رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رأس السنة عند مثقفى الستينيات: نوم من المغرب.. وغناء «التحفجية» فى المعتقل

الستينيات
الستينيات

ما بين شراء علب سجائر إضافية، وغناء رائعة سيد درويش «التحفجية»، فى المعتقل، والنوم من المغرب حُزنًا على نكسة ١٩٦٧، تنوعت احتفالات الأدباء والشعراء وغيرهم من المثقفين بليلة رأس السنة.

وفى الوقت نفسه، كان من بين هؤلاء مَن لا يحتفل بهذه المناسبة، وتمر عليه مثلها مثل أى يوم آخر فى حياته، بينما عرف البعض الآخر بأن للسنة «رأسًا» يُحتفل به، بعدما ترك قريته وجاء إلى القاهرة.

فى السطور التالية، نتعرف كيف كان أديب نوبل نجيب محفوظ، وإبراهيم أصلان وأحمد فؤاد نجم وصلاح عيسى وعبدالرحمن الأبنودى وسكينة فؤاد، وغيرهم من أعلام الثقافة، يحتفلون بليلة رأس السنة.

البداية بالأديب العالمى نجيب محفوظ، الذى لم يكن يميل للاحتفال بـ«رأس السنة»، ولم تكن لديه طقوس خاصة فى هذه الليلة، بل كان يُفضل الوحدة والتأمل، وفق ابنته «هدى»، التى قالت لـ«الدستور»، إن الأديب الراحل لم يكن لديه شىء محدد اعتاد عليه فى المناسبات أو الأعياد. 

وفى نهاية عام ١٩٨٨، كانت رواية «زقاق المدق» للأديب العالمى نجيب محفوظ تُوزع فى ألمانيا، كهدية بمناسبة أعياد رأس السنة، ضمن تقليد واظب عليه الشعب الألمانى يتعلق بتعامله مع الأدب العالمى.

وطرحت دار نشر «يونيونز» طبعة خاصة من «زقاق المدق» باللغة الألمانية، وكان سعرها ٣٤ ماركًا «نحو ٤٥ جنيهًا مصريًا وقتها»، وحققت أرقامًا قياسية فى المبيعات، حسب جريدة «الأخبار» آنذاك. 

أما الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم فلا ينسى ليلة رأس السنة التى أعقبت نكسة يونيو ١٩٦٧، ووصفها بأنها «ليلة فظيعة وحزينة ومحبطة»، مضيفًا: «وأذكر أننى نمت ليلتها من المغرب».

بينما توافق ليلة رأس السنة عيد زواج الأديب الكبير إبراهيم أصلان، الذى قال إن «رأس السنة يوم مميز بالنسبة لى، وزوجتى تعتبره يومًا خاصًا، لأنه يوافق عيد زواجنا. لكنى فى الوقت نفسه أحس فيه بالأحزان والشجون، وأعود بخيالى وذكرياتى لفترتى الطفولة والصبا».

وكان «أصلان» يحرص على الاحتفاء بليلة رأس السنة مع أصدقائه من خارج الوسط الثقافى، ولم يكن يحتفل بأى مناسبة أخرى غيرها، لأنه لم يجد الجرأة الكافية التى تدفعه لارتداء ملابس جديدة فى المناسبات والأعياد، حتى إن «المحيطين بى كانوا يستغربون من ذلك»، وفق حكى لـ«روزاليوسف».

وأضاف: «ليالى رأس السنة كانت مصدرًا للبهجة والسعادة والفرحة، وفى إحداها استأجرتُ منزلًا كاملًا فى مدينة العمال بإمبابة، ودعيت أصدقائى الشباب من خارج الوسط الثقافى، حتى أشعر معهم بذكريات الصبا والشباب خلال هذه الليلة التى كنت أجدها مليئة بالشجون والذكريات الجميلة».

ولدى الأديبة والكاتبة سكينة فؤاد ليلتا رأس سنة لا تنساهما، الأولى هى ليلة ١٩٥٦، تقول: «باعتبارى بورسعيدية، هذه الليلة لم تنم فيها بورسعيد، بعد أن عاد مَن غادر المدينة قبلها بأيام وتحديدًا يوم ٢٣ ديسمبر، فقد كانت المينا سهرانة للصبح بالسمسمية، فى ليلة لا توصف».

أما الليلة الثانية التى لا تنساها «سكينة» فتصفها بأنها «ليلة السنة المذبوحة»، تلك التى كانت بسبب «الزعيم الإرهابى جورج بوش»، وكتبت وقائعها بأحرف من ألم، مضيفة: «لم أرَ فى حياتى أسوأ مما يحدث بعدها تحت مسمى مطاردة الإرهاب».

ومثل الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، فإن ليلة رأس السنة الأسوأ فى حياة الناقد والمترجم طلعت الشايب، كانت الليلة التى أعقبت هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧، والتى يقول عنها: «الأسوأ كانت الليلة التى أعقبت نكسة يونيو وتنحى عبدالناصر، حيث الشعور بالإحباط والهزيمة واليُتم».

ولم ينسَ الكاتب الراحل صلاح عيسى ليلة ٣١ ديسمبر ١٩٦٦، التى كانت أول ليلة رأس سنة يقضيها فى المعتقل، رفقة الشاعرين الراحلين عبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب، إلى جانب كل من: سيد خميس وجمال الغيطانى وغالى شكرى ورءوف نظمى وعلى الشوباشى وعادل أمين المحامى.

وقال «عيسى»: «كانت أول ليلة نقضيها بعيدًا عن الأسرة، لذا شعرنا بشىء من التعاسة الكبيرة، لكن نصيبى من هذه التعاسة كان أكبر، لأنها كانت أول رأس سنة لى فى السجن».

وحاولت هذه المجموعة من الأدباء والشعراء «اصطناع الفرحة»، فوزعوا كل الأموال التى أتتهم من الخارج على اللجنة المسئولة عن الترفيه، فاشترت لهم علب طحينة وسجائر إضافية، إلى جانب بعض المشروبات من «الكانتين».

وألف الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، فى الثانية منتصف الليل، قصيدة: «فى داهية يا ٦٦ بالحضن يا ٦٧»، كما غنوا أغنية «التحفجية» للمبدع سيد درويش. 

ولم يكن الأديب جمال الغيطانى يعرف أن هناك احتفالًا بليلة رأس السنة من الأساس، حتى نهاية فترة الخمسينيات، ولم يتوقف عند الاحتفال بها لأن عائلته الصعيدية لم تكن تفعل ذلك، فضلًا عن احتياجها إلى السهر حتى منتصف الليل.

وقال «الغيطانى» إنه عرف بوجود احتفال بليالى رأس السنة عن طريق السينما، وتذكر «كاريكاتير» شاهده فى جريدة «الأخبار» للرسام صاروخان، كان لرجل يقف أمام تقويم قديم مكتوب عليه ١٩٥٩، وآخر ١٩٦٠، مع عبارة ترحب بالعام الجديد وتلعن العام الذى انقضى، مضيفًا: «كنت أتعجب من الاحتفال برأس السنة، وكذلك بأعياد الميلاد».