رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة شريف تكتب: ترامب فرنسا

سارة شريف
سارة شريف

 

حتى لو كانت فاليرى بكريس، رئيسة حزب الجمهوريين اليمينى الكلاسيكى، هى صاحبة الاحتمالات الأكبر للفوز على الرئيس الحالى إيمانويل ماكرون فى الانتخابات الفرنسية المقررة فى أبريل المقبل، إلا أن ظهور المُرشح «إريك زمور» فى المشهد له دلالات من الصعب تجاوزها بسهولة.

إريك زمور، هو رجل مثير للجدل على نحو خاص، هو مرشح فردى دون حزب، صحفى يهودى ينحدر من أسرة جزائرية، درس فى كلية العلوم السياسية فى باريس، يعيش فى مونتروى «مدينة فرنسية شرق باريس»، عمل مراسلًا لصحيفة لوفيجارو، هو كذلك شخصية تليفزيونية يظهر فى العديد من البرامج التليفزيونية منها، ومعروف بآرائه المعارضة لليبرالية ومواقفه الأصولية.

فى عام ٢٠١٤ نشر كتابه الأكثر نجاحًا حتى الآن، «الانتحار الفرنسى» Le Suicide français، والذى أشار فيه إلى أن الفرنسيين فقدوا الثقة بمستقبل بلادهم، وأن الدولة ضعفت سيطرتها، وبيع حوالى ٥٠٠ ألف نسخة من الكتاب!

فى نفس عام إصدار الكتاب، أنهت قناة i-Télé تعاملها مع إريك زمور على إثر حوار له نُشر فى صحيفة كوريرى ديلا سيرا الإيطالية، عندما صرح قائلًا: «للمسلمين قانونهم المدنى وهو القرآن، والمسلمون يعيشون منغلقين على أنفسهم فى الضواحى، التى أُرغم الفرنسيون على مغادرتها».

سأله المحاور عما إذا كان يقترح إذًا ترحيل خمسة ملايين مسلم فرنسى من فرنسا، فأجابه «زمور»: «أعرف طبعًا أن هذا الحل ليس واقعيًا، لكن من كان يتخيل أن يغادر مليون فرنسى من الجزائر بعد الاستقلال أو أن يترك بين ٥ و٦ ملايين ألمانى أوروبا الوسطى والشرقية حيث كانوا يعيشون منذ قرون».

فى سبتمبر ٢٠١٦، فى لقاء بإحدى القنوات التليفزيونية الفرنسية، انتقد وزيرة العدل السابقة رشيدة داتى لإطلاقها اسمًا عربيًا على ابنتها، وقال إن تسميتها بزهرة يجعلها «أقل فرنسية»، واقترح منع أسماء بعينها منها «محمد»، تصريحه أثار انتقادات واسعة داخل الأوساط السياسية فى فرنسا.

يرفع «زمور» شعار «فرنسا للفرنسيين»، وهو الشعار الذى يعيد إلى الأذهان تصريحات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بأن «أمريكا للأمريكيين».

لا يخلو حديث «زمور» من التحذير من المهاجرين، يكرههم ويشيطنهم، يقول فى تصريحاته: «لم يعد الوقت مناسبًا الآن لإصلاح فرنسا، بل لإنقاذها»، فالفرنسيون لم يعودوا قادرين على التعرّف على بلادهم.

انتقادات «زمور» شملت الاتحاد الأوروبى، حيث طالبه باستيعاب مهاجرى فرنسا، وهو ما يدفع أيضًا بالفكرة الشعبوية «التبادل الكبير» التى تحظى بكثير من التأييد فى الأوساط اليمينية المتطرفة، التى بموجبها يتم استبدال السكان الأوروبيين بالمهاجرين المسلمين وأحفادهم، صحف دولية اتهمته بأنه قريب من مجموعات النازيين الجدد.

تصريحاته المثيرة للجدل، جعلته ضيفًا دائمًا فى المحاكم الفرنسية، وهو يحاكم حاليًا بتهمة تشويه سمعة اللاجئين القصر بوصفهم «لصوصًا وقتلة ومغتصبين»، بعد أن واجه ١٥ قضية مماثلة سابقًا، أدين فى حالتين منها بالتحريض على الفتنة.

ظهور «زمور» يمثل إشارة ليهود فرنسا، وجوده فى المشهد الانتخابى يترك انطباعات، ليس بسبب أصوله ولا بسبب يهوديته، ولكن بسبب مواقفه، وما يمثله وما يحارب من أجله.

الحديث لا يدور عن الرغبة فى فرض قيود الهجرة إلى فرنسا، لمحاولة إعادتها من جديد لطابعها الفرنسى، فكل المرشحين، كما يبدو، يتفقون على هذا الهدف «ولكن بشكل أقل عنفًا وتطرفًا من زمور».

ظهور «زمور» له دلالة ما، خاصة فى المجتمع الفرنسى الذى تصاعدت فيه مظاهر اللا سامية- «العداء تجاه اليهود لأنهم يهود»- خلال السنوات الأخيرة.

بالمناسبة فرنسا عرفت اللا سامية على فترات مختلفة فى تاريخها: فى الحرب العالمية الثانية انتشرت اللا سامية أثناء حكومة «فيشى» التى تعاونت مع الألمان حينذاك.

«زمور» ليس رجلًا صهيونيًا، وغير مرتبط بإسرائيل، لكن ظهوره يمثل شيئًا ليهود فرنسا، وقد يمثل ظهوره ذخرًا أمام تنامى العداء لإسرائيل وتأييد الفلسطينيين فى الشارع الفرنسى، لكن من ناحية أخرى، فإن عداء «زمور» حيال الأقليات والأجانب يمس باليهود الذين ينتمون بشكل واضح للمعارضة الليبرالية التى يعارضها زمور، وهم يفهمون جيدًا أن كراهية الأقليات التى يدفع بها زمور يمكن أن توجه ضدهم يومًا بسبب المشاعر التى يثيرها، المُعضلة الآن، هل سيؤيده حقًا يهود فرنسا؟ أم سيكونون مثل يهود أمريكا الذين اختاروا جو بايدن؟