رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف اخترق الإخوان بنها؟.. أكاديميون يجيبون

الإخوان
الإخوان

تعد العلاقة متعددة الأوجه بين الدين والسياسة، ليس فقط في مصر أو الشرق الأوسط، بل في العالم أجمع، مثار جدل واسع، لدرجة أن تُخصص لها كتبا ومنصات دولية تطرح وتكشف عن الكثير من الأسرار حول تلك العلاقة، والتي تسمح بمعرفة التأثير الديني في الحياة السياسية، ولماذا تسعى فئات ومؤسسات وأشخاص للعب بالدين من أجل التواجد على الساحة السياسية والوصول إلى السلطة.

في هذا الصدد، تقدم مجلة "السياسة والدين" "Politics and Religion" الدولية سلسلة من الأبحاث والأوراق البحثية التي تكشف عن أدوات المؤسسات والتنظيمات التي تشكل الوجود الديني في الساحة السياسية العامة، كان أحدثها ورقة بحثية تم نشرها في أكتوبر 2021 عن جماعة الإخوان تحت عنوان "من دعم جماعة الإخوان المسلمين في البداية؟" "Who Supported the Early Muslim Brotherhood؟" لثلاث من كبار الأكاديميين في جامعات أكسفورد وويسكونسن ماديسون، وأسلو، على الترتيب نيل كيتشلي، وستيفن بروك، وبرينجار ليا، كان بها الكثير من المفاجآت حول لهث الجماعة منذ البداية للدخول إلى عالم السياسة، ومن ثم الوصول إلى سدة الحكم في مصر.

وركز الأكاديميون على العناصر الأولى التي دخلت إلى الجماعة خاصة في الريف وأقاليم مصر، ومنها بنها في محافظة القليوبية، حيث كشفت عن أن أول من انتمى أو قام بالإمضاء على ورقة عضوية الإخوان من المصريين، العاملين في التجارة والإدارة العامة والمهن والذين يعرفون القراءة والكتابة بشكل كبير، لكنهم في نفس الوقت يفتقدون الكاريزما أو الدعم للدخول إلى المشهد السياسي في مصر، وبالتالي كان الدين أو الانتماء إلى مؤسسة دينية هو من سيجعلهم أقرب وأسرع لاختراق السياسة وأن يكون ممثل عن الجماعة أو الحزب السياسي الذي انبثق منها.

كشفت الورقة البحثية أنه على عكس التوقعات فقد كان من يريدون ويوقعون على أوراق العضوية للجماعة من المتعلمين، كما توضح البيانات التي حصل عليها مؤلفو الدراسة وكشفت عن الشرائح التي انتمت ودعمت الإخوان منذ بدايتها، حيث توضح الدراسة الحالة التي أعقبت تشكيل الإخوان ونشاط تقديم التماسات العضوية في المحافظات ومنها القليوبية، وكيف كانت الأسر التي عملت بالزراعة والفلاحة في القرى ومتعلمة هي المفتاح لانتشار جماعة الإخوان في المناطق الريفية.

أكدت الدراسة أنه منذ ظهورها في أوائل القرن العشرين، واصلت جماعة الإخوان عمليات الحشد لفئات معينة خاصة المتعلمين من أصول اجتماعية بسيطة أو متوسطة والمتعلمين العاملين في التجارة والإدارة العامة والمهن، وذلك وفقا لبيانات جديدة حصل عليها المؤلفون من خلال دراسة حالة الأسر في قرية جمجرة الجديدة في بنها بمحافظة القليوبية، وتُظهر التفاصيل النوعية للدراسة، أن جماعة الإخوان المسلمين كانت بارعة بشكل خاص في توجيه تطلعات الطبقة الوسطى الريفية المتعلمة في مصر إلى الساحة السياسية وإعلاء تطلعاتهم نحو السيطرة والسلطة.

وشرح الأكاديميون النمو المفاجئ لجماعة الإخوان المسلمين، من خلال مصادر دعمها الأولية والتي كشفت عن أن الخلفيات الاجتماعية المناصرين لجماعة الإخوان كانوا متعلمين، مشيرين إلى سيادة الطبقة الوسطى الحضرية والموظفين والمعلمين وذوي الياقات البيضاء وصغار التجار ورجال الأعمال والطلاب، بين الأعضاء البارزين للجماعة، وكان الأداة الأولى للجماعة لاستقطاب هؤلاء هو خلق حالة من التعاطف لهم من خلال إدعاء المظلومية.

وأوضحت الدراسة أنه في العقود التي سبقت ظهور جماعة الإخوان المسلمين، كان المهنيون والموظفون والمتعلمين من الطبقة الوسطى أو الأرياف غائبين تمامًا عن البرلمان والمؤسسات السياسية في مصر، ومن هنا كان لهم تطلعات شديدة وواسعة للوصول إلى السلطة فكان من ضمن أعضاء الجماعة المنتسبين إليها في البداية المحامي والطبيب والتاجر الصغير والمعلم والعاملين بالزراعة المتعلمين، ومن ثم تلقت جماعة الإخوان المسلمين الدعم من تلك الشرائح والفئات.

في بنها، على سبيل المثال، كان حوالي 19% من سكانها منتمين لجماعة الإخوان خاصة في أواخر الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن الماضي من خلال عدة عوامل منها أن جماعة الإخوان بدأت في توسيع البرامج المصممة لمحو الأمية وتشكيل الوحدات الكشفية، وتبني الزي الرسمي والعضوية الرسمية وإنشاء هياكل الفروع في المحافظات.

ووفقا للدراسة فقد نجح الإخوان في تكوين فروع قروية في عدة مناطق من مصر، ومع ذلك، لم يكن أعضاء هذه الفروع عمومًا فلاحين، بل معلمون في المدارس وأصحاب المتاجر، ولم تكن الاخوان في الفئات المتدنية كما يظهرون من خلال أحاديثهم بل على العكس أظهر الإخوان اهتمامًا ضئيلًا بالقضايا الزراعية، فلم تسعى جماعة الإخوان لاستقطاب غير المتعلمين في القرى والفلاحين الذين يزرعون الأرض ويعانون من أجل قوت يومهم.

وأشارت الدراسة بشكل لافت إلى أنه كان هناك انضمام من المعلمين للجماعة لأن حسن البنا مؤسسها كان معلما وعمل بالتدريس فترة، وبعد تأسيسه الجماعة في 1928 بدأ البنا بالتدخل بشكل متزايد في السياسات من خلال الخطب والرسائل المرسلة إلى المسؤولين والمقالات في وسائل الإعلام المختلفة التابعة للجماعة حينها، وهو ما يؤكد أن تأسيسها باسم الدين كان مجرد واجهة لكن الحقيقة كان الدخول إلى عالم السياسة ومنه إلى السلطة.