رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام جديد عندما تخلو حقائب النساء من المرآة


لا أحد يحرر أحدًا، كل إنسان مسئول عن حريته أو عن قيوده، كل مجموعة من البشر مسئولة عن تحررها أو عن قهرها، لا أحد يستطيع إخضاعنا إلا بإرادتنا وموافقتنا، هذه قناعاتى وهى أيضًا أحد الدروس العظيمة التى نتعلمها من قراءة التاريخ أو بشكل أدق إعادة قراءته.
إن غالبية النساء ينسجمن ويتكيفن مع واقع وموروثات ضد إنسانيتهن، وحين يصبحن زوجات وأمهات فإنهن تلقائيًا يقمن بدور الملقن الأول للمفاهيم نفسها التى تُعاملهن معاملة دونية وتفرض "الطاعة" والخضوع.
إن غالبية النساء المتعلمات المشتغلات بمهنة يتكسبن منها موردًا للرزق يفخرن بأنهن "ملزمات" من الرجال، وأنهن غير "مجبرات" على الإعالة والإنفاق فى بيت الزوجية وإذا حدث وأنفقن فهذا من باب التفضل والتكرم على الرجل، ولكن "فتح" البيت اقتصاديًا يظل مهمة "ذكورية" خالصة، وإن أسهمت المرأة فى نفقات البيت تعتبر هذا تفضلًا منها ليست مرغمة عليه وإن خيرت سوف تختار تحمل الرجل جميع التكاليف.
ماذا نسمى هذا؟ إذا لم يكن هو جوهر العبودية؟
إن غالبية النساء تسعدهن فكرة قوامة الرجل على المرأة، ويعجبهن كثيرًا أنهن مثيرات للفتنة التى يجب سترها بالحجاب أو بالنقاب، وعدد كبير من النساء السافرات غير المحجبات وغير المنتقبات، يستهلكن مستحضرات التجميل للتأكيد على أن هويتهن الأساسية هى الهرولة خلف إسعاد وإرضاء العيون الذكورية، وهنا أتذكر مقولة كاتب ساخر وفيلسوف أحبه لأنه يشبهنى فى تأملاته ومزاجه، "هنرى تشارلز بوكوفسكى" ١٦ أغسطس ١٩٢٠- ٩ مارس ١٩٩٤ حين كتب: "عندما تكف النساء عن حمل المرايا أينما ذهبن ربما أصدق حينئذ حديثهن عن الحرية".
وماذا نقول عن نساء يُلقين المحاضرات عن تغيير الوضع الأدنى للنساء، ثم يذهبن إلى البيت يمسحن حذاء الزوج بكل زهو؟ وهناك نساء تخصصن فى القانون ويشتغلن بالمحاماة دفاعًا عن حقوق الغير، لكنهن فى الزواج يرفضن أخذ العصمة ولا يحترمن الزوج الذى يقبل أن تكون العصمة فى يد زوجته، وكثيرًا ما نرى نساء عضوات فى جمعيات يحاربن العنف الممارس ضد المرأة، لكنهن يتعرضن للضرب و"الزعيق" والإهانات اللفظية من قبل الأب أو الأخ أو الزوج.
وعلى شاشات التليفزيونات تطل علينا نساء غاضبات جدًا من استكانة المرأة ويطالبن بضرورة تغيير المجتمع الذكورى وهن "مكبلات" بالكعوب العالية "مقيدات" بالحلقان والأساور والشخاليل التى تتحرك وترن وتصدر أصواتًا كلما تحركن.
ولدينا نساء كاتبات تم "بروزتهن" إعلاميًا يصفن أنفسهن بغرور يستحق الشفقة بأنهن من رائدات "التنوير" فى كل مجال ونجد كتاباتهن "معطلة" للتنوير الحقيقى.
حيث يتعاملن مع الحرية بمنطق الشراء من السوبرماركت أو منطق البقالة وبقالة بالتجزئة وليس البقالة بالجملة، فيروجن أن هناك حريات ليست من أولويات اللحظة الراهنة وأن الشعب ليس مؤهلًا لتعاطى الحريات كاملة وأن المزاج الشعبى العام لا يستوعب كل الحقيقة علينا أخذ يده واحدة واحدة وأن أخذ الأمر مئات السنوات، هن يريدن إرضاء كل الأطراف وعدم الصدام مع الجذور الحقيقية الواضحة للتأخر والقهر، وهذا موقف يتخذه ناس يشتغلون بالسياسة المعتمدة على حساب الحسابات وتقدير الخسائر لتجنبها، فالتنوير لا يريد إرضاء أحد إلا نفسه ومبادئه، ولا يتجنب الخسائر بل يواجهها ويعتبر التحدى هو الانتصار والفوز وليس كسب مكاسب مادية أو معنوية أو الحصول على شهرة على حساب الحرية والتكلم باسم الشعب.
التنوير والحرية يتطلبان "فدائيين" و"فدائيات" يدخلون إلى الأرض الخطر ويدوسون على الألغام لا يتفادونها، الناس لم تعد هى الناس وهذه اللعبة الممارسة منذ آلاف السنوات باسم الحرية والتنوير باتت مكشوفة لكل منْ يعقل ويقارن.
إن القول بأن الشعب ليس مؤهلًا وعلينا إرواءه قطرة قطرة، حجج مستهلكة مضللة مردود عليها وتبريرات مهينة للشعب الذى خرج بالملايين فى 30 يونيو 2013، وأخرج الإخوان المسلمين من الحكم وكان يسبق كل القيادات المتعالية ورواد التنوير المزيفين والنخب المطيعة العفنة، وهذا موقف مع الأسف منتشر بين الكتاب الرجال أيضًا.
الحرية وعى وجهد وشغل وعرق واختلاف وشجاعة وتحمل مسئولية القول والفعل، الحرية مقاومة مستمرة، يومية، لكل تجليات القهر والتنميط الموروث.
الحرية استغناء عن الرضا والمديح وكل أشكال الحماية النفسية والمادية، والحرية شجاعة الاختلاف ودفع ثمن العزف المنفرد الشارد الخارج عن "الجوقة" الجماعية المطيعة.
إن عدم مبالاة غالبية النساء بالحرية الحقيقية هو المسئول الأساسى عن دونية المرأة وتخاذل إحساسها بالكرامة وعن استجابتها المستمرة لأن "تطيع" كونها جسدًا يُعرى أو جسدًا يُغطى أو جسدًا خُلق من ضلع مائل "أعوج" يتولى الرجل "عدله" لتلبية احتياجاته الجنسية وخدماته المعيشية وحمل الأجنة التى تحمل اسمه وتمد وجوده فى الدنيا الفانية.
إن شهوة التحرر لا تحتاج إلى وعى معقد أو منطق غارق فى التفلسف العميق، منذ طفولتى وأنا أسمع من أمى كيف أن والدها الذى لم يكن ذكوريًا رفع صوته على زوجته التى هى أم أمى أو جدتى، انسحبت جدتى فى هدوء وذهبت لإعداد حقيبة من حقائب السفر، سألها جدى: "رايحة فين يا زينب؟"، قالت له: أروح أشتغل غسالة فى البيوت ولا إنك ترفع صوتك علىّ.
ومنذ ذلك اليوم لم يرفع جدى صوته فى البيت ليس نوعًا من الخوف ولكن لأنه رجل ذو إنسانية عادلة يثق فى نفسه وفى حبه واحترامه لزوجته التى أخطأ فى حقها.
لماذا التأرجح بين عصر الحريم وعصر الحرية؟ عصر النساء المستقلات اقتصاديًا يقبضن بالدولار دون مسئولية الإنفاق يتكلمن سبع لغات ويسبحن بالمايوهات الشرعية، عصر العباءات والأكمام الطويلة والطموح القصير؟ عصر الماجستير من السوربون والدكتوراه من أوكسفورد، لكن التقاليد من كفر البطيخ وكفر البلاص، عصر المتخصصات فى البرمجة، وأعقد تكنولوجيات الكمبيوتر لكن "الستر فى بيت الزوج" هو "كلمة السر" هى Password، لشعورهن بالقيمة العليا.
عصر تصحح النساء فيه قصر النظر بالليزر ولا يصححن قصر الكرامة؟ عصر يتيح للنساء شفط الزائد من الدهون دون جراحة مع الإبقاء على شحم الطاعة؟ عصر أظافر طويلة مدببة  ولا تخدش موروثًا ذكوريًا واحدًا، عصر الإنجاب خارج الرحم والوجود خارج التاريخ وخارج التمرد، عصر نساء يسبحن فى السماوات المفتوحة ويُضربن فى البيوت المغلقة.
تخدمهن خادمات من الفلبين يركبن سيارات فى حجم الدبابات ويلجأن إلى الدجالين والمشعوذين لإعادة الزوج الذى هجرهن فى المضاجع، أمهات يحتفلن بعيد فالنتين عيد الحب، وهن يُحرمن الحب على بناتهن وأولادهن، ويعتبرن المشاعر "عار" و"جريمة" و"قلة أدب" إذا لم تقترن بالزواج؟
إن أجمل وأعظم ما فى الحرية أنها لا تذهب إلا لمْن يستحقها، ومنْ يستحقها لا بد أن يخوض أولًا معركته الأكثر صعوبة على الإطلاق وأكثرها دلالة على الاتساق مع الذات والصدق وهى معركته الداخلية مع نفسه.
العام الجديد لن يكون جديدًا طالما هناك أحزاب ترقيع الحرية وجمعيات تجزئة الحرية ومجالس ومراكز باسم تحرير المرأة وأنسنة أوضاعها، تدعم قهرها وترسخ استعبادها، وطالما أن هناك نساء يدخلن الألفية الثالثة وعامها الثانى والعشرين بأفكار القرون الوسطى وثقافة تعتبر المرأة دمية رأسمالها هو تجملها وتزينها وفساتينها وشعرها وأظافرها.
العام الجديد عندما تخلو حقيبة النساء من المرآة وأصابع الروج.
من بستان قصائدى 
قصيدة ليلة رأس السنة 
- اليوم عند كل الناس "عيد"
- وأنا بعد مرور أزمنة العمر
- لا أعرف معنى كلمة "العيد"
- خرجت من جسد أمى الفريد
- أصبحت رقمًا من سكان الأرض
- ولم أذق فرحة أى عيد
- أفراحى تنفر من التواريخ الموروثة
- ليست مكتوبة ومدونة فى الأجندات
- تهرب من أرشيف الصفحات المحبوسة
- أفراحى ليست متكررة
- استهلكتها الأزمنة والسنوات
- مثل السحابة السوداء والشبورة البيضاء
- أو السجادة الحمراء والصحافة الصفراء
- مثل ذعر الثانوية العامة واكتئاب الزوجات
- أفراحى ليست فى المال والبنون
- وصحبة الرجال فى سهرات العشاء
- أفراحى ضد السرقة والتقليد والتزوير
- تقاوم هزات الزلازل واختراق الدخلاء
- أفراحى مخبأة فى الأجساد النحيلة والقلوب الحزينة
- أفراحى ذائبة فى كأس الصبر المُرْ
- قفزت وحيدة دون حقائب على ظهر السفينة
- أفراحى تنهمر فجأة مبللة بالشجن والأسرار
- تأتى بمزاجها دون ترقب أو انتظار
- اليوم ليلة رأس السنة
- عيد فى دنيا مبرمجة لاهية من بعيد
- تطرق بابى كالمرض الخبيث العنيد
- لكننى محصنة بتجاربى ومناعتى الفطرية
- عقلى قد تعاطى المصل الواقى
- وقلبى رغم رقته صامد كالحديد
- أتأمل ماذا يفعلون الليلة
- يحجبون رأس المرأة
- ويحتفلون برأس السنة
- أنا شخصيًا
- لا يهمنى رأس المرأة
- ولا يهمنى رأس السنة
- لا يهمنى إلا رأسى أنا
- ولا أحتفل إلا برأسى أنا
- المرفوعة فى شموخ وكبرياء
- على مدى العمر وطوال أيام السنة