي ولا يوجد حارس بها ينتبه إلى الأطفال الذين اعتلوا السور دون أن يدري أحد بهم. 

الكثير من المعديات تسير وترسو وتقل الكثير من المواطنين دون تأمين أو صيانة ما يعرض حياة الكثيرون إلى الموت، وفق الأهالي الذين يعيشون بالقرب من تلك المعديات ويستخدمونها.

فاطمة.م أحد سكان الجزيرة ومرتادي المعدية قالت: "مش آمان بس مفيش حل تاني قدامنا غيرها، محدش عبرنا في يوم وعملنا أتوبيسات نهرية مؤمنة وإحنا قولنا لأ". 

لا تستطيع فاطمة مرافقة أطفالها كل يوم من إلي المدرسة فتجعلهم يركبون المعدية بمفردهم:  "بنودي كلنا عيالنا المدراس وبيركبوها لأن مفيش حل تاني وبنخلّيها على الله، وأصحاب المراكب سكان وجيرانا فبنوصيهم على ولادنا، وياريت يكون فيه أتوبيس نهري عشان الأطفال". 

عبدالرازق، ساكن في الجزيرة ويعمل بمهنة الفلاحة بها، يقول أنه أصحاب المراكب اشتروها من خلال مزاد تعقده هيئة الملاحة، ويتبعون نظام العائلات: "يعني كل عيلة تشترك في مركب واحد يسوق والتاني يلم الأجرة والتالت يركب الناس، ومش بيقبلوا حد يجي من بره أبًدا يشاركهم في المركب". 

أوضح أنه من الضروري أن يكون لكل سائق معدية رخصة بصلاحية المركب، ومطابقتها بالاشتراطات الأمنية، ورخصة للقيادة في النيل لكن ذلك لا يحدث في بعض الأحيان. 

يحكي عبد الرازق عن عدد من وقائع الموت التي حدثت على شهر تلك المعدية منذ سنوات قائلًا:"ده بتحصل كتير، مرة مركب كان فيها عمال وغرقت بيهم، ومرة تانية كانت محملة عربية وحمولك زيادة ووقعت الناحية التانية، وأطفال بتقع وتفرق منها دايمًا عشان الصور صغير وصاحب المركب بيعتمد على أن عينه عليهم لكنهم بيموتوا في الآخر". 

بينما تؤكد أن أحمد، أن رغم حالات الغرف والوفاه التي تحدث كثيرًا إلا أن الأهالي ليس أمامهم وسيلة أخرى: "نفسنا في أتوبيس نهري يحمينها ويحمي ولادنا لأن المعدية هنا مش آمان خالص بس محدش ييسمع" موضحة أن حادث وقع قبل شهور المركب بغرق طفل سقط من الباجور ولم يستطع ذويه فعل شيء تجاه المركب. 

أضافت: "محدش قدر يعمل حاجة لأن المراكب دي غير مرخصة واللي عليها مش سواقين دول أهالي من الجزيرة، ومفيش تفتيش من المسطحات المائية عليهم الكل بيسترزق وطول ما مفيش بديل هنفض نركبها". 

أشارت إلى أن هناك من جهة اليسار معدية تسمى الجزارين لا تختلف كثيرًا عن الوراق، فلا يمر يومًا إلا ويسقط طفل أو شاب منها ويموت غرقًا لكونها غير مرخصة ولا توجد أي رقابة عليها".