رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقاد وروائيين: ألف ليلة وليلة ألهمت الشرق والغرب بغرائبية حكاياتها

الف ليلة وليلة
الف ليلة وليلة

لاشك أن ألف ليلة وليلة أحد أيقونات التراث الإنساني، وتستمد وجودها من ذلك البهاء والألق الذي تمرره عبر العصور فكانت ولازالت أهم وأبرز نص إبداعي  كوني متخيل، ورغم ذهاب البعض إلى نسب جذورها إلى الفارسية وآخرين إلى الثقافية الهندية، إلا أن التماهي معها كنص عربي أصيل بامتياز يظل هو الأقرب لذهن القارئ العربي.

وعن نجاح  ألف ليلة وليلة كنص مجهول المؤلف أن تخطف الضوء، وتحفر مكانا لها في الماضي وتستقر في الحاضر وتقفز بعجائبيتها وغرائبيتها للمستقبل، عن استمداد نصوص عالمية لوجودها عبر اللجوء لألف ليلة وليلة وعجائبها، والتي  منها  مائة عام من العزلة لأحد أبرز كتاب الواقعية السحرية ماركيز والذي قال عنها عبر مذكراته التي نشرت بعنوان عشـت لتحكي يقول: تعلمت من ألف ليلة وليلة ما لن أنساه أبدا، بأنه يجب أن نقرأ فقط الكتب التي تجبرنا على أن نعيد قراءتها.

الدستور تجيب  في هذا التقرير عبر أدباء ونقاد عن سؤال لماذا تظل ألف ليلة وليلة الرواية الأكثر شهرة وذيوعا وقراءة وترجمة وحياة ووجه ملازم الغرائبية الشرق وسحره.

حرشا عدلي 

رشا عدلي .. ألف ليلة وليلة نص ليس له مثيل 

 قالت الكاتبة الروائية رشا عدلي "ألف  ليلة وليلة".. بالنسبة لي تحمل معنى مختلف، قرأتها في سن صغيرة جدا في طبعة من طباعتها الأولى، كان والدي رحمه الله يحتفظ بها في مكتبته.

نشأ بيني وبين هذا الكتاب الذي كان مفتاحي لعالمي السحري ارتباط وثيق مختلف عن أي كتاب آخر قرأته ويرجع لها الفضل في أني أصبحت كاتبة وقارئة أيضا، فمن خلالها علمت قيمة ومتعة القراءة وشكلت لي أيضًا المعنى الحقيقي للقص والكتابة، وفتحت مداركي على عوالم غريبة وعجيبة وساحرة. وليومنا هذا تشكل لي علامة استفهام ولغز كبيرين.

فهذه الليالي لا يوجد نظير لها، فهي  باختصار تناسل حكائي في إطار شامل ولكنها في الوقت نفسه تظهر كما لو أنها منفصلة. وتتخذ ألف ليلة وليلة لغزها الأكبر من غياب مؤلفها  ومن عدم استطاعته حتى الآن تفسير لأي جنس أدبي تنتمي. فنحن لا نستطيع أن نطلق عليها  رواية أو مجموعة قصصية،  ولكن يمكننا وصفها  بأنها عمل أدبي عملاق خارج  إطار التسمية. 

وكما تركت ألف ليلة وليلة أثرها الكبير في الأدب العربي كان لها تأثير كبير في الأدب الغربي أيضا  فمنذ ترجمتها للفرنسية و أول ترجمة لها كانت ما بين عام 1704 و عام 1717، توالت بعد ذلك ترجمتها لكافة اللغات.

تتابع: هذا العمل الذي ليس له مثيل، أثار فضول أدباء وكتّاب واهتم به على صعيد خاص المستشرقين، الذين وجدوا في عالم هذه القصص الصورة الساحرة  للشرق بثقافته المختلفة والمتعددة، وبهذا المزيج الذي تتداخل فيه الخرافة مع الأسطورة والحقيقة بالخيال دون أن تستطيع الفصل بينهما فهذا الكتاب من روعته يضعك في حالة من الانبهار تفقد فيها التمييز ما بين الواقع من الخيال بالرغم أن الخيال واضح جدا ولكن سحرها يكمن في أن تجعلك  تستطيع أن تصدق أن هناك بساط ريح وفانوس سحري وجنيات وعصا سحرية.

 قال  الأديب الفرنسي فلوبير  "لم أصبح قاصاً إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة". بينما كتب  ستندال أتمنى  أن أصاب بفقدان الذاكرة حتى أعيد قراءة حكايات ألف ليلة وليلة، واستمتع  بها كما استمتع في أول مرة. 

عزة سلطان 

عزة سلطان .. ألف ليلة وليلة بين الصور الذهنية وبراعة النص

من جانبها  أشارت الكاتبة الروائية عزة سلطان  إلى أن "بعد أن نفضت أوروبا يدها من ظلام القرون الوسطى تطلعت نحو مناحي الفن والجمال فخرج المستشرقون لينقلوا عن الشرق صور تخلب العقول الجواري والبذخ وحياة المسرات فجاءت أعمال فنانين مثل ماتيس ورامبرانت ويوجيه دى لاكرو ليعكسوا تصوراتهم عن الشرق.

ولفتت سلطان إلى أن "الصور الذهنية التي انتشرت عن الشرق خلقت شغفًا وعطشًا لما هو قادم فكانت ترجمة أنطوان جالان لنص ألف ليلة وليلة، نحن إذن أمام حكايات الشرق علامة السحر والمتع بكل أشكالها، حكي وقصص تُلهم وتُشبع كل احتياجات الفرد العادي والمبدع، وهي حكايات قابلة للتأويل والافتتان طيلة الوقت، فكلما تقدم الإنسان وغزت حياته التكنولوجيا كان الحنين للصور الذهنية القديمة عن متع الحياة كما هي في الشرق، إن نصًا مثل ألف ليلة وليلة هو غير قابل للفناء ففيه يتحقق حلم كل إنسان هدفه من حياته أن يصل إلى المتعة والرفاهية، مع الحكايات نتحد وننسي خيباتنا وفشلنا، يصنع الحكي متعة خاصة، ويجدل مع الخيال والطموح والحنين حالة فريدة لا تتوفر مع أي نص آخر.

وختمت "في حين أن الغرب يجد في نص مثله طموح وغاية ومتعة متحققة ولو عبر القراءة، يتشبث العرب به كونه أقدم نص سردي، وعلامة على مجد زائل، لكل هدفه في التمسك بحكايات ألف ليلة وليلة وجميعها أسباب تفني ولا تنتهي، فتظل الحكايات عفية خالدة لتحكي لنا ما نحلم به ونتمناه.

أحمد رجب شلتوت 

أحمد رجب شلتوت: ألف ليلة وليلة.. سحر لا ينقطع

 قال الكاتب الصحفي والروائي أحمد رجب شلتوت “شغفت منذ طفولتي بحكايات ألف ليلة وليلة التي كنت أستمع إليها من خلال الإذاعة، فلما كبرت وقرأت  النسخة الورقية رباعية الأجزاء ازداد شغفي بها، وهو الشغف الذي لم ينقطع حتى اليوم”.

وأشار شلتوت إلى أن "لست وحيدا في هذا العشق لألف ليلة، ولا أكون مبالغا إن قلت أن مئات الآلاف في الشرق والغرب قد شغفهم الكتاب حبا، في الغرب ربما تدعم الحكايات الصورة النمطية عن الشرق وسحره ورومانسيته، لكن بالنسبة للقارىء الشرقي والغربي معا أعتقد أن سر خلود الكتاب يرجع للخيال شديد الجموح،  الذي يمارس تأثيرا سحريا على المتلقي، كذلك فإن الحكي التلقائي شديد البساطة والتلقائية، كما يبدو في الظاهر  يقدم حكايات تتداخل وتتوالد بصورة بالغة التعقيد لكنها شديدة البساطة والتلقائية في ذات الوقت.

وتابع "أيضا ذلك المزج الآسر بين حكايات الجن والعفاريت والسحر وحياة الناس العاديين، الذين يتفاعلون بتلقائية مع الخوارق، وتقدم الحكايات وصفاً دقيقاً لعاداتهم وتقاليدهم وطباعهم، بل أيضا تصور ما يرتدون من ملابس وما يشربون ويأكلون، وأحوالمعيشتهم، وعلاقاتهم مع حكامهم، وسعيهم الدائم للانعتاق، ناس ألف ليلة وليلة من كل طبقات المجتمع وكلهم يفعمهم الشغف بالحب والحرية.

وأوضح شلتوت " تحفل حكايات الليالي  بالشحاذين والصعاليك وتفاجئنا بأنهم كانوا في الأصل ملوكا فقدوا عروشهم أو تجارا فقدوا ثرواتهم، وقد تعيدهم بسهولة إلى ما كانوا عليه، ذلك التعاقب والتداول للمال والسلطة يكشف عن  تمرس مؤلفو الليالي بالحياة ومدى خبرتهم بتصاريفها.