رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تطبق مصر المادة 19؟



تنشغل الدول التى تسمى نفسها بالراعية لحقوق الإنسان بتطبيق المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان باعتبارها المادة الضامنة لضمان حق الفرد في اعتناق ما يشاء معبرا عن معتقده بحرية كاملة، نصها كالتالى: 
"لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود". 
وبموجب هذه المادة المفترض أن تعترف الدول  بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان وفقا لنص الإعلان العالمى، كما يعترف بهذا الحق القانون الدولي لحقوق الإنسان في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث  تنص المادة 19 من العهد الدولي: "لكل إنسان حق في اعتناق آرائه  دون مضايقة" وأنه "لكل إنسان حق في حرية التعبير،  ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
ولكن تأتى هنا المادة 19 لتؤكد أن ممارسة هذه الحقوق يستنبع "واجب ومسئوليات خاصة" وأنه "وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود" عند الضرورة "لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم" أو "لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
وهنا نطرح السؤال المهم: هل مصر من الدول التى تطبق المادة 19؟ ولديها من النصوص ما يسمح لمواطنيها بحرية التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم؟ والإجابة بكل بساطة، هى نعم مصر من الدول التى تؤمن بحرية الاعتقاد وتؤمن بحرية التعبير وليس ذلك فقط، بل إنها من أوائل الدول التى وضعت النصوص الدستورية الضامنة للحريات الأساسية، فقد نص دستور 1923 على حرية الاعتقاد (مادة 12)، كما نص دستور 23 على أن حرية الرأى مكفولة ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بغير ذلك فى حدود القانون (مادة 14)، وأن الصحافة حرة فى حدود القانون والرقابة على الصحف محظورة وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإدارى محظور، كذلك إلا إذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعى (مادة 15).
وإذا نظرنا إلى كل الدساتير المصرية التالية لدستور 23 سنجدها التزمت بنفس تلك المعايير حتى وصلنا للدستور الحالى، والذى ضم 15 مادة من مواده جميعها تضمن حرية الرأى والاعتقاد وحرمة الحياة الخاصة، وجاءت مواده مكملة لما استقرت عليه المبادئ الدستورية طوال قرن من الزمان. 
نأتى عند التطبيق، فبالمراجعة لنصوص المواد 19 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نكتشف أن ممارسة تلك الحقوق يستوجب وضع القيود عند الضرورة أولاً: "لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم" أو"لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
فهل فعلت مصر غير ذلك في أي مرحلة غير التي تحمى أمننا القومي والنظام العام، وهل محاكمات الجماعات الإرهابية لم تراع تلك الضمانات التى تضمن حقوق المتهمين؟ بالقطع التزمت، وخير دليل على ذلك هو استمرار بعض المحاكمات لسنوات لاستنفاذ كل مراحل التقاضي التى تضمن حق المتهمين كاملا، ومن يقول غير ذلك مغرض وهو يعرف نفسه جيدًا.